التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خدمة الفرد| الرعاية الاجتماعية

 

د. بسام أبو عليان
أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
جامعة الأقصى

تعريف الرعاية الاجتماعية:

ظهر مفهوم الرعاية الاجتماعية أواخر القرن التاسع عشر مع جهود حركات الإصلاح الاجتماعي التي انتشرت في كلٍ من إنجلترا، وأمريكا. من إنجلترا انتقل إلى بقية دول أوربا، على إثر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها الثورة الصناعية. وقد تعددت تعريفات الرعاية الاجتماعية، شأنها شأن كل المفاهيم الاجتماعية؛ لأسباب عدة، أبرزها: اختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية للباحثين، واختلاف ظروف البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأ فيها كل باحث،  فكل باحث يعرف المفهوم انطلاقًا من معقداته الفكرية والأيديولوجية، وخلفيته الاجتماعية والثقافية.

من تعريفات الرعاية الاجتماعية:

v  إدموند سميث: "نسق من المؤسسات الاجتماعية، والقيم، والأهداف، والمبادئ المشتركة التي تعبر عن المصلحة العامة للمجتمع، ورفاهية الأعضاء كأفراد، وجماعات، ومجتمعات محلية".

v  هوارد رسل: "مجال المسؤولية الحكومية التي تمارس لتحقيق الأمن والحماية وتوفير فرص التكيف الاجتماعي الناجح للشعب... لإشباع الحاجات التي لا تقوم هيئات أخرى بإشباعها بما في ذلك المساعدات المالية للمحتاج، وحماية الضعيف والعاجز من الاستغلال الاجتماعي، وتوفير الخدمات الاجتماعية والإسكان".

v  والتر فريد لاندر: "النسق المنظم للخدمات والأجهزة التي يتم إعدادها لمساعدة الأفراد والجماعات لتحقيق مستويات مناسبة للصحة والمعيشة، ولتدعيم العلاقات الشخصية مما يمكنهم من تنمية قدراتهم، وتحسين مستوى حياتهم بما يتفق مع احتياجاتهم ومجتمعاتهم".

v  أحمد خاطر: "نظام لإحداث التغير، يضم عدداً من الوظائف والخدمات التي تقابل الاحتياجات الاجتماعية إلى جانب الإمكانيات التي توفرها الأسرة وجماعات المجتمع".

بدورنا نعرف الرعاية الاجتماعية: "منظومة من المؤسسات الحكومية والأهلية، تحكمها مجموعة مبادئ وقيم مهنية تسعى لإشباع حاجات الأفراد، والجماعات، والمجتمع من خلال التوفيق بين احتياجات الأفراد وموارد المجتمع؛ بهدف تنمية قدراتهم، وإعانتهم على تحقيق التكيف مع بيئاتهم الاجتماعية".

الرعاية الاجتماعية والرفاهية الاجتماعية:

تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية لكل فرد محتاج في المجتمع؛ بهدف إشباع حاجاته الأساسية. أما الرفاهية الاجتماعية، هي: حالة من لين ورغد العيش ترتبط بحالة استقرار المجتمع من النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. وقد عرفت منظمة اليونسكو الرفاهية الاجتماعية: "نسق منظم من الجهود، والخدمات، والبرامج التي تستهدف مساعدة الأفراد والجماعات؛ لتحقيق حياة أفضل من خلال تنمية قدراتهم، ومساعدتهم على تكوين علاقات بناءة مع مجتمعاتهم بما يحقق قدرًا مقبولًا من التفاهم بين الأفراد، والجماعات، والمجتمعات المحلية". فيما عرفتها دائرة المعارف البريطانية: "هي العمل المنظم الذي يهدف إلى التكيف المتبادل بين الأفراد وبيئاتهم الاجتماعية، ويشمل جهود الحكومات والمنظمات الأهلية؛ لتوفير كافة الخدمات الاجتماعية، والتعليمية، والصحية، والترفيهية، والتشريعية التي تجنب الإنسان المحن والنكبات، ولتحمي الفئات المعوقة من الاستغلال والانحراف".

مداخل الرفاهية الاجتماعية:

حددت خمسة مداخل للرفاهية الاجتماعية، هي:

1.    تخطيط وتحليل سياسة الرعاية الاجتماعية.

2.    تصميم برامج المحافظة على الدخل.

3.    تصميم برامج الخدمات الاجتماعية.

4.    إدارة الرعاية الاجتماعية.

5.    العمل الاجتماعي.

نشأة الرعاية الاجتماعية:

ظهرت الرعاية الاجتماعية مع ظهور أول جماعة بشرية على سطح الأرض، تلك الجماعات لم تكن تحكمها علاقات المصلحة والمنفعة، - كما هو الحال اليوم -، ولم تكن توجد قوانين رسمية تضبط وتنظم عمل الرعاية الاجتماعية، إنما قدمت بشكل فردي.. تلقائي.. طوعي دون انتظار مقابل من أحد. هي خدمات قدمها الميسر إلى المعسر، والقادر لغير القادر. نظرًا لصغر حجم تلك الجماعات كان من السهل تحديد احتياجات الأفراد، والسعي لإشباعها[1].

