التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مناهج البحث الاجتماعي| البحث العلمي

 

د. بسام أبو عليان
أستاذ مساعد بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
جامعة الأقصى

تعريف البحث العلمي:

التعريف اللغوي:

جاء في قواميس اللغة العربية، البحث: هو طلب الشيء في التراب أو تحته، أي فتّش، ونبش، واستقصى. يقال باحثه: أي حاوره، وجادله، وبيّن له المقصود بالدليل. تباحثا بمعنى تجادلا، وتحاورا. بحث الأمر: حاول معرفة حقيقته. جمع بحث: أبحاث، وبحوث. معناه: التمحيص والتفتيش، أي بذل جهدًا في موضوع ما، ومنه البحث العلمي، ويطلق على الشخص المحب للبحث (باحث).

التعريف الاصطلاحي:

v  توكمان: "محاولة منظمة للإجابة على سؤال معين، وقد تكون الإجابة عامة أو مطلقة كما هو الحال في البحوث الأساسية أو إجابات محددة كما هو الحال في البحوث التطبيقية". 

v  دالين: "محاولة دقيقة، ومنظمة، وناقدة للتوصل إلى حلول لمختلف المشكلات التي تواجهها الإنسانية وتثير قلق وحيرة الإنسان".

v    وينتي: "استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائق وقواعد عامة يمكن التأكد منها".

v    بولنسكي: "استقصاء منظم يهدف إلى اكتشاف معارف والتأكد من صحتها عن طريق الاختبار العملي".

v  مهدي فضل الله: "الجهد الذي يبذله الباحث تفتيشًا وتنقيبًا وتحقيقًا وتحليلًا ونقدًا ومقارنة في موضوع ما بغاية اكتشاف الحقيقة أو الوصول إليها وليس للبرهنة على شيء ما أو إثبات موضوع ما أو تأييد رأي ما يتفق مع رؤيته أو ميله".

v  "عملية فكرية منظمة يقوم بها شخص يسمى (الباحث)؛ من أجل تقصي الحقائق في شأن مسألة أو مشكلة معينة تسمى (موضوع البحث)، باتباع طرق علمية منظمة تسمى (منهج البحث)،؛ بغية الوصول إلى حلول ملائمة للعلاج أو إلى نتائج صالحة للتعميم على المشكلات المماثلة تسمى (نتائج البحث)".

v  "وسيلة يحاول بواسطتها الباحث دراسة ظاهرة أو مشكلة ما للوصول إلى كشف الآليات التي تتحكم فيها، بالإضافة إلى حصر العوامل التي تكون وراء حدوثها بصفة مباشرة وغير مباشرة، وهذا يسمح بالتفسير والقدرة على التنبؤ مستقبلًا بالأبعاد التي تأخذها الظاهرة".

v    "عملية منظمة للتوصل إلى الحلول لمشكلات، أو إجابة على تساؤلات، تستخدم فيها اساليب في الاستقصاء، والملاحظة المقبولة والمتعارف عليها بين الباحثين في مجال معين، ويمكن أن تؤدي إلى معرفة جديدة

v  يمكنني تعريف البحث العلمي: "عملية مخططة ومنظمة تسعى إلى حل مشكلات الكون وفق قواعد وخطوات علمية متسلسلة ومرتبة، بهدف التوصل إلى القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية والاجتماعية".

خصائص البحث العلمي:

1)  يسهم البحث العلمي في تراكم المعرفة العلمية، فكل بحث مكمل ومتمم لما قبله، أو مصححًا لفكرة سابقة خاطئة أو غامضة.

2)    ينشأ البحث العلمي من سؤال يدور في ذهن الباحث، فهو بحاجة إلى إجابة، أو لوجود مشكلة هي بحاجة إلى حل.

3)  البحث العلمي ليس عملية عشوائية أو ارتجالية، إنما هو عملية منظمة، ومخططة، لها قواعد وإجراءات منهجية محددة، فلا يحصل الباحث على معلوماته بالصدفة، أو يقتصر على خبرته الشخصية.

