التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التغير الاجتماعي| النظريات المفسرة للتغير الاجتماعي

د. بسام أبو عليان
قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى

النظريات المفسرة للتغير الاجتماعي

أولًا: النظريات الحتمية:

يقصد بالنظريات الحتمية: النظريات التي تركز في دراستها للتغير الاجتماعي على عامل واحد فحسب، وتهمل بقية العوامل الأخرى، وتفترض بأن عاملًا واحدًا هو المسؤول عن التغير الاجتماعي، وهو الذي يحرك العوامل الأخرى. لذلك توصف النظريات الحتمية بالنظريات الاختزالية؛ لأنها تختزل كل عوامل التغير الاجتماعي في عامل واحد. تنقسم النظريات الحتمية إلى قسمين، هما: الحتمية البيولوجية، والحتمية البيولوجية. فيما يلي توضيحهما:

1.    الحتمية الجغرافية:

ساد اعتقاد قديم بأنه توجد علاقة بين طبيعة الطقس الذي يعيش فيه الإنسان (حار، بارد، معتدل)، وطابعه المزاجي (حدته، وأريحيته). فقد تأثر المنظرون الاجتماعيون الأوائل بهذه النظرة، وحاولوا من خلالها التمييز بين أوجه التشابه والاختلاف بين البشر، فكانت النتيجة تشكيل نظرية شاملة في الحتمية الجغرافية.

على الرغم من قدم فكرة الحتمية الجغرافية، إلا أنها شاعت بين المفكرين عند تفسيرهم لنشأة المجتمعات. من أشهر رواد هذه النظرية "صموئيل هنتجنتون" الذي بين أنه إذا كانت الظروف الجغرافية تؤثر في صفات وسلوك الناس، فإن هذه الصفات وتلك السلوكيات لا تتغير إلا إذا تغيرت الظروف الجغرافية. وعلى هذا الأساس فسر ظهور وانهيار الحضارات. مثلًا: ازدهرت حضارة الفراعنة؛ لتوفر ظروف جغرافية خاصة ممثلة في نهر النيل، وملائمة الطقس، وخصوبة التربة، والمناخ، ونوعية المحاصيل. وانقرضت هذه الحضارة أيضًا بفعل تغيرات في الظروف الجغرافية بعد ارتفاع درجات الحرارة، وتأثير ذلك على التربة، والمحاصيل، وإنتاجية الأرض. ففي الوقت الذي تنهار فيه حضارة بمكان ما، فإنه تنهض حضارة أخرى في مكان آخر، كتغير مركز الحضارة من العراق إلى اليونان، ثم الرومان، ثم اسطنبول، ثم أوربا الحديثة.

2.    الحتمية البيولوجية:

تقوم الحتمية البيولوجية على فرضية: "الناس في العالم ينقسمون إلى أجناس وجماعات متنوعة بيولوجيًا". هذه الأجناس تختلف في قدرتها على تطوير الحياة الاجتماعية وتنميتها، ونوعية الحياة لأي شعب من الشعوب هي مؤشر على قدرته البيولوجية (العرقية)، وعلى ذلك تتبلور الفروق بين الشعوب، وتفسر التغيرات التي تظهر لدى الشعوب، سواء تغيرات سلبية (التخلف)، أو تغيرات إيجابية (التقدم).

الحتمية البيولوجية ليست فكرة جديدة، بل فكرة قديمة سادت في المجتمعات القديمة، وهي تخص تفوق طبقة اجتماعية على طبقات اجتماعية أخرى داخل المجتمع، وربط هذا التفوق بالخصائص البيولوجية. تبلورت هذه الفكرة بشكل واضح في الحضارة اليونانية، التي ظهر فيها اعتقاد بأن أناسًا ولدوا ليحكموا، وأناسًا آخرين ولدوا ليكونوا رعايا، وقد تطورت فكرة ربط التفوق بالفوارق البيولوجية، إلى أن وظفت لتعميم الفروقات بين المجتمعات.

يعد "دي جوبيون" من رواد نظرية الحتمية البيولوجية من خلال بحثه عن تفاوت السلالات، فقد ربط فيه بين تفوق وانحطاط شعب، وبين خصائصه العرقية. ووجه انتقادًا شديدًا للاشتراكية التي تنادي بالمساواة بين الشعوب. منذ ذلك الحين صار البيولوجيين يربطون بين الحتمية البيولوجية والتغير الاجتماعي.

من المتغيرات البيولوجية التي يركز عليها في تفسير التغير الاجتماعي:

v    التفاوت الوراثي.

v    التفاوت بين الأفراد في الذكاء، والإمكانيات الجسمية والنفسية.

v    أثر البيئة الصحية العامة على النمو الاقتصادي والاجتماعي.

نقد النظرية الحتمية:

على الرغم من انتشار النظريات الحتمية في فترة من الزمن، إلا أن العلم الحديث يرفض هذه النظريات للأسباب الآتية:

1.    أنها نظريات اختزالية، وغير علمية تفسر التغير الاجتماعي بالاستناد على عامل واحد فقط، وتنفي تأثير العوامل الأخرى.

2.    نظريات متحيزة تميل إلى تبرير أفكار بعينها، كتفوق شعب من الشعوب، أو سيطرة شعوب معين على الشعوب الأخرى.

