التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طرق الخدمة الاجتماعية| خدمة الفرد


طريقة خدمة الفرد
مراحل تطور خدمة الفرد:
مرت خدمة الفرد في عدة مراحل، حتى وصلت إلى شكلها الحالي.
1.   المرحلة المشاعية (العشوائية):
بدأت المرحلة العشوائية منذ فجر الإنسانية، واستمرت حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، تميزت بعدة خصائص، أبرزها: تقديم المساعدات بدافع فردي وتلقائي، وبشكل عشوائي وبسيط بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية، قدمت كهبة أو صدقة أو إحسان، إلا أنها قُدِّمَت بصور مهينة ومذلة، لم تحفظ كرامة الفرد. فلم يكن في هذه المرحلة مؤسسات حكومية تمارس الخدمة الاجتماعية، بل قدمت الخدمات من خلال: (بيوت المال، ودور العبادة، والجمعيات الدينية، وبيوت الإصلاح)، فلم يكن يوجد أخصائيين اجتماعيين يمارسون مهنة الخدمة الاجتماعية، إنما مورست من قبل متطوعين بواسطة: (الأثرياء، ورجال الدين، والسحرة، والمشعوذين، والمخاتير، وكبار القبائل).
2.   المرحلة التمهيدية (تنظيم الجهود):
بدأت المرحلة التمهيدية مع صدور قانون الفقر الإنجليزي سنة (1601م)، واستمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث لوحظ زيادة في الجهود الإنسانية التي قدمت المساعدات للفقراء والمحتاجين، وذلك يعود لسببين:
| الأول: تنظيم وتنسيق جهود الجمعيات الخيرية التي توزيع الصدقات، منعًا للتضارب والازدواجية في العمل، وحصول بعض الفقراء على أكثر من مساعدة من أكثر من جهة، مقابل حرمان البعض الآخر.
|  الثاني: حماية الأغنياء من إلحاح وتطفل الفقراء.
تمتعت المرحلة التمهيدية بعدة خصائص، أهمها: صدور تشريعات حكومية هدفت إلى تنظيم طريقة تقديم المساعدات لمستحقيها، والابتعاد عن العشوائية والارتجال في العمل.
مع التشريعات السماوية تغيرت النظرة إلى المساعدات الاجتماعية، فبعد أن كانت تقدم إلى الفقراء كنوع من المنة والهبة، أصبحت حقًا مكفولًا لهم (حق للفقراء في أموال الأغنياء). قال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19]. وقوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25]. كما شهدت هذه المرحلة تغييرًا في فلسفة العمل الاجتماعي، حيث تحولت إلى العمل مع الأفراد، بدلًا من العمل لصالح الأفراد، واستحدثت وظائف جديدة في المناطق الفقيرة والنائية، مثل: (الممرضة الزائرة، وسيدات الإحسان، والمدرس الزائر)، وعقد مؤتمرات لمناقشة أحوال الفقراء، وتطور أساليب تقديم المساعدات بإتباع معايير علمية، مثل: (البحث، والدراسة، والتشخيص)، وارتفاع الأصوات المنادية بضرورة تعلم الخدمة الاجتماعية.
3.   المرحلة المهنية (مرحلة النظريات):
بدأت المرحلة المهنية مطلع القرن العشرين ولازالت مستمرة إلى الآن، حيث شهدت الاعتراف بخدمة الفرد، ثم خدمة الجماعة، وتنظيم المجتمع، وتخريج الجيل الأول من الأخصائيين الاجتماعيين من جامعة كولومبيا.
من أبرز معالم هذه المرحلة: تدخل الدولة لتنظيم جهود الخدمات الاجتماعية من خلال سن التشريعات، والإشراف على تنفيذها، وأصبحت المساعدات الاجتماعية تقدم من خلال أخصائيين اجتماعيين مدربين ومؤهلين علميًا ومهنيًا، وعبر مؤسسات متخصصة في مجالات الخدمة الاجتماعية، وتطورت أساليب تحديد المحتاجين، حيث أصبح التركيز منصبًا على أسباب المشكلة بدلًا من مظاهر وأعراض المشكلة، وأصبح للخدمة الاجتماعية مفاهيم، ومبادئ، وقيم، ومناهج، ونظريات علمية، وشهدت هذه المرحلة تشكيل نقابات تدافع عن حقوق الأخصائيين الاجتماعيين.