4)  ينطلق الباحث من الواقع في فهم، ودراسة، وعلاج المشكلات، ولا يعتمد على الخيال، والمثاليات؛ حتى يحيط بكافة جوانب الظاهرة.

5)    البحث العلمي ليس بحثًا لأجل البحث، إنما يسعى لحل مشكلة أو تفسيرها من خلال نظريات وقوانين علمية.

6)    يسعى البحث العلمي لاكتشاف القوانين التي تحكم الظواهر.

7)    يعتمد البحث العلمي على التجربة والتكرار؛ حتى يتأكد من صحة التجارب، واستبعاد ما هو خاطئ.

8)    يقسم الباحث المشكلة إلى أجزاء؛ ليتمكن من إدراكها ودراستها.

أهداف البحث العلمي:

1.    توسيع المعرفة العلمية، والإجابة على تساؤلات (كيف، وماذا، ومتى، وأين؟).

2.    اكتشاف حقائق، وقوانين، ونظريات لم نعرفها من قبل.

3.    يعلمنا كيفية التعامل مع المواقف والأحداث المشابهة.

4.    يمكننا من كشف العلاقة بين المتغيرات، ويوضح أسباب المشكلة، ونتائجها، وكيفية حلها.

5.  إحياء موضوعات قديمة وإعادة بحثها بما يستجد من حقائق لم تكن معروفة أو متوفرة سابقًا، وتناولها برؤية جديدة تخدم قضايا مجتمعية وإنسانية معاصرة.

دوافع البحث العلمي:

1.    دوافع تعليمية: تعليم، وتوعية، وتثقيف أفراد المجتمع.

2.    دوافع شخصية: تحسين المستوى الأكاديمي للباحث.

3.    دوافع مؤسسية: زيادة عدد الأبحاث التي تصدر عن المؤسسة.

4.    دوافع سياسية: دعم الخطط والبرامج السياسية.

5.    دوافع تكتيكية: تأخير اتخاذ قرار لحين الانتهاء من البحث.

شروط البحث العلمي:

1.    أن يقرأ ويفهم الباحث ما كتب حول موضوع بحثه.

2.  أن يدوِّن الباحث ما يرد إلى خاطره من أفكار حول البحث، ثم يعيد صياغتها لاحقًا بشكل علمي، لذا ينصح أن يكون قلم ومفكرة صغيرة ملازمتان له؛ حتى يدون أفكاره سريعًا؛ لأنها شديدة التفلت والنسيان.

3.    ألا يعتقد الباحث أنه يعلم ما لا يعلمه الآخرون، فيكتفي بذكر رأيه دون تدعيمه بآراء الآخرين.

4.  ألا يعتبر الباحث أي رأي من الآراء أنه حقيقة مسلَّم بها لا تقبل النقاش، وإنْ كان صاحب الرأي عالم مشهور، لاسيما في العلوم الاجتماعية التي تتعدد وتتباين فيها الآراء حول القضية الواحدة. قال الشافعي: "من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنجِ".

5.  ألا يعتبر الباحث رأيًا من الآراء أنه حقيقة نهائية، وإن كان يمثل رأي الأكثرية، أو رأي مجموعة باحثين، أو رأي لجنة علمية. قال أبو حنيفة: "ما جاء عن النبي r فعلى العين والرأس، وما جاء عن الصحابة تخيرنا منه، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال".

يلاحظ أن أبا حنيفة قسّم الآراء إلى ثلاث مستويات:

v  الأول: ما نقل عن رسول الله r: أحكام لا تقبل النقاش والجدال؛ كونه لا ينطق عن الهوى، وأنه الشارح الدقيق لآيات القرآن الكريم.

v  الثاني: ما نقل على الصحابة رضي الله عنهم: هو غير ملزم بأن يأخذ كل ما نقل عنهم، فهو يأخذ ما يراه مناسبًا، ويدعم رؤيته واجتهاده.

v  الثالث: ما نقل عن التابعين: هنا تظهر جرأة أبو حنيفة وتحرره من العقلية التراثية التي تقدس الماضي وتقبله على علله، كأنه يقول: "مثلما كان للتابعين قدرة على الاجتهاد، ولهم آراء في المسائل الفقهية، كذلك نحن نمتلك ما يمتلكون من القدرة على الاجتهاد في مسائل الفقه".