3.    أدت إلى إشعال الصراعات والحروب بين الشعوب، فالحروب العالمية نشبت بسبب الإحساس بالتفوق العرقي الألماني.

4.    ولَّدت أشكالًا من العنصرية السياسية التي يعاني منها العالم المعاصر كالعنصرية الصهيونية، وعنصرية البيض ضد السود في جنوب أفريقيا.

في ضوء هذه الانتقادات فتح المجالات أمام ظهور نظريات أخرى تفسر التغير الاجتماعي في المجتمعات.

ثانيًا: النظريات التطورية الكلاسيكية:

انتشرت النظريات التطورية في القرن التاسع عشر، مستمدة أصولها من الفلسفات القديمة.

تعتقد النظريات التطورية أن المجتمعات تسير في مسار واحد محدد سلفًا عبر مراحل يمكن التعرف عليها. يتفق التطوريون على هذه النقطة، لكنهم يختلفون حول ثلاث قضايا، هي:

‌أ.       عدد مراحل التطور الاجتماعي التي تمر بها المجتمعات.

‌ب. العامل المسؤول عن التطور الاجتماعي: هل بسبب تغير الأفكار والمعتقدات، أم بسبب التطور التكنولوجي، أم بسبب التغير في جانب الثقافة المادي؟.

‌ج.    مسار التطور الاجتماعي. هل هو مادي أو دائري.

تنقسم النظريات التطورية إلى قسمين، هما: نظريات الخط التطوري،  نظريات التطور الدائري. فيما يلي توضيحها:

1.    نظريات الخط التطوري:

تهتم النظريات الخطية بالتحولات التقدمية المستمرة التي تصل في النهاية إلى هدف محدد، حيث يمر تحول المجتمع في عدة مراحل ثابتة.

تعد فكرة النظرية الخطية قديمة حيث ظهرت في الفلسفة اليونانية، ثم أعيد إحياؤها على يد "فيكو" في عصر التنوير، فقد حدد مسار المجتمعات في ثلاث مراحل أساسية، في ضوء علاقة الإنسان بقوى فوق الطبيعة. قويت هذه الفكرة في القرن التاسع عشر، عندما انشغل المفكرون الاجتماعيون بالبحث عن الأصول الأولى لمجتمعاتهم، ومحاولة تحديد المراحل التاريخية التي مرت بها مجتمعاتهم، حيث تم التركيز على عنصر واحد من عناصر الحياة الاجتماعية والثقافية، وتحديد مراحل تطور المجتمع من خلال هذا العنصر، مثل: تركيز التطوريين على الجانب الاقتصادي، فقسموا مراحل تطور المجتمعات من عصر الصيد، إلى الرعي، إلى الزراعة. ومال بعضهم إلى التركيز على الأسرة بتحول الأسرة من المشاعية، إلى الأمومية، إلى الأبوية.

بعض التطوريين بدلًا من الميل إلى عنصر واحد في تفسير تطور المجتمعات مال للنظر في تطور البناء الاجتماعي والثقافي ككل، وتحديد مراحل تطور المجتمع بشكل كلي بدلًا من التركيز بشكل جزئي على عنصر بعينه. انتشرت هذه الإسهامات في القرن التاسع عشر، من أمثلتها:

v    نظرية "أوجست كونت" عن تطور المجتمعات من خلال ثلاث مراحل، هي: (الخيالية، والميتافيزيقية، والوضعية).

v    نظرية "كارل ماركس" التي قسمت تطور المجتمعات إلى خمس مراحل، هي: (المشاعية، والإقطاعية، والرأسمالية، والاشتراكية، والشيوعية).

v    نظرية "لويس مورجان" عن تحول المجتمع من (البدائية، ثم البربرية، ثم الحضارية).

v    نظرية "سبنسر" في تحول المجتمع من العسكري إلى المجتمع الصناعي.

سواء ركزت النظرية التطورية على عامل واحد، أو ركزت على المجتمع ككل في تفسير التغير الاجتماعي، فإنها تعتبر المجتمعات تسير في خط واحد، نحو تحقيق هدف محدد. لكن يختلف التطوريين في نقطتين، هما:

v    عدد مراحل التطور.

v    العوامل المؤدية إلى التطور الاجتماعي.

2.    النظريات الدائرية:

يذهب أصحاب النظريات الدائرية إلى أن التغير يتجه صعودًا وهبوطًا في أشكال نصف دائرية متتابعة، حيث يعود المجتمع من حيث ما بدأ في دورة معينة. من روادها: ابن خلدون، وفيكو، وشبنجلر، وتوبيني، وسوروكين.

تنقسم النظريات الدائرية إلى نوعين، هما:

1)    نظريات تفسر جانبًا محدودًا من جوانب الحياة الاجتماعية، أو تشرح نظامًا اجتماعيًا، أو ظاهرة اجتماعية محددة.

2)    نظريات تهدف إلى تفسير المجرى العام للتاريخ، من خلال تناول جميع النظم الاجتماعية، والظواهر، دون التركيز على نظام أو ظاهرة محددة دون غيرها.

سنعرض فيما يلي جهود رواد هذه النظرية.