الرعاية الاجتماعية في الحضارات القديمة:

1)  الحضارة الفرعونية:

كان الفرعون بمثابة إله يتحكم في أرزاق الناس؛ بحكم موقعه الديني والسياسي، فوزَّع الأراضي الزراعية بسخاء على مقربيه من الوزراء، والحكام، وقادة الجيش، فتنعموا بما تنتجه تلك الأراضي من ثمار وخيرات، أما عامة الناس كانوا يعملون أجراء عند الملاك، ويقتاتون على الفتات الذي يحصلون عليه نظير عملهم في تلك الأراضي. هذا النظام الاقتصادي والسياسي الفرعوني أفرز طبقتين اجتماعيتين:

v    الفرعون وحاشيته: يمثلون قلة في المجتمع، لكنهم يسيطرون على كافة ثروات الدولة الاقتصادية.

v    عامة الشعب: يمثلون أغلبية في المجتمع، لكنهم يعانون من الفقر، والجوع، والحرمان.

كإجراء وقائي، ولخشية الفرعون وحاشيته من اندلاع ثورة الجياع ضدهم قدموا بعض المساعدات، والهدايا، والهبات إلى رجال الدين في المعابد؛ ليتكفلوا بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.

2)  الحضارة اليونانية (الإغريقية):

قامت الحضارة اليونانية على فلسفة القوة، وهذا تطلَّب منها أن تربي أبناءها تربية عسكرية خشنة؛ حتى يخرجوا أقوياء، ذوي بأس شديد. سبب ذلك، أن الحضارة اليونانية نشأت في منطقة جبلية تعاني من شح الإنتاج الزراعي الذي لم يشبع حاجات السكان، فامتهنوا القرصنة، وشنوا الحروب، والغزو على المجتمعات المجاورة؛ ليوفروا ما يحتاج إليه أفراد المجتمع لإشباع حاجاتهم.

قسِّم المجتمع اليوناني إلى طبقتين، هما:

v    طبقة النبلاء: فئة قليلة في المجتمع، لكنهم يديرون كافة شؤون الدولة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

v    طبقة الفلاحين والعمال: يمثلون أغلبية في المجتمع، يعملون عبيدًا عند النبلاء بدون مقابل.

لقد أيَّد وشجَّع فلاسفة اليونان هذا التقسيم الطبقي، فأرسطو برره بأن الطبيعة هي التي حددت مراكز الأفراد الاجتماعية، فخلقت أناسًا مهيئين للسيادة، وآخرين مهيئين للعبودية، ولكل منهما صفات جسدية وعقلية تعينه على تحمل مسؤوليات مركزه الاجتماعي. أما أفلاطون فقد ركز اهتمامه على طبقة الجند والحراس، وبيَّن أن وظيفتهم الرئيسية هي حماية الدولة من المخاطر، لذلك شدد على ضرورة تربية أبنائهم تربية عسكرية قوية، وجعل طبقية العبيد في أسفل الهرم الاجتماعي.

رغم ما سبق، لم تُعدَم الحضارة اليونانية من بعض صور الرعاية الاجتماعية، فقد ذكر أرسطو أن سكان جزيرة "كريت" قدموا وجبات طعام لعامة الناس من خزينة الدولة، وفي أثينا حرر الحاكم "صولون" الشعب من الديون، وحمى أُسَر الجند، وقدَّم لهم الرعاية. وفي أثينا أنشئت منازل لرعاية وتعليم لفقراء والأيتام الذين خلفتهم الحروب.

وعليه، يمكن القول: لا توجد سياسة ثابتة عند اليونانيين في تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية، إنما هي مساعدات طارئة قدمت للمواطنين في ظروف استثنائية من خزينة الدولة بدافع الشرف الوطني.

3)  الحضارة الرومانية:

كانت الحضارة الرومانية في مأمن من طمع الشعوب المجاورة؛ لفقرها، وعدم خصوبة أرضها، فعززت عندهم حالة العوز تلك نزعة الحرب، والقرصنة، وغزو المجتمعات المجاورة، فساهم ذلك في تأكيد الوقائع الاجتماعية الآتية:

v    حصر معظم الوظائف العامة في الأشراف، فلا يجوز لعامة الشعب شغلها.

v    امتلاك الأشراف الأراضي الزراعية والثروة.

v    انخراط عامة الشعب في سلك الجندية، والتضحية في سبيل الدولة.

v    انتشار الفقر المدقع والحرمان بين شرائح المجتمع.

v    مطالبة الفلاسفة والمفكرين الحكام بتطبيق القانون الطبيعي الذي يقوم على مبدئي: الحرية، والمساواة.

v    سعي الحكام الرومان إلى تكوين إمبراطورية عظيمة.

إنجازات الثورات الشعبية الرومانية:

مع تفشي الظلم الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد الشعب الروماني اندلعت العديد من الثورات الشعبية، وقد حققت المكاسب الآتية:

v    إلغاء قانون الدَّين الذي أباح للدائن الاستيلاء على المدين، وإيداعه في السجن.

v    تدوين القوانين؛ حتى لا تصبح ألعوبة بيد الحكام يغيرونها حسب أهوائهم.

v    تطوير قوانين الألواح الاثني عشر[2].

v    السماح لعامة الشعب بشغل بعض الوظائف العامة.

v    تحقيق برنامج اقتصادي يقوم على التوازن في الأمور الاجتماعية كالزواج.

v    تقييد سلطة رب الأسرة خاصة في حالات التبني.

v    منح الرقيق بعض المكاسب والامتيازات.

v    معاقبة الجاني نفسه، ولا يؤخذ آخر بجرمه.