تعريف خدمة الفرد:
"هي إحدى طرق الخدمة الاجتماعية تهتم بالأفراد الذين يعانون من سوء التكيف الاجتماعي بسبب مشكلات تعيق أداء أدوارهم الاجتماعية بشكل طبيعي، فتقدم لهم المساعدات لتعينهم على التكيف الاجتماعي واستعادة أداء أدوارهم بشكل اعتيادي".
خصائص خدمة الفرد:
1. خدمة الفرد إحدى طرق الخدمة الاجتماعية، تسعى إلى مساعدة الأفراد؛ لأداء أدوارهم الاجتماعية، والتكيف مع بيئاتهم الاجتماعية.
2. تهتم خدمة الفرد بالفئات الاجتماعية الأقل حظًا في المجتمع كالفقراء، والمعاقين، والمسنين، والأطفال، والمدمنين... إلخ.
3.   تعتبر خدمة الفرد مشكلات الفرد الاجتماعية ناجمة عن خلل في نظم المجتمع، وليس إلى الفرد ذاته.
4. تعتمد خدمة الفرد على قواعد ونظريات علمية، وتتعاون مع علوم أخرى مثل: (علم الاجتماع، وعلم النفس، والأنثروبولوجيا، والإحصاء).
5.   لا تمارس خدمة الفرد إلا من خلال أخصائي اجتماعي أعد لذلك إعدادًا علميًا ومهنيًا.
6. لخدمة الفرد أهداف (علاجية، ووقائية، وإنشائية)، ولا تتحقق هذه الأهداف ما لم يوجد تفاعل فعال بين الأخصائي الاجتماعي والعميل.
7.   تمارس خدمة الفرد في مؤسسات اجتماعية أقيمت خصيصًا لهذا الغرض.
8. يحكم العمل في خدمة الفرد مجموعة قيم ومبادئ مهنية، مثل: (التأكيد على فردية العميل، واحترام حق العميل في تقرير مصيره، والسرية).
9.   تسعى خدمة الفرد  لحماية المجتمع من آثار المشكلات الاجتماعية السلبية.
10.   تؤمن خدمة الفرد بحتمية العلاقة بين الجانبين النفسي والاجتماعي لعلاج المشكلات الفردية، بحيث لا ينفصل أحدهما عن الآخر.
11.         تؤمن خدمة الفرد بضرورة الاستفادة من كافة الإمكانيات المادية والبشرية الموجودة في المجتمع.
قيم خدمة الفرد:
1.   احترام كرامة وإنسانية الإنسان.
2.   للإنسان طاقة وإرادة، لكنه يحتاج إلى من يبصّره بهما، ويوجهه إليهما.
3.   الإيمان بخصوصية الإنسان في المواقف الاجتماعية.
4.   الإيمان بحق الإنسان في أن يحيا حياة خالية من الآلام.
5.   حق الإنسان في تقرير مصيره.
6. التسامح مع العملاء، وليس إدانتهم. (الأخصائي الاجتماعي ينتقد ويعترض على سلوك العميل السلبي، ولا ينتقد ولا يعترض على شخصه)
7.   الإيجابية والمشاركة، ورفض السلبية والخنوع. بمعنى آخر، تنشيط إرادة الفرد وقدراته، وترفض مبدأ البقاء للأقوى.
أركان خدمة الفرد:
1.   العميل:
"هو كل فرد يتقدم بطلب مساعدة إلى المؤسسة الاجتماعية، بعد أن عجز عن أداء دوره بشكل طبيعي".
لا يطلق لفظ "عميل" على الفرد إلا بعد اتفاقه مع الأخصائي الاجتماعي على أن تكون المؤسسة الاجتماعية هي المكان الذي يتلقى فيه الخدمة.