1.    ابن خلدون:

يرى ابن خلدون أن المجتمع كالإنسان يمر في عدة مراحل من الميلاد حتى الوفاة، وللمجتمع عمرًا كالإنسان، فحدد عمر المجتمع في ثلاثة أجيال، وعمر كل جيل أربعين سنة، فالعمر الإجمالي للمجتمع مائة وعشرين سنة، هذه المراحل، هي:

1)    مرحلة البداوة: يقتصر فيها الأفراد على إشباع حاجاتهم الضرورية، وتتميز بخشونة العيش، وتوحش الأفراد، والعصبيات القبلية.

2)    مرحلة الملك: يتحول المجتمع من البداوة إلى الحضارة، وتتركز السلطة في يد شخص واحد، أو أسرة واحدة بعد أن كانت السلطة عامة.

3)    مرحلة الحضارة: يعيش الأفراد في حالة من الترف، والنعيم، وينسون البداوة والخشونة، وتسقط العصبية. هذا النعيم يؤذن بسقوط المجتمع، ويسبقه حالة من الضعف، والاستكانة، وفساد الأخلاق، وينتهي الأمر بهرم المجتمع، ومن ثم سقوطه.

2.    فيكو:

بين فيكو أن المجتمع يمر في ثلاث مراحل، هي:

1)    يرجع الناس كل شيء إلى الإله.

2)    يرجع الناس كل شيء إلى القادة، والعظماء، والأبطال.

3)    تصبح الجماهير هي المحرك الحقيقي لكل شيء في المجتمع.

3.    شبنجلر:

وضع كتاب بعنوان: "سقوط الغرب"، شبه فيه الحضارات الغربية بحياة الكائنات الحية تمر بثلاث مراحل، هي: الشباب، ثم الرشد، ثم الشيخوخة. وقد درس سبع حضارات؛ ليتعرف على عوامل صعودها، وهبوطها، وتوصل إلى أن المجتمعات تمر في ثلاث مراحل، هي:

1)    النشوء والنمو.

2)    النضج.

3)    الانحدار.

4.    توبيني:

في كتابه "دراسة التاريخ" حاول توبيني البحث عن الأسباب العامة لارتقاء وهبوط الحضارات، وقد حدد ثلاثة أحوال أساسية للتغير، هي:

1)    التوازن والتكافؤ.

2)    الانتقال إلى حالة اللاتوازن.

3)    حل المشكلة، أي الانتقال إلى حالة جديدة.

5.    سوروكين:

اعتبر سوروكين كل نظام ثقافي حضاري يمر في ثلاث مراحل، هي:

1)    الروحانية.

2)    المثالية.

3)    الحسية.

بعد الانتهاء من تلك المراحل ينهض نظام ثقافي آخر، ويمر في نفس المراحل، وتستمر هذه الحركة الدائرية إلى آخر الزمان.

مميزات المرحلة الروحانية:

1.    الإيمان بوجود كائن أعلى، غير حسي، وأزلي.

2.    جميع الحاجات والأهداف تكون روحانية.

3.    جميع الحاجات والأهداف الروحانية محققة إلى حد كبير.

4.    جميع الحاجات والأهداف الروحانية تتحقق دون اللجوء إلى الماديات.

استشهد سوروكين بالحضارة الإغريقية التي بقيت روحانية حتى القرن السادس قبل الميلاد.

مميزات المرحلة الحسية:

1.    الواقع مادي.

2.    الحاجات والأهداف تبدو كأنها جسدية ومادية فقط.

3.    تفترض استغلال العالم الخارجي استغلالا ماديا.

4.    تعتبر الثقافة الروحانية أنها وهم.

اعتبر سوروكين الحضارة الأوربية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر تمثل المرحلة الحسية.

الجدير بالذكر؛ يميل سوروكين إلى التعاطف مع الثقافة الروحانية، ويعتبرها العصر الذهبي للثقافة الإنسانية، ويهاجم الثقافة الأمريكية المعاصرة؛ لأنها تميل نحو النزعة الحسية، وتقوم على النزعة الاستهلاكية.

مميزات المرحلة المثالية:

1.    يحدث فيها التوازن بين الروحاني والمادي، مع تفوق نسبي للأولى.

2.    تتسم بالتماسك والانسجام النسبي.

3.    للواقع وجوه مختلفة ومتغيرة.

4.    الوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف غالبا تكون حسية.

من الانتقادات التي وجهت لتقسيم سوروكين: جهله بالتاريخ.

العناصر الفاعلة:

حدد سوروكين عنصرين فاعلين هما:

1.    البشر: ينقلون الأنظمة الثقافية من مكان وزمان لآخر؛ كون الأفراد موزعين على بقع جغرافية مختلفة، ويتميزون بقيم منفصلة عن بعضها، أما الجماعات غير المنظمة تمتاز بقيم غير منظمة، على عكس الجماعات المنظمة. يقصد سوروكين بذلك، أن لكل جماعة بناء اجتماعي وثقافي يتناسب مع درجة تطورها، فكلما زاد النظام الاجتماعي ترابطًا، زادت القيم التي تحكم النظام لتحقيق الانسجام بين عناصره.