فيما يتعلق بخدمات الرعاية الاجتماعية، فقد أُسنِد إلى مجلس الشيوخ العمليات الإغاثية، فكان يشتري الحبوب من المزارعين، وبيعها إلى عامة الشعب بسعر زهيد، كما كان الأغنياء يوزعون الحبوب على الفقراء مجانًا، وقدمت الدولة مساعدات لأسر الجنود الذين ذهبوا للقتال في الحرب وتعرضوا للإعاقات أو الموت.

الجدير بالذكر، هذه الخدمات لم تقدم للناس بدافع المسؤولية الاجتماعية، إنما خوفًا من ثورة الجياع على الدولة فيسقطوا حكمهم.

الرعاية الاجتماعية في التشريعات السماوية:

سعت التشريعات السماوية إلى بناء مجتمع متكافل.. متعاون.. متآزر، تسود بين أفراده روح الإخاء، والمحبة، والتعاون، وتضبط سلوكهم قيم العدل، والمساواة، واحترام الآخر. بمعنى آخر، بناء مجتمع يقوم على الفضائل، ويحارب الرذائل، ويسعي لنيل الأجر في الدارين الدنيا والآخرة.

اهتمت التشريعات السماوية بالجانبين المادي والروحي في حياة الفرد، وعالجت مشكلات المجتمع برؤية إلهية تحقق المبادئ السابقة، وتوعدت المفسدين بعقوبات دنيوية معجلة وآخروية مؤجلة، وحثت أتباعها على ممارسة أعمال البر والخير والإحسان، وتقديم المساعدات إلى مستحقيها من الفقراء، والمساكين، والمحتاجين. هذه المساعدات منها ما هو إلزامي كالكفارة، والنذر، والزكاة، ومنها ما هو طوعي كالصدقة، والهبة.

في هذا المقام سنتحدث عن الرعاية الاجتماعية في التشريعات السماوية الثلاث: اليهودية، والنصرانية، والإسلام.

1.    الشريعة اليهودية:

تعتبر التوراة أول تشريع سماوي نزل إلى الأرض، وقد اهتمت بالرعاية الاجتماعية، وأكدت على مبادئ العدل، والمساواة، والتعاون بين الناس. من نصوصها التي أكدت على ذلك:

v    افتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك.

v    أكرم أباك وأمك؛ كي تطول أيامك على الأرض.

v    من يرحم الفقير يقرض الرب، وعن معروفه يجازيه.

v    لا تظلموا الأرملة، ولا اليتيم، ولا الغريب، ولا الفقير.

2.    الشريعة النصرانية:

جاءت الشريعة النصرانية بعد أن حرَّف اليهود التوراة، وحادوا عن جادة الصواب، لكنها لم تلغِ كل التشريعات اليهودية، فقد أبقت على القيم الحسنة، وأكدت على قيم المحبة، والسلام، والإخاء. مما جاء في الإنجيل عن الرعاية الاجتماعية:

v    طوبى للرحماء؛ لأنهم يرحمون.

v    كونوا مضيفين لبعضكم.

v    أيها الأبناء أطيعوا والديكم في كل شيء؛ لأن هذا مرضٍ للرب.

v    العين المستهزئة بالأب والمستخفة بالأم تفقؤها غربان الوادي، وتأكلها فراخ النسر.

3.    الشريعة الإسلامية:

الإسلام هو الدين السماوي الخاتم، جاء ليصحح أخطاء وانحرافات اليهود والنصارى في كتبهم المقدسة، والإتيان بتشريعات وأحكام لم توجد بهما. تكفل الله تعالى بحفظ كتابه المقدس (القرآن الكريم) من الانحرافات، والتبديل، والتغيير. قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9].

لقد احتلت الرعاية الاجتماعية مكانة كبيرة ومتميزة في الإسلام، فقد حث الإسلام أتباعه على التعاطف، والتراحم، والتواد، والمحبة، والمساندة، والتعاون، وبيَّن أوجه مصارف الزكاة والصدقات، ومقاديرها، وحرَّم سفك دماء الأبرياء بدون وجه حق، ومنع فوضى الثأر والانتقام، وشرع القصاص، وحدد ضوابطه، وحث على العفو والتسامح، وحرَّم أكل أموال الناس بالباطل، وطالب الأبناء ببر الوالدين، وحث على كفالة اليتيم، ورعاية الأرملة، وحفظ حقوق المطلقات، وصيانة حقوق الورثة لاسيما الضعفاء منهم، وحافظ على حقوق الأقليات في المجتمع... إلخ.

أهداف الرعاية الاجتماعية في الإسلام:

1)  الحفاظ على كرامة وإنسانية الإنسان: لقد فضَّل الله تعالى الإنسان على كثير من خلقه: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الحجر:9].

2)    تعزيز روابط التعاون والتكافل الاجتماعي: قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2].

3)  تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة: قال رسول الله r: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته. الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته..." [البخاري:2558].

مبادئ الرعاية الاجتماعية في الإسلام:

1.  تقديم المساعدات إلى مستحقيها: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60].