2.   المشكلة :
"هي موقف غير معهود لا يكفيه الخبرات السابقة لحله، مما يتطلب تدخل جهات أخرى للمساعدة في الحل؛ ليعود الفرد إلى وضعه الطبيعي قبل وقوع الموقف الطارئ".
قد تكون مشكلة الفرد نتيجة عوامل شخصية: (وراثية،  عقلية، جسمية، نفسية). أو عوامل خارجية: (البيئة الأسرية، الحالة الاقتصادية، العادات الاجتماعية). إلا أن أغلب مشكلة الفرد ناجمة عن تفاعل أكثر من عامل مما سبق، وليست بسبب عامل واحد فقط، للمشكلة جانبين: (موضوعي، وذاتي).
3.   الأخصائي الاجتماعي:
هو الشخص الممارس لمهنة الخدمة الاجتماعية، وقد أعد لها إعدادًا علميًا ومهنيًا، من خلال دراسته للخدمة الاجتماعية، إلى جانب التزود بثروة معرفية من العلوم الاجتماعية ذات علاقة بالخدمة، والخضوع للتدريب في المؤسسات الاجتماعية بهدف اكتساب المهارات المهنية اللازمة. كما يجب أن تتوفر في الأخصائي الاجتماعي صفات شخصية، مثل: التمتع بصحة لائقة، الاتزان الانفعالي، ضبط النفس، الأخلاق الحسنة، حسن المظهر.
4.   المؤسسة الاجتماعية:
"هي المكان الذي تقدم فيه المساعدة للأفراد الذين يعانون من مشكلات تعيق تكيفهم الاجتماعي سواء في حياتهم الشخصية، أو علاقاتهم الأسرية، أو مساعدة الأفراد الذين يعانون من مشكلات تنشأ عن علاقات اجتماعية غير سليمة".
5.   المساعدة:
سلسلة إجراءات تنفذ عبر علاقة مهنية هادفة بين الأخصائي الاجتماعي والعميل؛ للتأثير في العميل لتزيد من تحفيزه، والتخلص من مشكلته.
6.   العلاقة المهنية:
رابطة عاطفية تنمو بين الأخصائي الاجتماعي والعميل، مقيدة بوقت بداية ونهاية، تبدأ بدخول العميل إلى المؤسسة الاجتماعية، وتنتهي بحل مشكلته أو إقفال ملفه.
7.   المشاركون الآخرون:
أغلب الحالات التي يتم التعامل معها في خدمة الفرد يوجد عدد من المشاركين في العلاقة المهنية غير الأخصائي الاجتماعي والعميل، يختلفون بحسب الحالة، كوجود المدرس في حالة التلميذ، ووجود الابن في حالة المسن، ووجود أخصائي التأهيل في حالة المعاق، وربما يكون أكثر من شخص.
عمليات خدمة الفرد:
أولًا| الدراسة الاجتماعية:
1.   المقابلة:
لقاء وجاهي يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو الأفراد المشاركين تحقيقاً لهدف عملية المساعدة.
أنواع المقابلة:
‌أ.       المقابلة الفردية: تعقد يبن الأخصائي الاجتماعي، والعميل.
‌ب. المقابلة المشتركة: تعقد بين الأخصائي، والعميل، والمشاركين الآخرين.
‌ج.  المقابلة الجماعية: تعقد بين الأخصائي الاجتماعي، ومجموعة عملاء يعانون من نفس المشكلة.
هناك تقسيم آخر للمقابلة من حيث التوقيت: المقابلة الأولى، والمقابلة التتبعية، والمقابلة الختامية.
عوامل نجاح المقابلة:
‌أ.       تقليل الأخصائي الاجتماعي من مقاومة العميل قدر الإمكان.
‌ب. البدء من بؤرة اهتمام العميل.
‌ج.  منح العميل فرصة كافية للتعبير عن مشاعره.
‌د.     التجاوب العقلي والعاطفي مع العميل.