2.    وسائل نقل الثقافة: حدد سوروكين ثلاثة وسائل لنقل الثقافة، هي:

v    جميع الأعمال الحسية.

v    جميع الأشياء المادية.

v    الأساليب الفيزيائية، والكيميائية، والبيولوجية.

تعليق على النظريات الدائرية:

يتفق أصحاب النظريات الدائرية على أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الخبرات التاريخية للمجتمعات تتكرر، لكنهم يختلفون في رؤيتهم التاريخية لحركة تغير المجتمعات، فبعضهم يحدد مراحل ثابتة كنظريتي شبنجلر، وسوروكين. ويتحدث فريق آخر عن دورات تتكرر دون تحديد مراحل ثابتة كنظرية توبيني.

ثالثًا: النظريات التطورية الحديثة:

على الرغم من تقادم النظرية التطورية إلا أنها تظهر بين الحين والآخر.

تخلصت التطورية الحديثة من مشكلات التطورية الكلاسيكية، فلم تعد تركز على الحتمية التاريخية، وأحادية العوامل في تفسير التغير الاجتماعي، والمماثلة البيولوجية بين الكائن الحي والمجتمع. رغم ذلك لا يوجد اختلاف كبير بينهما، فهدف النظرية التطورية الحديثة هو تأكيد تفوق الحضارة الغربية على غيرها من الحضارات.

من نماذج النظريات التطورية الحديثة: نظرية مراحل النمو، والالتقاء، ونهاية التاريخ، والوظيفية، والسيكولوجية الاجتماعية. فيما يلي توضيحها:

1.    نظرية مراحل النمو:

صاحب نظرية مراحل النمو "والت روستو"، الذي بين أن النمو الاقتصادي في كل المجتمعات يمر في مراحل محددة، والفرق بين مجتمع وآخر يكمن في درجة التطور الاقتصادي التي قطعها المجتمع. هذا يعني أن المجتمعات النامية سوف تمر في الخط التطوري الذي مرت به المجتمعات المتقدمة، وقد حدد خمس مراحل للنمو الاقتصادي، هي:

1)    المجتمع التقليدي: يتميز باقتصاد متخلف.. نشاطه الاقتصادي الرئيسي بالزراعة.. يستخدم الناس وسائل إنتاج بدائية.. تحتل نظام الأسرة والعشيرة مكانة كبيرة في التنظيم الاجتماعي.. يستند على القيم القدرية.. يرفض التغيير. ضرب "روستو" مثالًا لدول اجتازت هذه المرحلة كالصين، ودول الشرق الأوسط، ودول حوض البحر المتوسط، وبعض دول أوربا في القرون الوسطى. هذه المرحلة عادة تكون طويلة نسبيًا، وتتميز بالبطء الشديد.

2)    التهيؤ للانطلاق: لا تختلف هذه المرحلة من حيث البناء الاجتماعي، والقيم، والمؤسسات السياسية عن المجتمع التقليدي. الفارق الرئيس بين المرحلتين لا يعدو أن يكون فارقًا في طبيعة حركة المجتمعين، فحركة المجتمع التقليدي داخلية جزئية، بينما هذه المرحلة تتميز بظهور بوادر للتحول الجذري في مؤسسات المجتمع السياسية والاقتصادية، وتدفع أفراد المجتمع نح العمل المثمر، والأخذ بزمام المبادرة.

3)    الانطلاق: في هذه المرحلة تسيطر القوى العاملة؛ من أجل التقدم في كل مـرافق الحياة، فيصبح النمو والتنمية ظاهرة طبيعية في المجتمع. التجارب التاريخية أظهرت فعالية عاملين رئيسيين للتغير، هما: العامل التكنولوجي، والثورة السياسية. في هذه المرحلة ترتفع نسبة الاستثمار من (5-10%)، فتتوسع الصناعات الجديدة بسرعة.

4)    النضج: في هذه المرحلة تعد الدول المتقدمة قد استكملت نموها الاقتصادي في جميع القطاعات، وتمكنت من رفع مستوى إنتاجها، وقدراتها التقنية، وأقامت العديد من الصناعات الاساسية، والصناعات الأكثر تطورًا كصناعة الآلات الصناعية، والزراعية، والإلكترونية، وزيادة الصادرات الصناعية. حدد "روستو" أهم التغيرات التي تأخذ مكانها في هذه المرحلة:

v    هجرة السكان من الريف الى الحضر.

v    ارتفاع نسبة الفنيين والعمال من ذوي المهارات المرتفعة.

v    انتقال القيادة من أيدي أصحاب المشروعات والرأسماليين الى فئة المدربين التنفيذيين.

v    النظر الى الدولة على أنها المسؤولة عن تحقيق قدر متزايد من التأمين الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين.

5)    الاستهلاك الوفير: في هذه المرحلة يبلغ المجتمع درجة كبيرة من التقدم، حيث يفيض الإنتاج عن حاجة سكانه، ويعيش السكان في سعة من العيش، وقسط وافر من سلع الاستهلاك.