2.  الحث على العمل، ونبذ السلبية والتواكل: قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:105].

3.  المساواة بين الناس، وعدم التمييز بينهم على أساس الجنس أو العرق، أو اللون، وجعل التقوى هي معيار التفاضل بينهم: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13]. وقال رسول الله r: "يا أيها الناسُ: إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم، ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائب" [الألباني: السلسلة الصحيحة:2700].

وسائل تحقيق الرعاية الاجتماعية في الإسلام:

1.    الزكاة: تعد ركنًا من أركان الإسلام، لا يصح إسلام الفرد إلا بها، ورد ذكرها في أكثر من موضع في القرآن الكريم: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. تعرَّف: "حق معلوم للفقراء في أموال الأغنياء".

2.    الصدقة: قال تعالى: ﴿وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة:280]. مما يفرِّق الصدقة عن الزكاة، بأن الصدقة تقدم بشكل طوعي، حسب مقدرة المتصدق المادية، أما الزكاة لها شروط محددة كبلوغ النصاب، وحولان الحول عليه، ويكون في أوجه معلومة من النشاط الاقتصادي.

3.    النفقة: قال تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:273].

4.    الكفارة: تعددت الكفارات في الإسلام، منها: كفارة اليمين[3]، والنذر[4]، والجماع في نهار رمضان[5]، والجماع قبل التحلل الأول في الحج[6]، والوطء في الحيض[7]، والقتل[8].

5.    الوقف: قال رسول الله r: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له" [مسلم:1631].

خصائص الرعاية الاجتماعية:

1)  تسعى الرعاية الاجتماعية إلى علاج المشكلات الاجتماعية، وإزالة العقبات التي تعترض الأفراد، أو الجماعات، أو المجتمع، وتعيق تكيفهم الاجتماعي، والاندماج في مجتمعاتهم.

2)  تعمل الرعاية الاجتماعية لصالح المجتمع، حيث تتعرف على جوانب العجز والقصور في النظم الاجتماعية فتعالجها، وتعزز جوانب القوة.

3)  تعتبر الرعاية الاجتماعية ضرورة مجتمعية، فهي موجودة في كل المجتمعات، لكن بصور ودرجات متباينة، تخلف من مجتمع لآخر، ومن عصر لآخر.

4)  تسعى الرعاية الاجتماعية إلى تحقيق رفاهية الإنسان، باعتبارها حقًا مكفولًا لكل أفراد المجتمع دون تمييز، بغض النظر عن اللون، والعرق، والجنس، والديانة.

5)    تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية من قبل مؤسسات المجتمع المختلفة الحكومية، والأهلية، والأولية، والثانوية.

6)    تطبق برامج الرعاية الاجتماعية وفق ثقافة المجتمع الذي توجد فيه.

7)    تهتم الرعاية الاجتماعية بالجانبين الوقائي، والعلاجي.

8)    لا تسعى الرعاية الاجتماعية إلى تحقيق الربح المادي.

9)  لا تقاس آثار الرعاية الاجتماعية بمقياس مادي ملموس سريع، فإشباع حاجات الأفراد، والجماعات، المجتمع وتنمية قدراتهم عملية استثمارية بعيدة المدى.

قيم الرعاية الاجتماعية:

1)  المسؤولية المجتمعية:

تعرف المسؤولية الاجتماعية: "هي مسؤولية الفرد عن أفعاله تجاه المجتمع، بما فيه من عادات، وتقاليد، وعرف، وقيم".

تقوم الرعاية الاجتماعية على محورين، هما:

v  حقوق للفرد يجب على المجتمع أدائها، قد تكون هذه الحقوق مادية، أو اجتماعية، أو تعليمية، أو تربوية، أو صحية، أو ترفيهية... إلخ.

v    واجبات على الفرد يجب أن يؤديها لمجتمعه كالتزامه بالقوانين، والعمل، الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع.

2)  العدالة الاجتماعية:

قدَّرت الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم تخطى حاجز السبعة مليار نسمة، وبينت أن معدل الزيادة السكانية العالمي السنوي في الفترة (2005-2015م) تسع وسبعون مليون نسمة، حيث تأتي قارة آسيا في مقدمة القارات من حيث الكثافة السكانية، إذ تحتل (59.9%) من سكان العالم، يأتي بعدها أفريقيا بنسبة (15.7%)، ثم أوربا بنسبة (10.3%)، ثم أمريكا الشمالية بنسبة (4.9%)، ثم أمريكا اللاتينية بنسبة (8.6%). وقد بدأ العالم يشهد نموًا متزايدًا في عدد السكان منذ عام (1350م)، أي مع نهاية "الطاعون الأسود"، الذي اجتاح أوربا في القرن الرابع عشر، بين عامي (1347-1352م)، الذي تسبب بموت ثلث القارة الأوربية، وفي هذه الفترة أيضًا انتشرت الأمراض والأوبئة في آسيا، والشرق الأدنى.