أساليب المقابلة:
|  الملاحظة؛ بهدف التعرف على مظهر العميل العام، من حيث الملابس، والنظافة، والانفعالات.
|  الإصغاء الفعال لما يقوله العميل.
|  السؤال؛ لتوضيح بعض الجوانب المتعلقة بالمشكلة.
|  التوجيه إذا حاد العميل عن جوهر المقابلة؛ لإرجاعه إلى صلب الموضوع.
2.   الزيارة المنزلية:
الزيارة المنزلية أحد صور المقابلات المهنية تتم في بيئة العميل، وتكون مع كبار السن الذين لا يستطيعون الحضور إلى المؤسسة الاجتماعية، أو الأحداث الذين يقيمون في المؤسسة الإصلاحية، أو الأطفال المودعين لدى أسر بديلة.
ثانيًا| التشخيص:
هو تحديد المشكلة، وتوضيح أسبابها، وبيان أكثر العوامل طواعية للعلاج.
خصائص التشخيص:
v  يجمع التشخيص بين التصنيف العام والخاص للمشكلة.
v التشخيص في الأصل فرضية (عبارة احتمالية)، وليس صياغة نهائية، بالتالي هو قابل للتغيير في حال ظهور حقائق جديدة.
v  يرتبط التشخيص بأهداف وفلسفة المؤسسة الاجتماعية.
v  التشخيص عملية مشتركة بين الأخصائي الاجتماعي والعميل.
ثالثًا| العلاج:
ينقسم العلاج إلى نوعين:
(1)          العلاج الذاتي:
هو إحداث تغير إيجابي مقصود في شخصية العميل، يشمل الجوانب الآتية:
v  المساعد النفسية: من خلال التعاطف، والمبادرة، والإفراغ الوجداني.
v  تعديل الاستجابة: من خلال النصيحة، والسلطة المهنية.
v  تعديل السمات: من خلال الاستدعاء، والتفسير.
v  التربية والتعليم: من خلال التنبيه، والتوضيح، والإقناع، والتدعيم، والتقييم.
(2)          العلاج البيئي:
هو التأثير في البيئة المحيطة بالعميل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
رابعًا| التسجيل:
تدوين المعلومات كتابة، أو صوتًا، أو بيانيًا؛ لحمايتها من النسيان أو الضياع.
أنواع التسجيل:
1.   التسجيل التلخيصي: تسجيل موجز ومنظم، يصيغ المقابلة بشكل كلي، ولا يتقيد بحرفية المقابلة، أو تسلسلها الزمني.
2. التسجيل القصصي: يصور الحوار اللفظي والنفسي بين الأخصائي الاجتماعي والعميل، فيكشف طبيعة التفاعل بينهما أثناء المقابلة، ويسجلها حسب التسلسل الزمني للأحداث.
3.  التسجيل الموضوعي: تسجيل مقيد برؤوس موضوعات محددة، وله ثلاثة أشكال، هي: (الاستمارة، والمقياس، والجدول الإحصائي).
مراحل المساعدة في خدمة الفرد:
1)   تحديد المشكلة:
أول خطوة يقوم بها الأخصائي الاجتماعي، هي التعرف على الحالة التي لا يرغبها العميل بوصفها مشكلة. قد يتم التعرف على المشكلة من العميل نفسه، أو المسؤولين عنه، وأحيانًا يكتشفها الأخصائي الاجتماعي.
2)   طلب المساعدة:
يتقدم العميل بطلب مساعدة إلى الأخصائي الاجتماعي. في بعض الحالات لا يطلب المساعدة صاحب المشكلة، بل الجهة المشرفة على الفرد.
عند مراجعة الطلب يجب التأكد من مدى ملائمة خدمات المؤسسة للعميل، ومدى أهليته للحصول على الخدمة، وتحديد الخدمة المراد تقديمها. فإذا اتضح أن العميل غير مؤهل للحصول على الخدمة يحول إلى مؤسسة أخرى تناسبه، أو يحول لنوع آخر من المساعدات.