الانتقادات الموجهة لنظرية روستو:

v    تأكيد روستو على الطابع الحتمي لتطور المجتمعات وفق مراحل محددة متعاقبة، في هذا مغالطة؛ لأن المجتمعات لا تتغير بنفس الوتيرة، ولا بنفس الفترة الزمنية، فكثير من المجتمعات النامية قد حققت نموًا دون المرور في المراحل الخمس.

v    نظرية روستو تعكس تجربة معايشته للمجتمعات الغربية، دون فهمه للمجتمعات النامية.

v    محاولة روستو تبسيط عملية التنمية في ذلك مغالطة؛ لأن التنمية أعقد وأصعب من ذلك بكثير، فهي ليست مجرد عبور مراحل زمنية محددة.

v    تجاهل روستو دور الاستعمار في تخلف الدول النامية؛ بسبب العلاقات غير المتكافئة.

v    عدم دقة روستو في تحليل خصائص كل مرحلة، فخصائص كل مرحلة غير واضحة بشكل دقيق، يبدو هذا التداخل في وصفه لسمات مرحلة الانطلاق، والتهيؤ للانطلاق.

v    إطلاق روستو أحكامًا تعسفية في تحديد تواريخ مرحلة الإقلاع لبعض المجتمعات.

2.    نظرية الالتقاء أو التقارب:

تقوم نظرية الالتقاء على فرضية: العالم قد دخل مرحلة جديدة، هي مرحلة التصنيع الكامل. هناك أفكار تقترب من هذه المرحلة، وأفكار لازالت بعيدة عنها، وللتصنيع صفة جوهرية تجعل المجتمعات متشابهة، ويخلق نظمًا متشابهة. وصلت المجتمعات الصناعية لهذا التشابه بشكل مستقل عن المجتمعات غير الصناعية، ويقوم التشابه على العناصر الآتية:

v    الإنتاج واسع النطاق يعتمد على المهارات، والمنافسة، وتقسيم العمل.

v    التحضر، وزيادة السكان.

v    تحقيق درجة من الاتفاق على القيم.

v    نمو الاعتماد المتبادل، وتناقص فرص الحرب.

هذه المؤشرات تعد نموذجًا مثاليًا لأي مجتمع يسعى للتغير. إن كانت هذه المؤشرات سمات عامة للمجتمعات الصناعية، فإن التغير سيؤدي في النهاية إلى التقارب بين مختلف الدول، لكن لم تحدد النظرية مراحل التطور.

3.    نظرية نهاية التاريخ:

تعد نظرية نهاية التاريخ من أحدث النظريات، وقد قدمها "فرانسيس فوكو ياما" سنة 1989م، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، مستندًا على آراء "هيجل" التطورية، التي تنظر إلى التطور أنه انطلاق نحو الكمال. اعتمد "فوكو ياما" على فكرة "هيجل" في الاعتراف والتقدير، والتي اعتبرها "هيجل" فكرة محركة للتاريخ. وقد نظر "فوكو ياما" إلى الديمقراطية المعاصرة التي تمثلها أمريكا، أنها ألغت فكرة العلاقة بين السادة والعبيد، التي كانت موجودة بشكل أو بآخر في النظم السياسية الأخرى.

مما يؤخذ على هذه النظرية أنها وضعت حدًا للتاريخ، بالتالي حرمت التطور، أو أوقفته عند نقطة معينة.

4.    النظرية الوظيفية:

استنكرت المدرسة الوظيفية فهم المجتمع في ضوء تاريخه، ورفضت فكرة التطور، وحاولت فهم المجتمع في ضوء ظروفه المعاصرة، والعلاقات المتبادلة بين مكوناته.

تعتمد الوظيفية على ثلاثة مفاهيم رئيسية، هي:

·        البناء: يشير إلى العلاقات المستمرة الثابتة بين الوحدات الاجتماعية. بمعنى آخر، يشير البناء إلى الجوانب الهيكلية الثابتة في المجتمع.

·        الوظيفة: يشير إلى النتائج المترتبة على النشاط الاجتماعي. بمعنى آخر، يشير إلى الجوانب الدينامية داخل البناء الاجتماعي.

·        النسق الاجتماعي: يتم من خلاله تحليل البناء والوظيفة. فالمجتمع يتكون من مجموعة أنساق فرعية، تؤدي كل منها وظيفة معينة.  

   ظهرت المدرسة الوظيفية منذ القرن التاسع عشر، ولازالت مستمرة إلى الآن، أول من استخدمها عالم الانثروبولوجيا "فرانز بواس"، ثم "لينتون"، وقد عرفها: "محصلة ما تسهم به الأجزاء من أجل استمرار الصيغة الاجتماعية الثقافية". أما أول من استخدم الوظيفية في علم الاجتماع، هم: هربرت سبنسر، إميل دوركايم، باريتو، وتالكوت بارسونز.

سنتحدث الآن عن أهم جهود النظرية الوظيفية في فهم قضية التغير الاجتماعي.

‌أ.        النظرية الوظيفية الكلاسيكية:

يشير مفهوم الوظيفية الكلاسيكية إلى الجهود المبكرة التي تمثلت في إسهامات هربرت سبنسر، وإيميل دوركايم، وماكس فيبر، وباريتو.