هذا النمو السريع في عدد سكان العالم ترتب عليه مشكلات اجتماعية، واقتصادية، وصحية كثيرة ومتنوعة؛ بسبب عدم الموائمة بين حجم السكان من جهة، وموارد المجتمع الشحيحة من جهة أخرى. من هذه المشكلات: الهجرة، والبطالة، والفقر، والأمية، والجريمة، وعمالة الأطفال، والبغاء، وزراعة وتجارة المخدرات، والتلوث البيئي... إلخ. كما أدت الفجوة بين عدد السكان وموارد المجتمع إلى تفاوت طبقي صارخ بين شرائح المجتمع، حيث توجد فئة قليلة يملكون رؤوس الأموال الضخمة، ويتحكمون في موارد المجتمع المختلفة، وأغلبية ساحقة لا تملك من موارد المجتمع شيئًا، ويعيشون في ظروف الفقر، والجوع، والحرمان.

مع هذا التفاوت الطبقي الكبير، وغياب العدالة الاجتماعية بين السكان، يجب على الدولة، ومؤسساتها، ونظمها تهيئة أجواء تطبيق العدالة الاجتماعية؛ لمنع الملاك من الاستفراد بموارد المجتمع لصالحهم، وحرمان الأغلبية.

3)  الكرامة الإنسانية:

تعترف الرعاية الاجتماعية بكرامة وإنسانية الفرد، - كما بيَّنا من قبل -، بغض النظر عن مستواه المعيشي، ومركزه الاجتماعي، وتحصيله العلمي، وحالته الصحية، وبيئته الاجتماعية. فالاعتراف بكرامة وإنسانية الفرد يعتبر بداية الطريق الصحيحة؛ ليتعرف الفرد على ما له من حقوق، وما عليه من واجبات تجاه نفسه، وأسرته، ومجتمعه، وتعينه على الاندماج والتكيف الاجتماعي، وتضمن مشاركته الفعالة في عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

4)  الإيمان بالتغير:

التغير سنة كونية ثابتة من سنن الله تعالى في الكون، وحتمية اجتماعية لا مفر منها، فلا يخلو أي مجتمع بشري من تغير، إلا أن درجات، وشكل، ومستوى، ومجال التغير تختلف من مجتمع لآخر، ومن فئة اجتماعية لأخرى في المجتمع الواحد، ومن عصر لآخر.

قد يكون التغير لصالح المجتمع، وقد يكون في غير صالحه. وقد يكون نتيجة عوامل طبيعية كالبراكين، والزلازل، والفيضانات، والتصحر. أو نتيجة فعل إنساني مقصود ومخطط كتعمير أرض صحراوية قاحلة وتحويلها إلى أرض زراعية، أو بناء مدرسة أو مستشفى أو ملعب في أرض متروكة... إلخ.

قد يكون التغير تدريجيًا أو سريعًا. فالتغير التدريجي يستغرق ردحًا من الزمن حتى يحقق هدفه، وغالبًا يكون في جانب الثقافة غير المادية كالقيم، والأخلاق، والعرف، والعادات، والتقاليد. أما التغير السريع غالبًا يكون في جانب الثقافة المادي كالمباني، واللباس، ووسائل المواصلات، وعادات الطعام والشراب.

قد يكون التغير جزئيًا أو كليًا. فالتغير الجزئي يشمل جزءًا من أجزاء النظام الاجتماعي كتغير عادات الزواج في النظام الأسري، أو تغير المعاملات البنكية في النظام الاقتصادي. أما التغير الكلي يشمل النظام الاجتماعي برمته كالتحول من النظام الاقتصاد الاشتراكي إلى النظام الاقتصاد الرأسمالي، أو تحول النظام السياسي من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية.

على أية حال، كل عملية تغير يصاحبها مشكلات عديدة، قد تكون سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو فكرية، أو دينية... إلخ، مما يتطلب ضرورة التدخل المهني لعلاج تلك المشكلات.

5)  التعاون:

التعاون: "هو شكل من أشكال التعاضد الاجتماعي، تقوم به جماعة من أجل تحقيق هدفًا أو منفعة مشتركة".

التعاون قد يكون تلقائيًا أو منظمًا. فالتعاون تلقائي: رافق الإنسان منذ عهد بعيد، حيث يتعاون الناس فيما بينهم لمواجهة أخطار الطبيعة، والأزمات، والكوارث. أما التعاون المنظم: يكون من خلال مؤسسات اجتماعية رسمية أو أهلية، دولية أو إقليمية أو محلية وفق قواعد منظمة وأسس واضحة.

تحاول الرعاية الاجتماعية الاستفادة من هذين الشكلين للتعاون.

6)  الديمقراطية:

تؤمن الرعاية الاجتماعية بأن لكل فرد من أفراد المجتمع فرص متساوية مع الآخرين في الحقوق، والواجبات؛ سعيًا لتحقيق أهدافهم وإشباع حاجتهم.

7)  المشاركة:

تؤمن الرعاية الاجتماعية بأن تنمية المجتمع لا تلقى على عاتق جهة أو شريحة اجتماعية محددة دون غيرها، بل كل أفراد ونظم المجتمع مطالبون بالمساهمة في تنمية المجتمع، سواء كانت هذه المشاركة بالدعم المادي، أو المعنوي، أو الرأي.

مبادئ الرعاية الاجتماعية:

1.    مساعدة المحتاج الحقيقي:

يختلف مبدأ مساعدة المحتاج باختلاف المجتمعات؛ لاختلاف معايير تحديد المحتاج. هناك مجتمعات تعتبر الفقير أولى بالمساعدة من غيره، ومساعدته لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تشمل جوانب أخرى كالجانب: الصحي، والنفسي، والتعليمي، والترفيهي... إلخ. في المقابل توجد مجتمعات أخرى تعتبر هذه حقوق لكل أفراد المجتمع، ولا تقدم للفقراء فقط، وإنْ قدمت لهم لا تقدم من باب المَن عليهم.