3)   دراسة المشكلة:
إذا تم الإقرار بأن خدمات المؤسسة مناسبة للعميل، يقوم الأخصائي الاجتماعي، وبمشاركة العميل، بتحديد أسباب المشكلة، وأهداف المساعدة، ونقاط القوة والضعف عند العميل. علمًا أهداف المساعدة ليست جامدة، بل قابلة للتغير إذا توفرت معطيات جديدة، ويجب الابتعاد عن الأهداف الغامضة، وألا يسعى الأخصائي الاجتماعي لتحقيق أهدافه على حساب أهداف العميل.
بما أن مهنة الخدمة الاجتماعية لا تقيدها نظرية واحدة، فإنه يجوز للأخصائي الاجتماعي الجمع بين أكثر من نظرية عند التدخل المهني.
4)   التفاوض على عقد الخدمة:
المفاوضات على عقد الخدمة تبدأ من المقابلة الأولى، وتستمر حتى نهاية العلاقة المهنية. حيث يتم التفاوض على: (مكان ووقت المقابلات، ووقت بداية ونهاية العلاقة المهنية، وقيمة الرسوم ـ إن وجدت ـ، وواجبات الأخصائي الاجتماعي والعميل... إلخ). بعدها يعمل كلاهما على تجنيد الموارد اللازمة لتنفيذ الخطة العلاجية. هذه الموارد يفترض أن تكون متوفرة، وإن لم تكن كذلك يوفرها الأخصائي الاجتماعي.
5)   التقييم:
التقييم عملية مستمرة في كل مرحلة من مراحل الخطة العلاجية. من خلال التقييم يتعرف كل من العميل والأخصائي الاجتماعي على ما أنجز منذ اللقاء الأول، ويفيد في إجراء التعديلات اللازمة على الخطة العلاجية؛ لتنفيذها على الوجه الأكمل.
6)   النهاية:
قد يتفق الأخصائي الاجتماعي مع العميل على تحديد وقت بداية ونهاية العلاقة المهنية. في هذه الحالة يجب على الأخصائي الاجتماعي أن يُذَكِّر العميل بين الحين والآخر بقرب انتهاء المدة المحددة. أحيانًا تجدد العلاقة المهنية إذا اقتضت الحاجة لذلك. العلاقة المهنية مؤقتة، ليس لها صفة الاستمرارية.
المداخل النظرية في خدمة الفرد:
في البداية مورست الخدمة الاجتماعية بدافع ذاتي وإنساني، وأغلب ممارسيها من المتطوعين، ثم نظَّم المتطوعون عملهم ووضعوا ميثاق حول الأسس العامة للممارسة المهنية، بعدها جاءت إسهامات ماري ريتشموند في كتابها (التشخيص الاجتماعي)، وضعت فيه أسس خدمة الفرد، وركزت فيه عدة معايير مهنية، أبرزها:
¬  خدمة الفرد فن يعتمد على مهارات الأخصائي الاجتماعي.
¬  خدمة الفرد تهدف لاستثمار العوامل البيئية في حل مشكلات العملاء.
¬  حمَّلت المجتمع مسؤولية فقر الفرد، وليس الفرد هو المسؤول عن فقره.
¬  حددت خطوات عملية المساعدة، هي: (الدراسة، والتشخيص، والعلاج).
بعدها جاءت المرحلة الفرويدية، ـ نسبة إلى فرويد ـ، حيث بدأ الأخصائيون الاجتماعيون يقبلون بشغف كبير على دراسة نظرية التحليل النفسي؛ بهدف التعرف على العوامل الشخصية المسببة لمشكلة الفرد أكثر من اهتمامهم بالعوامل الاجتماعية، فوضعوا نموذجًا علاجيًا تحليليًا يقوم على: مساعدة العميل للحديث عن مشاعره اللاشعورية؛ لأنه بمجرد الحديث عنها فإنه يساعده على التخلص منها. وقد استعارت الخدمة الاجتماعية العديد من مبادئ نظرية التحليل النفسي:
¬  الاهتمام بدراسة شخصية العميل من خلال تتبع تاريخه التطوري.
¬ تعديل شخصية العميل مرتبط بتخليصها من الصراعات عن طريق تكوين علاقة مهنية قوامها الثقة والاحترام، والرغبة الصادقة في المساعدة.