تعتبر الوظيفية الكلاسيكية التغير الاجتماعي تدريجي، ولا يؤدي إلى هدم البناء الاجتماعي، إنما يؤدي إلى استمراره في حالة توازن. فسبنسر يعتبر المجتمع كيان كلي يتكون من وحدات متميزة، تنتظم وفقًا لترتيبات معينة، ويشبه تكوين المجتمع بتكوين الكائن الحي، فعندما يتغير المجتمع فإنه يخضع لنفس منطق تغير الكائنات الحية، فالمجتمع ينمو في حجمه، عندها ينمو التباين بين مكوناته، وتصبح غير متشابهة، ويظهر التباين الاجتماعي. لكن هذا التباين لا يفقد المجتمع تكامله، فالمجتمعات تبدأ بسيطة، ثم تتحول إلى مركبة، إلى أن يظهر المجتمع الصناعي الذي يتميز بعد التجانس والتباين الشديد.

نظرية دوركايم في التغير الاجتماعي تشبه نظرية سبنسر، لكنه لم يلتزم بالمماثلة البيولوجية، وانطلق من منظور وظيفي يقوم على التباين، والتضامن. يتضح ذلك من خلال العلاقة بين مفهومي تقسيم العمل، والتضامن الاجتماعي. فتقسيم العمل ضرورة من ضرورات التباين الاجتماعي، فالمجتمعات البسيطة تقوم على التضامن الآلي، أما المجتمعات المعقدة تقوم على التضامن العضوي.

‌ب.   نظرية التوازن الدينامي:

تطورت النظرية الوظيفية في القرن العشرين؛ لتركز على فكرة التوازن الدينامي في عملية التغير الاجتماعي، ويعد "تالكوت بارسونز" من أشهر علماء هذه النظرية. فقد حدد أربعة أنساق رئيسية للمجتمع، هي:

‌أ.       النسق العضوي.

‌ب.  نسق الشخصية.

‌ج.    نسق الثقافة.

‌د.      نسق المجتمع: هذا النسق ينقسم إلى أربعة أنساق فرعية، هي:

v    النسق الاقتصادي.

v    النسق السياسي.

v    الروابط الاجتماعية.

v    ونظم التنشئة الاجتماعية.

بحسب بارسونز يعيش المجتمع في حالة توازن، وعندما يتعرض لحالة تغير فإنه لا يفقد توازنه، ويحاول أن يتكيف معه.

من الانتقادات التي وجهت إلى الوظيفية:

1)    عدم استخدامها لأدوات البحث التجريبية؛ لأن التحليل الوظيفي يوجه اهتمامه نحو المعنى، ويدور حول الإجابة على سؤال: ما هو الدور الذي تلعبه الظواهر المختلفة في تدعيم النظام الكلي؟.

2)    هناك خلط بين التحليل الوظيفي، والتحليل النفسي. يمكن القول الاتجاه الوظيفي أغرق علم الاجتماع بقضايا علم النفس، يتضح ذلك من استخدام الوظيفية لمصطلحات نفسية، مثل: الدوافع.

3)    تعتبر النظرية الوظيفية غير كافية لتفسير مقولة التغير الاجتماعي طالما قيدت نفسها بالإجابة على الأسئلة التي تدور حول وظائف الوحدات الاجتماعية من أجل المحافظة على البناء الاجتماعي، وتأثير البناء على الأجزاء، فهي بذلك تدور حول حلقة مفرغة.

4)    يؤخذ على الوظيفية من الناحية الأيديولوجية، أنها تحافظ على النظام الذي خرجت منه، من أجل تفسير التغير الاجتماعي بمقولات عن حفظ التوازن في المجتمع، من خلال تدعيم نسق القيم، والتنشئة الاجتماعية، واعتبار الخروج عنها عملًا شاذًا.

5.    النظرية السيكولوجية الاجتماعية:

تركز النظرية السيكولوجية الاجتماعية على دور الفرد في التغير الاجتماعي، ودور الأفكار التي يحملها الفرد في تغيير نمط الحياة ومسارها.

تقوم النظرية السيكولوجية الاجتماعية على فرضية: التغير الذي يصيب المجتمع يحدث أساسًا في الأفراد، فالأفراد هم الذين يغيرون، ويتغيرون. لذلك يوجد مكان للعوامل النفسية في التغير الاجتماعي. فالعوامل النفسية هي التي تخلق الأفراد ذوي القدرات الخاصة، وتدفعهم إلى الاختراع والابتكار.

تبلور هذا الاتجاه في إسهامات "ماكس فيبر" من خلال دراسته للأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية. فقد افترض أن الرأسمالية الصناعية ظهرت بسبب الحالة السيكولوجية التي ظهرت في أوربا الغربية في القرن السادس عشر، والتي ترتب عليها انتشار النزعة البروتستانتية، وقد أدت هذه المجموعة من الأفكار الجديدة التي طورت المسيحية إلى خلق روح الرأسمالية؛ لأنها أدت إلى ظهور التفكير العقلاني الرشيد، بحيث أصبحت العقلانية هي الأساس الذي تقوم عليه الحياة الاجتماعية. هذه النزعة العقلانية خلقت الدافعية للإنجاز، والعمل، والربح، وازدراء الحياة المليئة بالمتعة، فالحياة يجب أن تكرس للعمل بكفاءة عالية.

تبنى فيبر الدراسات المقارنة، والمنهج التاريخي عند دراسته لقضايا علم الاجتماع. لهذا يمكن أن نصنف فيبر أنه أول من استخدم المدخل التفسيري. فقد كان لفيبر قدرات تفسيرية فائقة لاهتمامه ليس بعلم الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والنفس، والتاريخ.