2.    تشجيع الاعتماد على الذات:

لا تسعى الرعاية الاجتماعية إلى غرس قيم التواكل والتكاسل في نفوس الفقراء والمحتاجين، بل تحارب القيم السلبية وتعزز قيم الإنجاز والدافعية. ما المساعدات التي تقدم لهم إلا لتعينهم للاعتماد على أنفسهم، والسعي لإشباع حاجاتهم بأنفسهم، ولا ينتظروا المساعدات من الآخرين؛ لئلا يكونوا عالة وعبئًا على المجتمع.

3.    المسؤولية الأسرية والمجتمعية:

الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تنشئة الأفراد، فعلى الرغم من التغيرات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية التي انعكست على الأسرة إلا أنها لازالت تحتفظ بوظيفتي (الإنجاب، والتنشئة الاجتماعية)، ولازال يستنكر على الأسرة تخليها عن أبناءها إنْ لم تقدم لهم الرعاية اللازمة. لذلك من مبادئ الرعاية الاجتماعية تحقيق التماسك الأسري، وتوفير أجواء أسرية صحية تمكنها من إشباع حاجات أفرادها. فإنْ عجز الفرد عن تحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي، وعجزت الأسرة عن تقديم الخدمات المطلوبة للارتقاء بأفرادها، في هذه الحالة يعد التدخل المجتمعي ضرورة ليقف كلٌ عند مسؤولياته؛ لحماية الأفراد من المشكلات الاجتماعية.

نماذج الرعاية الاجتماعية:

أولًا| النموذج الثانوي:

ارتبط النموذج الثانوي بالنظريات الاقتصادية التي اعتبرت الازدهار الاقتصادي يسهم في تدني نسبة الفقر والحرمان في المجتمع.

يقوم النموذج الثانوي على فلسفة: حاجات الفرد تشبع من خلال الأسرة، والنظام الاقتصادي، فإذا اتضح أن أحد هذه الأنظمة لا يعمل بصورة صحية برزت الحاجة إلى وجود نظام ثالث، هو: الرعاية الاجتماعية.

لا يتعامل النموذج الثانوي مع كل الحالات الفقيرة، بل تقتصر خدماته على الحالات الطارئة، والفقر المزمن، ويسعى إلى ملئ فراغ مؤقت في وظائف النظم الاجتماعية القائمة.

ثانيًا| النموذج المؤسسي:

يركز النموذج المؤسسي على مشكلة الفقر ذاتها، وليس على أسباب الفقر. لذا، يهتم بتوفير الخدمات لمن لا يستطيع توفيرها بنفسه، باعتبار أن هذا يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، ويعتبر خدمات الرعاية الاجتماعية بحاجة إلى دعم مستمر، ويجب ألا تقتصر على الأفراد الذين يعانون من مشكلات فقط، بل تقدم لجميع المواطنين باعتبارهم منتفعين من هذا النظام.

علاقة الرعاية الاجتماعية بالخدمة الاجتماعية:

أثير جدل بين العلماء حول علاقة الخدمة الاجتماعية بالرعاية الاجتماعية، وقد أسفر عن هذا الجدل ثلاثة آراء، هي:

v    الرأي الأول: اعتبر الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية شيء واحد.

v  الرأي الثاني: اعتبر الرعاية الاجتماعية أشمل وأوسع من الخدمة الاجتماعية، فهي تحتوي على مجموعة مهن، منها مهنة الخدمة الاجتماعية.

v  الرأي الثالث: اعتبر الخدمة الاجتماعية أشمل من الرعاية الاجتماعية؛ لأن الخدمة الاجتماعية تشتمل على الرعاية الاجتماعية كجانب علاجي، والتنمية الاجتماعية كجانب تنموي.

أوجه الشبه بين الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية:

م

وجه الشبه

الرعاية الاجتماعية

الخدمة الاجتماعية

1

القيم الأخلاقية

استمدت من القيم الأخلاقية والروحية في الحضارات القديمة التي أكدت على ضرورة مساعدة الناس لبعضهم البعض، ثم تبلورت في الشرائع السماوية من خلال تأكيدها على قيم: (المحافظة على النفس، والعقل، والمال، والدين، والعرض) ودعت إلى البر والإحسان، ثم أكدت الحضارة الغربية على تلك القيم فأصبحت من حقوق الإنسان.

تؤكد على الاعتراف بكرامة وإنسانية الإنسان، وحقه في تقرير مصيره، وضرورة إشباع حاجاته الأساسية.

2

مسلمات التعامل مع مشكلات الإنسان

v    يعتبر الفرد هدف ووسيلة في عملية المساعدة.

v  مشكلات الفرد ناجمة عن تفاعل عدة عوامل مع بعضها البعض، وليس نتيجة عامل واحد فقط، وعجز الفرد عن حل مشكلاته يعود أيضًا لتفاعل عدة عوامل مع بعضها.

v  توجد إمكانية تقديم شيء للتخفيف من مشكلات الفرد أو حلها نهائيًا عبر التأثير في قدراته، واستثمار موارد المجتمع المتوفرة.