6.  يحرص الباحث على تحري الدقة والفهم الصحيح لما ينقله من آراء، أحيانًا يخطئ ويخلط بين الآراء بسبب سوء الفهم، أو سرعة النقل، أو التسرع في إصدار الأحكام.

7.  يحرص الباحث على الالتزام بالموضوعية، فلا يحذف رأيًا يخالف رأيه أو يعارض مذهبه، ولا يلجأ إلى الخيال، ويتجرد من كل فكرة سابقة، ويعتمد على: الملاحظة، والتجربة، والقياس.

ومضة| بما أن الباحث فرد من أفراد المجتمع، فإنه يصعب عليه التجرد مطلقًا من مشاعره، وعلاقاته، وثقافته. لذا، يُنصَح ألا يتسرع في إصدار أحكامه، وتعميم نتائجه قبل أن يأخذ الوقت الكافي في جمع المعلومات، والدراسة، والتحليل.

8.    أن يكون الباحث أمينًا في نقل الآراء والاقتباسات، فيسند كل رأي إلى صاحبه، وكل مقتبس إلى مصدره.

9.    يتحرى الباحث الدقة في استخدام المفاهيم، وتحديد مدلولاتها بدقة.

10.  يتحرى الباحث الدقة في الملاحظة.

11.  يعتمد الباحث على نفسه في تحديد موضوع البحث، ولا بأس من الاسترشاد والاستنارة بآراء ذوي الاهتمام والاختصاص.

12. أن يتجرد الباحث من الآراء الشائعة التي ليس لها سند علمي. مثلًا: "يعتقد البعض إذا رأي غرابًا فأل شؤم، ولن يوفق في سائر يومه". هذه أفكار شائعة بين العوام ليس لها سند علمي، فمن الخطأ الاستناد عليها في البحث العلمي.

أهمية تعليم مناهج البحث العلمي للطلبة:

هناك العديد من الفوائد التي يمكن للطالب أن يجنيها من تعلمه أصول ومناهج البحث العلمي، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

1.    تكوين ثروة معرفية لدى الطالب حول الموضوعات التي يبحث فيها.

2.    يعتمد الطالب على نفسه في جمع المادة العلمية حول موضوع البحث.

3.    يستند الطالب على أسس علمية ومنهجية في جمع المعلومات من مصادرها.

4.  يتعلم الطالب كيفية التعامل مع المصادر والمراجع، والاقتباس، والتوثيق، والتعليق، والقدرة على تفنيد سقيم الآراء من صحيحها... إلخ.

5.    تعويد الطالب على القراءة والمطالعة.

الفرق بين البحث العلمي والدراسة النظرية:

v   البحث العلمي:

يتصف البحث العلمي بالإبداع والابتكار، حيث يأتي الباحث بشيء جديد لم يسبقه إليه أحد، أو يعيد النظر في قضية بحثت من قبل، لكنه يدرسها بأسلوب جديد، ويتطرق إلى جوانب لم يُتَطَرَّق لها من قبل.

v   الدراسة النظرية:

لا يُشتَرط في الدراسة النظرية أن يأتي الباحث بشيء جديد يضاف إلى المعرفة العلمية. هذا لا يعني التقليل من أهمية الدراسة النظرية، بل البحث العلمي والدراسة النظرية مكملان لبعضهما البعض، فالدراسة النظرية تستند على نتائج الأبحاث العلمية، والأخيرة تعتمد على الدراسات النظرية عند عرض مشكلة البحث.