يعتبر النموذج المثالي للبيروقراطية لدى فيبر نوع من التنظيم التسلسلي والعقلاني الذي يتضمن قطاعات كبيرة في المجالات الإدارية الكبرى. يرتبط التنظيم بالقواعد الوظيفية ويقوم على مبدأ تقسيم العمل، وهذا يحتاج إلى إجراءات لخضوع الأعضاء في جميع الحالات التي تحيط بظروف العمل، كما يتألف من أعضاء الجهاز الإداري، يخضع هؤلاء الأعضاء لمبدأ التسلسل حيث في التنظيم الإداري. هذا التسلسل بالطبع يأخذ  شكلًا هرميًا، والإجراءات الوظيفية تقوم على أسلوب رتيب، وتكون مكتوبة، لها صفة الجبرية.

الخطوط الرئيسية التي تظهر وضع الموظف وعلاقاته بالأعضاء في البناء الإداري:

v    يكون الفرد في حرية شخصية، لكن امتثاله واحترامه للسلطة يكون طبقًا للقواعد اللا شخصية.

v    تكون علاقة التنظيم للفرد واضحة حسب التسلسل الداخلي للتنظيم.

v    كل موظف له قدر معين من الكفاءة الإدارية و الاقتدار.

v    يكون الموظف بعيدًا عن التعاقد الشخصي داخل العمل.

v    الموظف يعامل كفرد.

v    يختار الموظفين حسب معايير: الاختبار، والشهادات، والخبرة.

v    كل موظف يتقاضى راتبًا محددًا حسب كفاءته وإنجازه، ووضعه الوظيفي وليس مكانته الاجتماعية.

v    يخضع الموظف لنظام العمل حسب القواعد الوظيفية المكتوبة.

وقد تحدث فيبر عن ثلاثة انواع للسلطة، هي:

1.    السلطة الكاريزمية: تقوم على الاعتقاد المطلق لفرد معين لديه صفات استثنائية، مثل: الأنبياء، والقادة الناجحين. هذه السلطة تستند على الزعامة المطلقة، والصفات الخارقة. لذا هذه السلطة لا تتسم بالعقلانية.

2.    سلطة التقاليد: تقوم على الاعتقاد بقدسية التقاليد القديمة المتوارثة، وشرعية السلطة، تستمد مكانتها الاجتماعية من الأفراد الذين يتمتعون بالسلطة. فالسلطة الأبوية، وسلطة رئيس القبيلة، وسلطة الملك تمثل أنواعًا مختلفة للسلطة التقليدية.

3.    السلطة العقلانية: تكون بالاعتماد على قواعد معينة، تأتي بنصوص دستور. يذهب فيبر أن السلطة في المجتمع الغربي قائمة على الاقتراب من النموذج العقلي.

اعتبر فيبر وحدة التحليل الأساسية في المجتمع هي الشخص الفاعل، وأقام نظريته على أساس التمييز بين أربعة أنماط من الفعل الاجتماعي، هي:

v    الفعل العقلاني الذي يرتبط بهدف ما: الفاعل فيه يدرك هدفًا معينًا يريد تحقيقه، وتكون لديه أساليب مناسبة لتحقق هذا الهدف. مثل ما يقوم به المهندس الذي يصمم بناءً معينًا.

v    الفعل العقلاني الذي يرتبط بقيمة ما: لا يهدف إلى تحقيق هدف خارجي للفرد، بقدر ما يهدف للتمسك بقيمة معينة لها أهمية عظمى عند الفرد. مثل الفعل الذي يقرره قبطان السفينة؛ لئلا تغرق وحدها بل يغرق معها.

v    الفعل الوجداني: هذا الفعل ينجم عن حالة عاطفية مباشرة للفرد. مثال: حين تصفع الأم طفلها؛ لأنه أتى سلوكًا سيئًا. هذا يعني أن هذا الفعل مؤقت لا يصر عليه الفرد لفترة طويلة، وهذه الأفعال وجدانية وليست عقلانية؛ لأنها عبارة عن ردود أفعال عاطفية.

v    الفعل التقليدي: تمليه العادات والتقاليد والمعتقدات الجمعية. الفاعل في هذه الحالة لا يأتي فعله من أجل تحقيق هدف ما، أو من أجل تمسكه بقيمة معينة، أو لأنه مثار انفعاليًا. لكن فعله طاعة للأفكار التي اكتسبها من خلال التنشئة الاجتماعية.