3

تقدم المساعدات بواسطة مؤسسات تستند على تشريعات مجتمعية

تقدم خدماتها بواسطة مؤسسات تستند على مجموعة قوانين، ونظم، ولوائح تنظم عملها كالمدارس، والمستشفيات... إلخ.

لها مؤسسات أكاديمية تهدف لإعداد أخصائيين اجتماعيين، ومؤسسات تمارَس من خلالها الخدمة الاجتماعية بواسطة أخصائيين اجتماعيين.

4

لا تسعى إلى تحقيق الربح المادي

تسعى لإشباع حاجات الفرد، وحل مشكلاته، مما يعني استثمار موارد المجتمع البشرية، وهي حق للفرد يحصل عليها مجانًا، أو بمقابل مادي رمزي.

تقدم كافة خدماتها بدون مقابل مادي.

5

الاهتمام بحاجات الفرد

تسعى لإشباع حاجات الفرد الأساسية باعتبارها حق إنساني سواء كانت جسمية، أو نفسية، أو اجتماعية، أو صحية، أو تعليمية... إلخ، وتنظر لها نظرة تكاملية.

تهتم بالتعرف على حاجات الفرد وفق معايير معينة، وتسعى لإشباعها، وتتخذ الإجراءات اللازمة وفقًا لذلك، مما يساعد الفرد على أداء دوره، وتحقيق استقراره.

أوجه الاختلاف بين الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية:

م

وجه الاختلاف

الرعاية الاجتماعية

الخدمة الاجتماعية

1

النشأة

نشأت نتيجة دوافع دينية، وسياسية، وإدارية، وتكنولوجية.

دعت إلى ضرورة مساعد الناس لبعضهم البعض، وإشباع حاجات من لم يستطع إشباع حاجاته لوحده.

مرت في عدة مراحل بدءًا بالحضارات القديمة، مرورًا بجمعيات تنظيم الإحسان والمحلات الاجتماعية، وصولًا إلى الواقع الحالي.

ساهم في نشأتها عدة عوامل، هي:

1)    الحروب.

2)    انتهاء عصر الإقطاع.

3)    الثورة الصناعية.

4)    الفكر الاشتراكي.

5)    الاكتشافات العلمية.

6)  فشل التشريعات الغربية في حل مشكلات الفقر.

7)  حاجة المؤسسات الاجتماعية إلى متخصصين يقدمون الخدمات إلى مستحقيها.

2

المفهوم

سنة 1968م نظمت الأمم المتحدة مؤتمرًا دوليًا لوزراء الشؤون الاجتماعية، أظهر اتجاهان في تعريف الرعاية الاجتماعية: الأول: حصر الرعاية الاجتماعية في الضمان الاجتماعي، والتأمينات الاجتماعية. الثاني: وسَّع دائرة الرعاية الاجتماعية لتشمل الصحة، والتعليم، والإسكان، والأمومة والطفولة، والدفاع الاجتماعي... إلخ.

تسعى الخدمة الاجتماعية لتحقيق ثلاثة أهداف، هي:

¬    وقائية.

¬    علاجية.

¬    تنموية.

3

مسؤولية تقديم الخدمة

في بداية ظهورها قدمت المساعدات بواسطة متطوعين بدافع فطري، ثم أقيمت مؤسسات اجتماعية استجابة لحاجات أفراد المجتمع، ثم أصبحت الرعاية الاجتماعية حقًا من حقوق الإنسان.

تقدم خدماتها بواسطة أخصائيين اجتماعيين أعدوا لذلك إعدادًا علميًا ومهنيًا. كما أنها تسهم في تحقيق رفاهية الإنسان التي تسعى لها الرعاية الاجتماعية.

دور الخدمة الاجتماعية في تحقيق الرعاية الاجتماعية:

1.  تسعى كل من الرعاية الاجتماعية والخدمة الاجتماعية إلى إشباع حاجات الأفراد، لأجل ذلك تستثمران موارد المجتمع المتوفرة. بمعنى آخر، كل واحدة منهما تعزز جهود الأخرى.

2.  توجد علاقة متبادلة بين الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية، فالأخيرة تحتاج إلى التدخل المهني من جانب أخصائيين اجتماعيين؛ لما يملكونه من خبرات ومهارات مهنية، ومعارف علمية يستعان بها في توفير الحقائق المتعلقة بالفئات المحتاجة إلى الرعاية الاجتماعية.

3.  تمارس الخدمة الاجتماعية أدوارها في عدة قطاعات من قطاعات الرعاية الاجتماعية كالأسرة، والأمومة والطفولة، والتعليم، والصحة، ورعاية الشباب... إلخ. فتعمل كمهنة أساسية في بعض قطاعات الرعاية الاجتماعية، ومهنة مساعدة في قطاعات أخرى.

4.  انتشار الخدمة الاجتماعية واتساع نطاق مجالاتها على مستوى العالم ساعد في إدخال تعديلات في مجالاتها وأنشطتها المهنية؛ لتواكب التغيرات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الرعاية الاجتماعية.

5.    من خلال عمل الخدمة الاجتماعية في مجال الرعاية الاجتماعية تتعرف على مشكلات المجتمع، والسعي لحلها.