السلوك غير الأخلاقي في البحث العلمي:

1.    اتخاذ بعض الباحثين البحث العلمي مهنة لأجل المال، أو الوظيفة، أو الترقية، أو الشهرة، لذلك بعض الباحثين ينتهكون القيم الأخلاقية في البحث، ويتجردون من الموضوعية.

2.  ضعف الدعم الحكومي المقدم إلى المؤسسات العلمية جعل بعض الباحثين يبحثون عن دعم خارجي؛ ليشبعوا نهمهم البحثي، وإنْ خرجوا بنتائج محرفة.

3.  بعض الأبحاث المميزة يحصل صاحبها على مكافئات مالية، فالذي يحصل على براءة اختراع يمكِّنه من الحصول على آلاف الدولارات، فاهتمامه بالمال قد يدفعه إلى ممارسات غير أخلاقية في البحث.

4.  بعض المحكمين والمشرفين على الرسائل العلمية، والأبحاث العلمية ليس لديهم وقتًا كافيًا للاطلاع عليها؛ لمراجعتها وتنقيحها، فكثير من الأوراق العلمية المنشورة لم تقرأ، الدليل على ذلك: غرقها في الأخطاء الإملائية، وعدم إتباع التقليد العلمي في توثيق المراجع، وعدم الجدية والابتكار في البحث.

بناءً على ما سبق؛ يجب تعليم الطلبة أخلاقيات البحث العلمي من خلال الفهم والممارسة معًا؛ حتى يتجنبوا الممارسات غير الأخلاقية في البحث، فكما نربي أولادنا على الخير والفضيلة، يجب أن نربي طلبتنا على الممارسات الأخلاقية في البحث العلمي، فهذه ليست أقل أهمية من تلك.

المسؤولية الأخلاقية للباحث العربي:

1)  المساهمة في توسيع رقعة المعرفة العلمية في المجتمع العربي من خلال زيادة رصيده المعرفي، وإجراء أبحاث تتناول مشكلات حقيقية في المجتمع العربي.

2)    الالتزام بأهداف، وتطلعات، وطموحات المجتمع العربي.

3)    مراعاة القيم الدينية، والأخلاقية، والثقافية، والاجتماعية في أبحاثه.

4)    الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي.

قيم البحث العلمي:

1.    احترام كرامة وإنسانية المبحوثين.

2.    احترام ديانة وثقافة المبحوثين، وعدم الإساءة إليهم صراحة أو تلميحًا.

3.    الحصول على موافقة المبحوث أولًا، والموافقة على الوقت والمكان اللذان يناسبانه ثانيًا.

4.    الحصول على موافقة الجهات الرسمية، وجهة الاختصاص قبل تنفيذ البحث.

5.    الحفاظ على خصوصية المبحوثين.

6.    التأكيد على سرية معلومات المبحوثين، وعدم استخدام المعلومات إلا لأغراض البحث العلمي فقط.

7.    ألا توجه الأسئلة للمبحوثين إلا في سياق موضوع البحث، والابتعاد عن الأسئلة الخاصة.

8.    حماية المبحوثين من أي يلحقهم أي ضرر جراء مشاركتهم في تعبئة الاستبيان، والإدلاء بالمعلومات.

9.  احترام رغبة المبحوث، وعدم الضغط عليه إن رغب بعدم الاستمرار في المشاركة وتعبئة الاستبيان، والإدلاء بالمعلومات.

مشكلات البحث العلمي في المجتمع العربي:

1)  عدم توفر المناخ المناسب للبحث العلمي في ظل انعدام حرية التعبير، وانتشار الأنظمة السياسية التسلطية، وتفشي قبضة الأجهزة الأمنية التي تلاحق الباحثين إن تناولوا مشكلات لا توافق هوى النظام الحاكم.

2)    عدم تطبيق ما توصلت له الأبحاث العلمية من حلول لمشكلات المجتمع، فغالبًا تكون الأبحاث أسيرة أدراج المكاتب، أو طريحة رفوف المكتبات ينهشها الغبار. فيجعل ذلك حسرة في قلب الباحث، وخسارة للمجتمع الذي لم يستفد من ثمرة تلك الأبحاث العلمية، وما يمكن أن تقدمه من حلول لمشكلات المجتمع.