¬  الاهتمام بدراسة الدوافع الكامنة وراء سلوك العميل.
ثم جاءت المرحلة الثالثة (الإمبريقية)، التي ساهمت بتقديم فائدتين لخدمة الفرد، هما:
¬  زادت دقة العاملين في خدمة الفرد من خلال تحديد المفاهيم المهنية.
¬  الانفتاح على النظريات الاجتماعية والنفسية التي قامت على أسس علمية تجريبية دقيقة.
أبرز المداخل النظرية الحديثة في خدمة الفرد:
أولًا| المدرسة الوظيفية:
ظهر الاتجاه الوظيفي في ثلاثينات القرن العشرين على يد (أوتورانك)، الذي تأثر بنظرية التحليل النفسي، لكن سرعان ما انتقدها في كتابه (صدمة الميلاد). إذ تميزت أفكاره بإعطاء أهمية كبيرة للوقت، وضرورة استثماره في الخطة العلاجية. والتأكيد على مرونة الخطة العلاجية، وضرورة بدء العلاج من مستوى الأنا، ورفض فكرة فرويد في مسألة اللاشعور، والدوافع الجنسية.
أبرز إسهامات المدرسة الوظيفية: التأكيد على العلاقة المتبادلة بين الفرد والبيئة الاجتماعية، وهي أول من دعت إلى التعامل مع العملاء الذين لم يتقدموا بطلبات مساعدة للمؤسسة الاجتماعية، وأول من استخدم مفهوم (السلطة المجتمعية).
ثانيًا| المدخل النفسي الاجتماعي:
ترجع البدايات الأولى للمدخل النفسي الاجتماعي إلى هاملتون.
رأى بعض الأخصائيين الاجتماعيين أن هذا المدخل مناسبًا لخدمة الفرد؛ لأنه يتعامل مع الشعور بدلًا من اللاشعور، واعتبر خدمة الفرد علم وفن، وركز على عمليات: (الدراسة، والتشخيص، والعلاج)، واعتبار الإنسان مخير وليس مسير، وأن تعديل الشعور يخفف من حدة اللاشعور، وأكد على مجموعة قيم مهنية، مثل: (تقبل العميل، واحترام حقوقه، وتشجيعه على اتخاذ قراراته بنفسه، والتحلي بالموضوعية)، والتأكيد على تبادلية العلاقة المهنية.
بيّن المدخل النفسي الاجتماعي أن دراسة الحالة جهد مشرك بين الأخصائي الاجتماعي والعميل، وقد يتطلب الأمر تدخل عناصر أخرى لها علاقة بالمشكلة. تستخدم أساليب مهنية، مثل: (الدراسة الميدانية، والمكاتبات، والاتصال الهاتفي).
ثالثًا| نظرية سيكولوجية الذات:
خرجت نظرية سيكولوجية الذات من رحم نظرية التحليل النفسي التي وضع أسسها سيجموند فرويد، ثم طورت ووسعت أفكاره ابنته آنا، ومجموعة العلماء، مثل: (هينز هارتمان، وديفيد روبيرت، وإريك إريكسون).
اتفقت سيكولوجية الذات مع التحليل النفسي في جوانب واختلفت في أخرى. مما اختلفتا فيه: ركزت نظرية سيكولوجية الذات على الشعور أكثر من اللاشعور. وتعتبر مشكلات الفرد ناجمة عن تفاعل العوامل الذاتية والبيئية، ولا تنظر إلى العميل باعتباره كائن ضعيف، إنما يملك طاقة وقدرة يمكن أن يواجه بها المواقف الاجتماعية، لكنه بحاجة إلى قليل من المساعدة والتوجيه؛ لتبصيره بها.
من مواضع الاتفاق بين النظريتين: أن الشخصية تتكون من ثلاث مكونات هي: (الهو، والأنا، والأنا الأعلى)، إلا أن سيكولوجية الذات تختلف في تصنيف الأنا، إذ تصنفه إلى ثلاث مستويات هي:
§       الأنا القوية: قادرة على أداء وظيفتها بكفاءة عالية، وتظهر قوتها عند مواجهة المواقف الصعبة.