6.  الأسلوب العلمي الذي تتبعه الخدمة الاجتماعية في تطبيق برامج الرعاية الاجتماعية نابع من اعتمادها على العلوم الإنسانية المختلفة، وهذا يجعل تطبيق برامج الرعاية الاجتماعية أكثر فاعلية للوصول إلى الأهداف المطلوبة. رغم أن الرعاية الاجتماعية تحتاج إلى جهود كبيرة من المؤسسات والمختصين في العلوم الأخرى، إلا أن الخدمة الاجتماعية تعتبر هي الأقرب إلى الرعاية الاجتماعية في تطبيق برامجها.



[1] رتب "ماسلو" حاجات الإنسان في خمس حاجات، هن:

1)      الحاجات الفسيولوجية (الجسمية) كالحاجة إلى الطعام، والشراب.

2)      الحاجة إلى الأمن والطمأنينة.

3)      الحاجة إلى الانتماء، أو المرجعية الاجتماعية.

4)      الحاجة إلى تقدير الآخرين واحترامهم.

5)      الحاجة إلى تحقيق الذات، وهي أعلى مراتب الحاجات.

[2] قانون الألواح الاثني عشر: أول قانون روماني مكتوب، كُتب على اثني عشر لوحًا مثبتة على منصة المتحدث في المحكمة، مثَّل الأسس التي تقوم عليها حقوق المواطن الروماني. يقدر معظم الباحثين صدور هذا القانون سنة (449-450 ق.م)، وقد اعتبره الرومان قانونهم المدني؛ لأنه كسر احتكار رجال الدين للقانون، وحقق مساواة عامة الناس بالأشراف.

[3] كفارة اليمين: واجبة تقوم على التخيير بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، أو صيام ثلاث أيام متتاليات.

[4] كفارة النذر: واجبة تقوم على التخيير بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، أو صيام ثلاث أيام متتاليات.

[5] كفارة الجماع في نهار رمضان: واجبة تقوم على هذا الترتيب تحرير رقبة مؤمنة، صيام شهرين متتابعين، إطعام ستين مسكينًا.

[6] كفارة الجماع قبل التحلل الأول: واجبة تقوم على هذا الترتيب: بدنة، صيام عشرة أيام في الحج وسبعة إذا رجع الحاج إلى أهله.

[7] كفارة الوطء في الحيض: مستحبة يتصدق بدينار أو نصف دينار.

[8] كفارة القتل: واجبة تقوم على هذا الترتيب: تحرير رقبة مؤمنة، صيام شهرين متتابعين. هي واجبة.

المرجع| بسام محمد أبو عليان، خدمة الفرد، ط2، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2022، ص11-32

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها: (الترحيب بال

علم الاجتماع الحضري| الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري

د. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى الاتجاهات النظالكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري: يمكن التمييز بين اتجاهين نظريين كلاسيكيين في علم الاجتماع الحضري درسا المدينة وظاهرة التحضر، هما: الاتجاه المحافظ، والاتجاه الراديكالي. أولًا| الاتجاه المحافظ: |      المبدأ الأساسي الذي يحكم المجتمع، هو: الثبات، والاستقرار، والنظام. |      من علماء الاتجاه المحافظ: ‌أ.         أوجست كونت: اهتم بقانون المراحل الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية)، وقارن بين الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية. ‌ب.    إميل دوركايم: اهتم بموضوعات، مثل: تقسيم العمل، والانتحار، والدين، والتضامن الآلي والتضامن العضوي. ‌ج.    ماكس فيبر: اهتم بأنماط السلطة الثلاث: (التقليدية، والكاريزمية، والقانونية)، ودرس موضوعات: البيروقراطية، والرأسمالية، والدين، والفعل الاجتماعي. وربط بين تطور المدينة والتغيرات التي طرأت الثقافة الغربية. ثانيًا| الاتجاه الراديكالي: |      ركز على الصراع الطبقي، وانتقال المجتمعات من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وقد جعلها ماركس في خمس مراحل، هي: (المشاعية، والإقطاعية، والرأسمالية، والاش

الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والطفولة| الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة

د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة تعريف الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة: "الممارسة المهنية التي تهتم بتزويد الأطفال بالخدمات الاجتماعية، والمساعدات التي تعمل على حمياتهم، وعلاج المشكلات الاجتماعية، والنفسية، من خلال عمل الأخصائيين الاجتماعيين في عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية". المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة: 1.     مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري: تعمل على علاج مشكلات الأسرة، وتهيئة الجو الأسري الذي يعين على تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية، ومعاونة قضاة محاكم الأحوال الشخصية في البحث عن أسباب المشكلة الأسرية، والقيام بدراسات تتعلق بمشكلات الأسرة. 2.     مكاتب فحص الراغبين في الزواج: تعمل على فحص الأمراض الشائعة في المجتمع، والأمراض العقلية والنفسية، والأمراض التناسلية. 3.     مشروع الأسر المنتجة: يوفر العمل للأسر القادرة عليه، مما يسهم في القضاء على بطالة الأسرة، ويزيد من دخلها، وتحويل أفراد الأسرة من مستهلكين إلى منتجين، والاستفادة من الخدمات البيئية وتحويلها إلى من