3)  ضعف التنسيق بين المؤسسات البحثية المحلية والعربية أدى إلى تكرار العديد من الأبحاث في نفس الظروف المتشابهة.

4)  عدم استفادة المؤسسات الرسمية والأهلية العربية من نتائج الأبحاث في معالجة مشكلات المجتمع العربي ولَّد إحباطًا لدى الباحثين.

5)    صعوبة مشاركة الباحثين في المؤتمرات العلمية الدولية؛ لأسباب مختلفة موزعة بين مادية، وأمنية، وسياسية... إلخ.

6)  ضعف تنظيم الأيام الدراسية وورش العمل التي من شأنها تأهيل الباحثين، - لاسيما الجدد -، فيما يتعلق بأخلاقيات ومهارات البحث العلمي.

7)    ضعف شبكات المعلومات العربية، وعدم تواصلها مع آخر ما توصلت له الأبحاث العلمية المحلية والإقليمية والدولية.

8)  الروتين الإداري الذي يعيق الباحث العربي، وعقم الأساليب الإدارية المتبعة في المؤسسات البحثية والجامعات العربية التي لا تساير التطور العلمي، فتجعل الباحث يعزف عن البحث.

9)  عدم وجود خطة شاملة للبحث العلمي في المجتمع العربي، وعدم وجود جهات عليا تنسق بين الجهود العلمية في المؤسسات والمراكز والجامعات العربية.

10)  ضعف المكتبات العربية في اقتناء آخر الإصدارات والأبحاث العلمية.

11)  تدني تقدير جهد الباحث والبحث العلمي على الصعيد المجتمعي.

12) فقد الثقة في الجهد البحثي العربي، مقابل استيراد أفكار غربية ومحاولة تطبيقها عربيًا رغم أنها لا تتطابق مع مشكلات المجتمع العربي.

صفات الباحث:

ليس كل فرد يستطيع الادعاء أنه باحث ناجح، وإنْ تعلم أصول وقواعد البحث العلمي. حب البحث والتنقيب عن المعلومة موهبة كأي موهبة أخرى مثل: الرسم، والنحت، والشعر، والقصة، والرواية، والإنشاد... إلخ. الباحث الموهوب تكون أفكاره واضحة، وتحليله عميق، وحجته قوية، وقادر على الاستنباط واستخلاص النتائج وإصدار الأحكام. لذلك قد تجد فردًا يملك موهبة البحث، ولم يكمل تعليمه الجامعي، أو لم يدخل الجامعة أصلًا، يسوق "مهدي فضل الله" مثالًا على ذلك، فقال:

"أثناء تحضيري لشهادة الدكتوراه في جامعة السوربون في فرنسا حضرت مناقشة نتاج كاتب له أربع مؤلفات مشهورة، ولم يسبق له أن التحق بالدراسات العليا في الجامعة، وقد منح على إثرها درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف. وفي جامعة كامبردج ببريطانيا يجوز للطالب الذي لم يسبق له الالتحاق بالجامعة ولا يحمل أية شهادة علمية بالتحضير لشهادة الدكتوراه إذا أثبت جدارته وصلاحيته للبحث العلمي، ويتم اختبار ذلك عن طريق: اختبار خطي وآخر شفوي". (انتهى كلامه).

وعليه؛ يمكن القول: أن تفوق الطالب في مرحلة البكالوريوس لا يعتبر شرطًا ضروريًا لتفوقه في الدراسات العليا. كم من طالب كان متفوقًا في البكالوريوس لكنه لم يوفق في دراساته العليا؛ لأنه لم يمتلك مهارة البحث؛ واعتمد على التلقين والحفظ، في حين طالب لم يكن متفوقًا في مساقات الحفظ، لكنه أبدع في مجال البحث.

لقد ضجت كتب البحث العلمي بالصفات التي يجب توافرها في الباحث، ويمكنني حصرها في النقاط الآتية:

1.    (العقل، والفطنة، والذكاء) بهن  يدرك الباحث حقائق الأمور.

