التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رحلتي مع شهادة الدكتوراه

د. بسام أبو عليان
قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى

شهادة الدكتوراه بالنسبة لي ليست ترفًا علميًا، ولا ضرورة وظيفية؛ للترقي في السلم الوظيفي، ولا ضرورة اجتماعية؛ للتفاخر والتباهي الاجتماعي، ولا تقليعة من تقليعات موضة الحصول على شهادة عليا، - فصارت الدرجة تمنح لمن يستحق، ومن لا يستحق -، وليس للاستتار خلف حرف الدال. بل هي هدف وضعته لنفسي في المرحلة التعليمية الأولى، وقد نما وكبر معي في مختلف مراحل عمري وتعليمي، سعيت إلى تحقيقه بكل الأساليب والوسائل الممكنة والمتاحة لي، رغم كل عقبة كؤود واجهتني، والصعاب الشداد، والمعيقات الكثيرة والمتعددة التي حالت دون تحقيقه، لكن بعد "أربعة عشر" سنة من الكفاح، والإصرار، والتحدي، والضغط النفسي، والإجهاد الجسدي قهرت كل الظروف المعيقة بفضل الله تعالى، - من قبل ومن بعد -، وانتزعت الدرجة العلمية وبجدارة.

لم أحلم في يوم من أيام طفولتي، - كغالبية الأطفال -، أن أكون طبيبًا، أو مهندسًا، أو طيارًا... إلخ، فهذه لم تدخل في حيز اهتمامي، ولم أهواها. إنما كان هدفي دائمًا أن أكون مصلحًا اجتماعيًا.. أساعد الناس في حل مشكلاتهم.. أعين المحتاج.. أخدم مجتمعي حسب طاقاتي وإمكانياتي. بمعنى آخر اختياري لتخصصي (علم الاجتماع) كان عن قناعة ورغبة ملحة في نفسي. فكان، - ولله الحمد والمنة -، اختيارًا موفقًا، وصائبًا بنسبة (100%)، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لاختيار تخصص جامعي آخر، لاخترت "علم الاجتماع" دون تردد.

بعد أن أنهيت الثانوية العامة التحقت بجامعة الأزهر بغزة، وسجلت بقسم علم الاجتماع (1997-2001م)، وتخرجت بترتيب الأول مع مرتبة الشرف، ثم التحقت ببرنامج الماجستير بجامعة صنعاء باليمن، وحصلت على الدرجة سنة (2006م)، بتقدير: ممتاز.

مع سنة (2007م) بدأت رحلة معاناتي مع الدكتوراه.

بعد حصولي على درجة الماجستير رغبت في العودة إلى غزة؛ لأني قضيت أربع سنوات متصلات في اليمن لم أرجع فيهن إلى غزة، ثم أعود لإكمال مسيرتي التعليمية". كان ذلك في منتصف شهر رمضان. بالفعل قضيت ما تبقى من رمضان بين أهلي (أسبوعان)، ثم بدأت محاولات السفر والعودة إلى اليمن عبر معبر رفح البري، لكن لم تكن الأمور سهلة، فكان المعبر يغلق بالأشهر؛ بسبب الانقسام. حاولت السفر مرات كثيرة، فلم أفلح، وانتهت إقامتي في اليمن، ولم أستطع تجديدها.

بعد ذلك، انشغلت بالتدريس في الجامعات الغزية محاضرًا غير متفرغ. كانت البداية في جامعة الأزهر، - الجامعة التي تخرجت منها في البكالوريوس -. لكن مع وقوع الانقسام، لم يجدد لي العقد؛ لأن عمي أحمد (أبو حذيفة) - رحمه الله تعالى -، كان محسوبًا على حركة حماس، فأخذت بجريرته. (هذا ما قالوه لي صراحة، عند سؤالي عن سبب عدم التجديد). هم معذورون في ذلك، فنار الانقسام ملتهبة، تلتهم الأخضر واليابس، ولم تخمد بعد، فالتعصب والانغلاق الحزبي كان على أشده، ومعيار التفاضل الأكاديمي لم يكن الدرجة العلمية، والكفاءة، والمهارة، بل الانتماء الحزبي، وتزكية مسؤول المنطقة، ربما يكون هذا المسؤول أدنى منك درجة علمية، وثقافته ضحلة، وأخلاقه معطوبة. لقد ساومني أحدهم، - عنصر في حارة، لم يحصل على الثانوية العامة -، أنه أعطه (ألف دولار)؛ لتزكيتي عند الأكبر منه في المنطقة؛ ليقوم الأخير بتزكيتي لدى الجامعة المذكورة. فرفضت أن أخطو هكذا خطوة ملوثة ومشبوهة؛ لأنها ستكون في قابل الأيام نقطة سوداء في صفحتي، وتوظف ضدي، كما أنها تخالف قناعاتي ومبادئي، وأملك من العلم والثقافة ما يؤهلاني لأحصل على الوظيفة بقدراتي وليس بالواسطة والمحسوبية والطرق الملتوية.