§       الأنا المتوسطة: هي الأكثر شيوعًا، وتجمع بين القوة والضعف.
§   الأنا الضعيفة: تعاني من عجز واضح في أداء أدوارها الأساسية، لاسيما (الإدراك، والإحساس، والتفكير، والتنفيذ، واتخاذ القرار).
شددت نظرية سيكولوجية الذات على أن خدمة الفرد تقوم على ثلاث عمليات، هي: (الدراسة، والتشخيص، والعلاج)، وهي متداخلة وليست منفصلة.
رابعًا| نظرية الدور:
تحاول نظرية الدور فهم السلوك الإنساني، وتقدم إطارا معرفياً يساعد الأخصائي الاجتماعي في معرفة الموقف الاجتماعي الذي يعمل من خلاله، وتفيد في التعرف على حالات الفشل في أداء الأدوار الاجتماعية، وتقدم مفاهيم تساعد  الأخصائي الاجتماعي من إدراك السلوك في الموقف الاجتماعي.  

المرجع| بسام محمد أبو عليان، طرق الخدمة الاجتماعية، مكتبة الطالب الجامعي، 2015.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها: (الترحيب بال

الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والطفولة| الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة

د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة تعريف الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة: "الممارسة المهنية التي تهتم بتزويد الأطفال بالخدمات الاجتماعية، والمساعدات التي تعمل على حمياتهم، وعلاج المشكلات الاجتماعية، والنفسية، من خلال عمل الأخصائيين الاجتماعيين في عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية". المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة: 1.     مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري: تعمل على علاج مشكلات الأسرة، وتهيئة الجو الأسري الذي يعين على تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية، ومعاونة قضاة محاكم الأحوال الشخصية في البحث عن أسباب المشكلة الأسرية، والقيام بدراسات تتعلق بمشكلات الأسرة. 2.     مكاتب فحص الراغبين في الزواج: تعمل على فحص الأمراض الشائعة في المجتمع، والأمراض العقلية والنفسية، والأمراض التناسلية. 3.     مشروع الأسر المنتجة: يوفر العمل للأسر القادرة عليه، مما يسهم في القضاء على بطالة الأسرة، ويزيد من دخلها، وتحويل أفراد الأسرة من مستهلكين إلى منتجين، والاستفادة من الخدمات البيئية وتحويلها إلى من

انثروبولوجيا| علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى

علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى على الرغم من الاعتراف بالأنثروبولوجيا كعلم مستقلّ بذاته، يدرس الإنسان من حيث نشأته وتطوّره وثقافته، فما زال علماء الإنسان يختلفون حول تصنيف هذا العلم بين العلوم المختلفة، فيرى بعضهم أنّه من العلوم الاجتماعية، كعلم النفس والاجتماع، ويرى بعضهم أنّه من العلوم التطبيقية كالطب، ويرى بعضهم أنّه من العلوم الإنسانية كالفلسفة. أولاً| علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأحياء (البيولوجيا):   يتناول علم الأحياء دراسة الكائنات الحيّة. فهو يعرّف: "العلم الذي يدرس الإنسان كفرد قائم بذاته، من حيث بنية أعضائه وتطوّرها". يرتبط علم الأحياء بالعلوم الطبيعية، لا سيّما علم وظائف الأعضاء والتشريح. وتدخل في ذلك، نظرية التطوّر التي   تقول بأن أجسام الكائنات الحيّة ووظائف أعضائها، تتغيّر باستمرار ما دامت هذه الكائنات تتكاثر، قد تكون أرقى من الأجيال السابقة، كما عند الإنسان. كما تستند هذه النظرية إلى أنّ الإنسان بدأ كائناً حيّاً بخلية واحدة، تكاثرت   إلى أن انتهى إلى ما هو عليه الآن من التطوّر العقلي والنفسي والاجتماعي. وهذا ما دلّت عليه بقايا عظام الكائنات ا