2.    الصبر والجَلَد وتحمل متاعب البحث.

3.    الإحاطة بالمجال المعرفي الذي يبحث فيه؛ ليتمكن من انتقاء المراجع الجيدة.

4.    التمتع بقدر من الشك العلمي الذي يقوده إلى التحقق من صحة فرضياته.

5.    الشهوة الدائمة لطلب العلم، والدافعية لإنجاز البحث بحيث لا يفتر ولا يمل أثناء البحث ولا يقطع البحث وسط الطريق.

6.    توفير الدعم المادي اللازم الذي يكفي تكاليف البحث.

7.    التفرغ للبحث العلمي.

8.    الموضوعية دون التعصب لمذهب نظري، أو مدرسة فكرية، أو طائفة.

9.    الأمانة العلمية فينسب كل عمل لصاحبه.

10.  اختيار مشرف لا يبخل عليه بعلمه واستشارته.

محددات البحث الاجتماعي:

على الرغم من استخدام المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية إلا أنها لا ترقي إلى دقة العلوم الطبيعية، وهذا يعود إلى عدة محددات في العلوم الاجتماعية، هي:

¨     تعقد موضوعات البحث الاجتماعي؛ لأنها تدرس سلوك الإنسان المعقد.

¨  صعوبة تطبيق الملاحظة في العلوم الاجتماعية؛ لأنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى الموضوعية، وقد تفسر وفقًا لقيم واتجاهات الملاحِظ.

¨  صعوبة إعادة التجربة في العلوم الاجتماعية، وهذا على خلاف العلوم الطبيعية؛ لأنه يصعب إعادة الظروف الاجتماعية التي وقعت فيها الحادثة.

¨  صعوبة ضبط العوامل المؤثرة في المشكلة الاجتماعية، فالمشكلة الاجتماعية لا يفسرها عامل واحد، بل تتداخل فيها عدة عوامل.

خطوات تصميم البحث الاجتماعي:

مصطلح "تصميم" مستعار من علم الهندسة، وهو كغيره من المصطلحات الاجتماعية المستعارة من العلوم الطبيعية. فالمهندس قبل الإقدام على بناء أي مشروع يضع له تصميمًا هندسيًا مبنيًا على قواعد وأسس علمية، ثم يحدد إجراءات البناء اللازمة، فيحدد: (الأساسات، والطول، والعرض، والمداخل، والمخارج، والمواد الخام اللازمة، والتكلفة المادية، ومدة الإنجاز)، بعد ذلك يعطي الإذن للشروع في البناء. بمعنى آخر، كلمة تصميم تعني: "عملية تسعى إلى تحقيق هدف محدد مسبقًا". ما قيل بحق المهندس يقال بحق الباحث الاجتماعي أيضًا، فعند شروعه في دراسة ظاهرة اجتماعية ما يجب أن يكون على دراية بميدان البحث؛ ليتمكن من تحديد الأدوات جمع البيانات المناسبة، وقبل الشروع في البحث يجب على يجيب على التساؤلات الآتية:

v    ما هو الموضوع الذي يدور حوله البحث؟

v    ما هي نوعية البيانات المطلوبة؟

v    أين توجد هذه البيانات؟

v    ما هي الأدوات التي ستتبع في جمع البيانات؟

v    لماذا سيتم إجراء هذا البحث؟

v    في أي المجالات سيتم تطبيق البحث؟

v    في أي فترة زمنية سيتم تنفيذ البحث؟

v    على أي بقعة جغرافية سينفذ البحث؟

v    ما هي الفترة الزمنية التي سيغطيها البحث؟

v    كم حجم عينة البحث؟

v    ما هي الأسس التي ستتبع في اختيار عينة البحث؟

v    ما هي الأساليب التي ستوظف في جمع البيانات؟

v    ما هي المناهج التي ستتبع في إجراء البحث؟

يعد تصميم البحث جوهر البحث، يلجأ له الباحث منذ أن يقرر البحث، ويصاحبه في كل مراحل البحث حتى إتمام المرحلة النهائية (كتابة تقرير البحث)؛ لأجل ذلك يجب على الباحث عندما يقدم على تصميم البحث أن يكون ملمًا بأخلاقيات البحث العلمي، وقد تمرن على ذلك بالإطلاع على الكتابات السابقة في هذا المجال؛ ليستفيد منها ويسترشد بها.