من رحمة الله تعالى، لم يغلق باب رزق، إلا ويفتح آخر، فكانت لي فرصة التدريس في جامعة القدس المفتوحة بأكثر من فرع من فروعها، كانت البداية في خانيونس، ثم رفح، وأخيرًا الوسطى. استمر تدريسي فيها أربع سنوات متتاليات في الفترة (2008-2012م)، كانت فترة زاخرة بالمعرفة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية، وورش العمل. وفي تلك الفترة حاضرت لفصل واحد فقط في جامعة الأقصى سنة (2008م)، وعدت إليها في سنة (2012م).

خلال سنة (2007م): لم يعيقنِ الانشغال بالعمل الأكاديمي عن موضوع الدكتوراه، فقد تفرغت لوضع خطط بحث لمشروع الدكتوراه؛ حتى أكون مستعدًا وجاهزًا متى هيئ موضوع السفر، فقد وضعت "خمس" خطط في موضوعات مختلفة في فروع علم الاجتماع (علم اجتماع العولمة، وعلم الاجتماع الأسري، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم اجتماع المرأة، وعلم الاجتماع الديني).

سنة (2008م) حاولت السفر، اجتزت الصالة الفلسطينية، ووصلت إلى الصالة المصرية، بعد طول انتظار، أُرجعت دون إبداء الأسباب. حينها قال لي من لهم خبرة بأساليب المصريين في المعبر: "ربما خلل فني، أو تشابه أسماء. أعد الكرَّة، ولا تقلق". أخذت بالنصيحة، وحاولت مرة أخرى في نفس السنة، فمريت في نفس مراحل التعب والترقب والانتظار، وكانت النتيجة: (مرجع)، دون إبداء الأسباب. حتى أنني وسط الزحام أثناء صعود الحافلة للتوجه إلى المعبر وقعت، والتوت قدمي. رغم ازرقاقها، وانتفاخها، والألم الشديد الذي ألمَّ بي، لم أرغب بالعودة، وعزمت على الاستمرار.

الجدير ذكره، خلال هذه السنة ضاعت علي منحة دكتوراه في جامعة صنعاء، حصلت عليها من السفارة الفلسطينية في اليمن، بجهود أخ وصديق عزيز مقيم هناك.

في هذه السنة أول مرة أسمع عن "التنسيق" للسفر، فهو لم يكن منتشرًا ومعروفًا كما هو اليوم، وقد طلب مني مكتب التنسيق وقتها (300$)، فخشيت أن يكون فيها نصب واحتيال، فرفضت الفكرة.

سنة (2009م): حاولت السفر من جديد، تم إرجاعي من الصالة المصرية، دون إبداء السبب، ولم يسمح لي بمقابلة الأجهزة الأمنية هناك.

من ذهب إلى المعبر وأرجع يعرف كيف تكون معاملة الأمن المصري للمسافرين، فهي أقبح ما يكون التعامل لفظًا وسلوكًا.

في هذه السنة وبمساعدة جارٍ لي يدرس الهندسة في مصر، طلبت منه معادلة شهاداتي في التعليم العالي المصري؛ لأسجل في جامعة المنصورة، وقد شرع في إجراءات المعاملة، لكنه لم يكملها، فجاء من أكملها بعده، وهو أحد طلابي في جامعة القدس المفتوحة، أنجز المعاملة، وسجل لي في جامعة المنصورة، وقد أرسلت له رسوم السنة الأولى، وحصلت على إفادة من الجامعة والسفارة الفلسطينية بالقاهرة تفيد تسجيلي تسجيلًا مبدئيًا في برنامج الدكتوراه في قسم علم الاجتماع بالجامعة، ووفقها يمكن السماح لي بالسفر. بالفعل جهزت نفسي للسفر، ومعي كل الوثائق المطلوبة، ووصلت إلى الجانب المصري من المعبر، فتم إرجاعي مثل كل مرة دون إبداء السبب.