ماكس فيبر والنظام الرأسمالي:

عرض فيبر أساليب تطور الصناعية في بريطانيا التي مهدت لظهور الرأسمالية الحديثة. كما ربط فيبر بين تلك المرحلة وظهور مفهوم المواطنة، وعلاقته بمفاهيم الاقتصاد، والسياسة، والطبقة الاجتماعية، والصراع الطبقي، وديمقراطية العصور الوسطى. سعى فيبر لبريهن أن الرأسمالية تعتبر نظامًا اجتماعيًا واقتصاديًا في العصر الحديث، وهي نتاج طبيعي للدين البروتستانتي، وما يقوم عليه من مبادئ وقيم ومعتقدات دينية و مجتمعية؛ لأنها تتوجه بفضل الأخلاق الكالفينية، فالأخلاق الكالفينية وروح البروتستانتية توجهان الحياة الاجتماعية اليومية نحو الأنشطة الاقتصادية المنتجة مثل: الادخار، والاستثمار، والعمل، والإنتاج، واحترام المهن. كما تنظم الحقوق والواجبات، والسلوك الاقتصادي، وتنذر من عواقب الكسل والخمول والاتكالية. كما تحبب الفرد في تنمية علاقاته مع جماعات العمل عن طريق قيم علمية و دينية لاسيما الأمانة، والصدق، واكتساب الخبرة.

اهتم فيبر بدراسة الرأسمالية الصناعية، حاول أن يتعرف على ظروف نشأتها التاريخية، وأسباب انتشارها واستمراريتها. رفض بعض التحليلات التي ترجع ظهور الرأسمالية لأسباب تتعلق بزيادة عدد السكان، أو لتدفق المعادن النفيسة (الذهب والفضة) إلى المجتمعات الأوربية. مشيرًا هناك الكثير من العالم الأخرى ظهرت فيها هذه الأسباب لكنها لم تنشأ أو تتطور فيها الرأسمالية. لذا يؤكد فيبر أن السبب الأساسي وراء ظهور الرأسمالية في المجتمعات الأوربية هو ظهور الديانة البروتستانتية، خاصة المذهب الكالفيني؛ لأن هذا المذهب اهتم بالنواحي الإدارية والبيروقراطية كأسلوب عقلاني في تنظيم علاقات العمل والإنتاج في النظام الرأسمالي.

ناقش فيبر العلاقة بين الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي والفوارق بينهما. فأشار بأن الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق يكون الفعل الاقتصادي العقلاني يقوم على تحقيق المصالح الخاصة، أما الاقتصاد الاشتراكي يركز الفعل الاقتصادي العقلاني لإقامة النظام بغض النظر للموافقة أو عدم الموافقة عليه. أي لا يهتم بالمصالح الخاصة، إنما يهتم بالمصالح العامة.

المرجع| بسام محمد أبو عليان، التغير الاجتماعي، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2021، ص85-112.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها: (الترحيب بال

علم الاجتماع الحضري| الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري

د. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى الاتجاهات النظالكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري: يمكن التمييز بين اتجاهين نظريين كلاسيكيين في علم الاجتماع الحضري درسا المدينة وظاهرة التحضر، هما: الاتجاه المحافظ، والاتجاه الراديكالي. أولًا| الاتجاه المحافظ: |      المبدأ الأساسي الذي يحكم المجتمع، هو: الثبات، والاستقرار، والنظام. |      من علماء الاتجاه المحافظ: ‌أ.         أوجست كونت: اهتم بقانون المراحل الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية)، وقارن بين الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية. ‌ب.    إميل دوركايم: اهتم بموضوعات، مثل: تقسيم العمل، والانتحار، والدين، والتضامن الآلي والتضامن العضوي. ‌ج.    ماكس فيبر: اهتم بأنماط السلطة الثلاث: (التقليدية، والكاريزمية، والقانونية)، ودرس موضوعات: البيروقراطية، والرأسمالية، والدين، والفعل الاجتماعي. وربط بين تطور المدينة والتغيرات التي طرأت الثقافة الغربية. ثانيًا| الاتجاه الراديكالي: |      ركز على الصراع الطبقي، وانتقال المجتمعات من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وقد جعلها ماركس في خمس مراحل، هي: (المشاعية، والإقطاعية، والرأسمالية، والاش

انثروبولوجيا| علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى

علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى على الرغم من الاعتراف بالأنثروبولوجيا كعلم مستقلّ بذاته، يدرس الإنسان من حيث نشأته وتطوّره وثقافته، فما زال علماء الإنسان يختلفون حول تصنيف هذا العلم بين العلوم المختلفة، فيرى بعضهم أنّه من العلوم الاجتماعية، كعلم النفس والاجتماع، ويرى بعضهم أنّه من العلوم التطبيقية كالطب، ويرى بعضهم أنّه من العلوم الإنسانية كالفلسفة. أولاً| علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأحياء (البيولوجيا):   يتناول علم الأحياء دراسة الكائنات الحيّة. فهو يعرّف: "العلم الذي يدرس الإنسان كفرد قائم بذاته، من حيث بنية أعضائه وتطوّرها". يرتبط علم الأحياء بالعلوم الطبيعية، لا سيّما علم وظائف الأعضاء والتشريح. وتدخل في ذلك، نظرية التطوّر التي   تقول بأن أجسام الكائنات الحيّة ووظائف أعضائها، تتغيّر باستمرار ما دامت هذه الكائنات تتكاثر، قد تكون أرقى من الأجيال السابقة، كما عند الإنسان. كما تستند هذه النظرية إلى أنّ الإنسان بدأ كائناً حيّاً بخلية واحدة، تكاثرت   إلى أن انتهى إلى ما هو عليه الآن من التطوّر العقلي والنفسي والاجتماعي. وهذا ما دلّت عليه بقايا عظام الكائنات ا