فيما يلي عرض خطوات تصميم البحث الاجتماعي:

1.    المقدمة.

2.    مشكلة البحث.

3.    أهمية البحث.

4.    مفاهيم البحث.

5.    أهداف البحث.

6.    الدراسات السابقة.

7.    فروض البحث.

8.    مناهج البحث.

9.    أدوات جمع البيانات.

10.  مجالات البحث: (الزمني، الجغرافي، البشري).

11.  جمع البيانات والمعلومات.

12.  تصنيف البيانات وتبويبها وتفريغها.

13.  تحليل البيانات وتفسيرها (التحليل السوسيولوجي).

14.  كتابة التقارير النهائي.

في الفصول اللاحقة سنتحدث عن تلك الخطوات بشكل متسلسل ومفصل.

المرجع| بسام محمد أبو عليان، مناهج البحث في علم الاجتماع، ط3، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2022، ص10-23.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها: (الترحيب بال

علم الاجتماع الحضري| الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري

د. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى الاتجاهات النظالكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري: يمكن التمييز بين اتجاهين نظريين كلاسيكيين في علم الاجتماع الحضري درسا المدينة وظاهرة التحضر، هما: الاتجاه المحافظ، والاتجاه الراديكالي. أولًا| الاتجاه المحافظ: |      المبدأ الأساسي الذي يحكم المجتمع، هو: الثبات، والاستقرار، والنظام. |      من علماء الاتجاه المحافظ: ‌أ.         أوجست كونت: اهتم بقانون المراحل الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية)، وقارن بين الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية. ‌ب.    إميل دوركايم: اهتم بموضوعات، مثل: تقسيم العمل، والانتحار، والدين، والتضامن الآلي والتضامن العضوي. ‌ج.    ماكس فيبر: اهتم بأنماط السلطة الثلاث: (التقليدية، والكاريزمية، والقانونية)، ودرس موضوعات: البيروقراطية، والرأسمالية، والدين، والفعل الاجتماعي. وربط بين تطور المدينة والتغيرات التي طرأت الثقافة الغربية. ثانيًا| الاتجاه الراديكالي: |      ركز على الصراع الطبقي، وانتقال المجتمعات من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وقد جعلها ماركس في خمس مراحل، هي: (المشاعية، والإقطاعية، والرأسمالية، والاش

الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والطفولة| الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة

د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة تعريف الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة: "الممارسة المهنية التي تهتم بتزويد الأطفال بالخدمات الاجتماعية، والمساعدات التي تعمل على حمياتهم، وعلاج المشكلات الاجتماعية، والنفسية، من خلال عمل الأخصائيين الاجتماعيين في عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية". المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة: 1.     مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري: تعمل على علاج مشكلات الأسرة، وتهيئة الجو الأسري الذي يعين على تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية، ومعاونة قضاة محاكم الأحوال الشخصية في البحث عن أسباب المشكلة الأسرية، والقيام بدراسات تتعلق بمشكلات الأسرة. 2.     مكاتب فحص الراغبين في الزواج: تعمل على فحص الأمراض الشائعة في المجتمع، والأمراض العقلية والنفسية، والأمراض التناسلية. 3.     مشروع الأسر المنتجة: يوفر العمل للأسر القادرة عليه، مما يسهم في القضاء على بطالة الأسرة، ويزيد من دخلها، وتحويل أفراد الأسرة من مستهلكين إلى منتجين، والاستفادة من الخدمات البيئية وتحويلها إلى من