أعدت الكرة بعد ثلاثة أيام، على أمل تغيير مجموعة العمل هناك، هذه المرة سمح لي بمقابلة ضابط أمن الدولة، - كان شابًا في العقد الثالث من عمره، صاحب وجه بشوش، أي حالة شاذة عن المعتاد في المعبر-، وقد سألني عن سبب ذهابي لمصر، وأين سأقيم؟، وكم أحتاج من الوقت للبقاء هناك؟. فقلت له: (أسبوعان)؛ لأكمل إجراءات التسجيل. فقال: خذ مني ثلاثة أسابيع. ووقَّع ورقة، ثم ذهب إلى مكتب آخر (عرفت فيما بعد أنه مكتب المخابرات)، فعاد بوجه غير الذي خرج به. وقال: أعتذر، لم يسمح لك بالسفر. في هذه الأثناء كانت الصالة المصرية خالية، إلا مني وثلاثة مسافرين آخرين مرجعين!

في هذه السنة عرض أحدهم علي فكرة التنسيق للسفر، وأن الضابط المصري طلب (ألف دولار)، وسيسهل سفري. فرفضت. رفضي نتيجة قناعة تامة بأن سجلي الأمني نظيف جدًا، ولم يصدر مني أي فعل يسيئ لمصر أو لغيرها، وليس لي أي نشاط سياسي.

في (12/12/2010م): كانت محاولة أخرى للسفر، وككل مرة أصل إلى الصالة المصرية، أبقى محجوزًا هناك إلى قريب المغرب، فيتم إرجاعي، ومعي عددًا من المسافرين دون إبداء السبب. هذه المرة أيقنت بأن سفري محال، فتراجعت عن فكرة السفر، لكني لم أتراجع عن فكرة إكمال دراساتي العليا.

في (18/10/2012م): أردت أن أجرب حظي في السفر بعد انقطاع سنة وثمانية أشهر، على أمل أن يكون الفريق المناوب في المعبر المصري قد تم تغييره، ولظني أن عقبة منعي من السفر هي عند الفريق العامل في المعبر. لكن كما المرات السابقة انتهت المحاولة بإرجاعي. هذه المرة حاولت الاستنجاد بمندوب السفارة الفلسطينية بالمعبر المصري؛ ليجد لي حلًا، فاستجاب، وبعد وقت قصير خرج ضابط الأمن المصري من مكتبه وبرفقته مندوب السفارة. لمَّا رآني ضابط الأمن حدَّث المندوب، وعلى وجهه علامات الدهشة والاستغراب، قائلًا: "غير معقول إرجاعه!، شكله إنسان محترم". ولم يزد على ذلك. توسمت خيرًا بكلامه هذا، لكن كانت نفس النتيجة (مرجع)، دون إبداء أي سبب، ومندوب السفارة لم يعط إجابة تشفي غليلي.

في (19/11/2012م): هذه المرة سافرت بناءً على طلب صديقي المقيم في اليمن، وهو على اطلاع بمحاولات منعي من السفر، وقد عرض مشكلتي على صديق له لديه علاقات مع مسؤول أمني في السفارة المصرية برام الله. وقد وافق المسؤول على مساعدتي، وحدد موعد للسفر، وأن أكون على تواصل معه، فعندما أصل إلى ضابط الأمن في المعبر أتصل به. بالفعل حزمت شنطي، وتوجهت إلى المعبر، وبقيت في الصالة المصرية إلى ما بعد العصر، ورجل الأمن المصري على تواصل مستمر معي، وعندما حان وقت دخولي إلى مكتب الأمن المصري علَّق جوالي، لا إرسال ولا استقبال. فاضطررت أن ادخل إلى مكتب الأمن. فكانت النتيجة (مرجع). بعد أن ركبت باص المرجعين، ألهمت أن أعيد تشغيل الجوال، وقد عاد إلى رشده، فأيقنت حينها أن الله تعالى لم يقدر لي السفر هذه المرة، ولو كان مقدرًا لما حدث هذا العطل.

بعد كل هذه المحاولات فقدت الأمل في السفر كأي بشر آدمي له الحق في حرية السفر والتنقل، وقد كتب علي المنع؛ لأسباب أجهلها. لكن الذي يغيظني، ويرهق تفكيري، أنه لم يصدر عني أي تصرف يسيء لمصر أو لغيرها، ولا علاقة لي بالشأن السياسي.

في (2/1/2017م): حصلت على القبول في برنامج الدكتوراه بجامعة البطانة بالسودان، وتم اعتماد عنوان الأطروحة، وعيِّن لي مشرفًا، وشرعت في كتابة الأطروحة، حتى أنهيت البحث الميداني. وبدأت أستعد لإجراءات السفر، والإقامة في بلد الدراسة التي حددها قانون التعليم العالي الفلسطيني، وهي: ثمانية أشهر؛ ليتم معادلة الشهادة والاعتراف بها.

من هنا بدأت محطة جديدة من محطات معاناة السفر، كانت هي الأشد والأسوأ من كل ما مضى.

(2018-2021م): بعد كل محاولات السفر السابقة التي باءت بالفشل صار في يقيني أني ممنوع من السفر، ولن تتاح لي حرية الحركة والسفر كبقية الناس، لذلك أردت أن أسلك أقصر الطرق (التنسيق)؛ حتى يسهل سفري. لكن ما ظننته سهلًا فإذا بها طريق وعرة.. شائكة.. شاقة. لن أدخل في تفاصيل دقيقة، وسأتحدث في عموميات.

خلال المدة المذكورة بدأ مبلغ التنسيق يتدرج معي في الارتفاع من (1000$) حتى (10.000$). من يقرأ الرقم قد لا يستسيغه، ويصعب عليه تصديقه. لكن هذا حول واقع الحال معي، فأنا شخصيًا لم أكن أصدق ما يحدث معي!.

مجتمع التنسيق مجتمع آخر، أدق وصف يمكن أن يوصف به أنه (مجتمع مافيا.. جريمة منظمة).

ليس من السهل على شخص يرغب في السفر أن يقابل المنسق. هذا متوقف على درجة قوة المنسق، فهم على أربع درجات: (ضعيف، ومتوسط، وقوى، وقوي جدًا). هذه الدرجات لها علاقة بقوة التنسيق، وليس بالقوة العضلية والجسدية. بعض المنسقين تتواصل معه بشكل مباشر وشخصي، وبعضهم تحتاج إلى حلقتي أو ثلاث حلقات اتصال أو أكثر؛ لتصل إليه، ولا تلتقي به مباشرة.

أول ما تعرض موضوع السفر على المنسق يطلب منك إرسال (صورة الجواز، وتاريخ الميلاد) على الواتس آب، وأن تنتظر ثلاثة أيام؛ حتى يدخل الاسم على التحري الأمني عند الطرف المصري، ثم تبدأ المفاوضات على مبلغ التنسيق، حسب رد الجانب المصري من جهة، ومهاراتك في التفاوض من جهة أخرى.

خلال هذه المدة أصبحت صورة جوازي كالمرأة البغية تنتقل من منسق لآخر. فقد تعاملت مع ما يزيد عن (خمسين) منسقًا، أو قل سمسارًا، أو قل مجرمًا، - سمه ما شئت -، فقد مسحت مجتمع المنسقين في قطاع غزة مسحًا اجتماعيًا بدءًا من رفح جنوبًا حتى غزة شمالًا. كلهم يبيع الأوهام والأحلام للراغبين في السفر، خاصة الممنوعين.

بعد مرور الثلاثة أيام من استلام صورة الجواز، يأتي جواب المنسق: "بعد الفحص الأمني المصري، أمورك تمام، وأودع مبلغ التنسيق عند مكتب فلان، أو سلمها إلى علان. لا يوجد عليك شيء، انتظر مني اتصالًا أحدد لك متى سفرك، وفي أي ساعة تكون في المعبر".

بعد إيداع المبلغ في اليوم التالي يتصل المنسق بعد المغرب، قائلًا: "أمورك تمام، جهز نفسك للسفر غدًا، ساعة كذا كن في المعبر".

لم يمض على الاتصال السابق إلا ساعة واحدة فقط، أو أقل، أي خلال المدة الزمنية بين المغرب والعشاء، يعود ويتصل مرة ثانية: "للأسف اسمك رفع من كشف التنسيقات. لا ندري ما هو السبب! لكن، لا تفقد الأمل، وسأحاول ثانية مع المنسق (ويضع بعدها سلسلة شتائم من العيار الثقيل بحق المنسق المصري، كأن المنسق الغزي حريص عليك، ودمه محروق عليك!). ثم يقول: لا تغلق جوالك: احتمال أتصل بك بأي وقت من الليل، يمكن أقدر أغير رأيه. طبعًا، الذي كان يغلق جواله: المنسق الكاذب، وليس أنا، وأبقى في حالة الانتظار إلى اليوم التالي، لما يصحو حضرته من النوم الساعة العاشرة أو الحادية عشر صباحًا، ويبلغك للأسف ما (زبطت) الأمور معي، وما رضيت أزعجك بالليل. وكأنني كنت في نوم هانئ، وهو يخشى على مشاعري ونومي الوفير!.

هذا الفقرة هي القاسم المشترك بين كل المنسقين الخمسين الذين تواصلت معهم.

في السنتين (2019-2020)، وحتى مطلع سنة (2021م) دخلت في حالة ضغط نفسي شديدة؛ لأن كل جهدي البدني، والعقلي، والمالي الذي بذل في كتابة الأطروحة سيضيع سدى. لذا، حاولت أن أطرق كل الأبواب؛ لأجد مخرجًا آخر غير السفر، فخطرت على بالي فكرة المناقشة عبر تقنية الفيديو كونفرس، بدأت المحاولات الأولى مع جامعتي (البطانة) بمستوياتها الإدارية والأكاديمية المختلفة، بدءًا بالمشرف، مرورًا بعمادة القبول والتسجيل، وعمادة الدراسات العليا، انتهاءً برئاسة الجامعة. فكانت الإجابة: بالنفي، والرفض؛ لأنه ليس من ضمن سياسة وفلسفة الجامعة المناقشة عن بُعد، وكانوا متمسكين جدًا بحرفية النظام الأكاديمي المتبع في الجامعة. بعد ما يزيد عن سنة من المراسلات والمعاناة، وبتدخل مباشر من مشرفي، فقد بيَّن لعميد الدراسات العليا طبيعة وحجم المشكلة التي أعاني منها بخصوص السفر، وقد أرسلت له كافة الوثائق المدللة على ذلك، فوافق على المناقشة عبر تقنية الفيديو كونفرس، وعند تحديد موعد المناقشة، بقدرة قادر تم تغيير عميد الدراسات العليا، وتشكيل مجلس جديد. العميد الجديد على خلاف سلفه تمامًا، فهو من الطقوسيين المتمسكين جدًا بحرفية النص، واستمرت جهودي معه عدة أشهر، وهو متمسك برأيه الرافض، ولم يظهر أي درجة من درجات اللين أو التعاطف، أو تفهُّم طبيعة المشكلة، بل أنه لم يستجب لتدخلات مشرفي. بعد أشهر من توليه المنصب تم تغييره، واستبدل بعميد ثالث، هذا العميد كان أكثر إنسانية وتعاطفًا في التعامل من سلفه، فهو لم يغلق الباب تمامًا، وأبقى باب الأمل مفتوحًا.

في هذه الأثناء صدر قرار حكيم، عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في رام الله، باعتماد المناقشة عبر تقنية الفيديو كونفرس لطلبة الدراسات العليا، بشرط موافقة الجامعة التي يدرس فيها الطالب. فشكلت هذه بارقة أمل، علَّ الله يحل بها مشكلتي. تعلقت بهذا الأمل، وبذلت جهدًا أكبر مما كان من قبل؛ لأنه في المساعي السابقة كنت سأناقش على مسؤوليتي، وأتحمل تبعات هذا التصرف، لكن بقرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أصبح الأمر شرعيًا.

في الفترة التي وافقت فيها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي برام الله، كانت الجامعة في أعلى درجات التشدد والرفض للموافقة على المناقشة عن بُعد.

مع اشتداد جائحة كورونا، مددت الوزارة قرار الموافقة للمناقشة عن بُعد عدة مرات، فأول مرة منح لثلاثة أشهر، ومدد بعدها لمثلها، وهكذا، حتى أقفل باب المناقشة قبل عدة أشهر فقط مع تراجع معدلات انتشار الفيروس، ومحاولات التعايش مع الواقع الموجود.

بعهد جهد شاق جدًا جدًا حصلت على موافقة الجامعة للمناقشة عن بعد، كان ذلك بتاريخ: (13/12/2020م). في اليوم الذي استلمت فيه القرار، أعلن عن دخول فلسطين في موجة أخرى من موجات كورنا، فأغلقت البلاد والمؤسسات لا يداوم فيها إلا بالحد الأدنى، فعلقت المناقشات عن بعد. واستمر هذا الحال ما يقارب الشهرين!.

لما أعيد فتح البلاد والمؤسسات، استؤنفت المناقشات، بعدها حصلت على موعد جديد من الجامعة فكان (4/2/2021م).

أخيرًا، كان من فضل الله تعالى علي بعد أربعة عشر سنة من المعاناة، والتعب، والإجهاد الجسدي، والضغط النفسي، أن تمت المناقشة بخير وسلامة، ومما دفع كل المشاعر السلبية التي سيطرت علي في السنوات الماضية أنْ تمت المناقشة في احتفالية علمية مميزة، واحتفاء لجنة المناقشة والتحكيم بالموضوع؛ باعتباره موضوعًا مميزًا، وهو من الموضوعات التي لم تأخذ حقها من البحث في المجتمع العربي على حد تعبير اللجنة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها: (الترحيب بال

علم الاجتماع الحضري| الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري

د. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى الاتجاهات النظالكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري: يمكن التمييز بين اتجاهين نظريين كلاسيكيين في علم الاجتماع الحضري درسا المدينة وظاهرة التحضر، هما: الاتجاه المحافظ، والاتجاه الراديكالي. أولًا| الاتجاه المحافظ: |      المبدأ الأساسي الذي يحكم المجتمع، هو: الثبات، والاستقرار، والنظام. |      من علماء الاتجاه المحافظ: ‌أ.         أوجست كونت: اهتم بقانون المراحل الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية)، وقارن بين الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية. ‌ب.    إميل دوركايم: اهتم بموضوعات، مثل: تقسيم العمل، والانتحار، والدين، والتضامن الآلي والتضامن العضوي. ‌ج.    ماكس فيبر: اهتم بأنماط السلطة الثلاث: (التقليدية، والكاريزمية، والقانونية)، ودرس موضوعات: البيروقراطية، والرأسمالية، والدين، والفعل الاجتماعي. وربط بين تطور المدينة والتغيرات التي طرأت الثقافة الغربية. ثانيًا| الاتجاه الراديكالي: |      ركز على الصراع الطبقي، وانتقال المجتمعات من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وقد جعلها ماركس في خمس مراحل، هي: (المشاعية، والإقطاعية، والرأسمالية، والاش

الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والطفولة| الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة

د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة تعريف الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة: "الممارسة المهنية التي تهتم بتزويد الأطفال بالخدمات الاجتماعية، والمساعدات التي تعمل على حمياتهم، وعلاج المشكلات الاجتماعية، والنفسية، من خلال عمل الأخصائيين الاجتماعيين في عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية". المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة: 1.     مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري: تعمل على علاج مشكلات الأسرة، وتهيئة الجو الأسري الذي يعين على تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية، ومعاونة قضاة محاكم الأحوال الشخصية في البحث عن أسباب المشكلة الأسرية، والقيام بدراسات تتعلق بمشكلات الأسرة. 2.     مكاتب فحص الراغبين في الزواج: تعمل على فحص الأمراض الشائعة في المجتمع، والأمراض العقلية والنفسية، والأمراض التناسلية. 3.     مشروع الأسر المنتجة: يوفر العمل للأسر القادرة عليه، مما يسهم في القضاء على بطالة الأسرة، ويزيد من دخلها، وتحويل أفراد الأسرة من مستهلكين إلى منتجين، والاستفادة من الخدمات البيئية وتحويلها إلى من