د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى |
زاد اهتمام العلماء
بدراسة التغير الاجتماعي في بداية القرن العشرين، بعد أن كانت الدراسات السابقة
تركز على البعد التاريخي، والفلسفي لعملية التغير الاجتماعي، وكانت النظريات تصاغ
في ضوء مفاهيم: التطور، والتقدم كما كان عند ابن خلدون، وأوجست كونت، وهربرت
سبنسر، وغيرهم.
اتضحت أهمية الدراسات
النظرية للتغير الاجتماعي بعد أن تغيرت نظرة علماء الانثروبولوجيا للمجتمعات
القديمة، وأثبتوا أنها مرت بتجربة التغير الاجتماعي، ولم تكن مجتمعات إستاتيكية
ثابتة، كما كان شائعًا من قبل، لكن تختلف هذه المجتمعات في سرعة التغير، وعمقه،
ومستواه، وأسبابه، وآثاره.
أخذت دراسات التغير
الاجتماعي حيزًا كبيرًا في الدراسات الاجتماعية، حيث اعتبر "أوجست كونت"
موضوع علم الاجتماع، هو: البناء والتغير الاجتماعي، وأن دراسة التغير الاجتماعي تهتم
بدراسة الحركات الاجتماعية، وسير المجتمعات، وانتقالها من حال إلى حال.
الذي زاد من التوسع في
دراسات التغير الاجتماعي: الاختراعات، والاكتشافات، والنهضة العلمية، والقوانين،
والنظريات، التي ساهمت في الكشف عن مزيد من القوانين التي تحكم الظواهر
الاجتماعية.
تؤكد الدراسات
الاجتماعية اليوم أن المجتمعات في حالة تغير مستمر، فكل جيل ينقل الثقافة للجيل
الذي يليه، إما بالزيادة أو النقصان لأسباب تتعلق بالتفاعل والتغير الاجتماعي،
الأمر الذي يتطلب دراسة التغير الاجتماعي من خلال مداخل مختلفة كالمدخل التاريخي،
والبنائي، والوظيفي، وغيرها.
صعوبة دراسة التغير الاجتماعي:
تكمن صعوبة دراسة
التغير الاجتماعي في أن المجتمعات الإنسانية لا تسير على وتيرة واحدة في تغيرها،
ولا بطريقة متشابهة، ولا في فترة زمنية موحدة، فلكل مجتمع ظروفه الخاصة التاريخية،
والجغرافية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية التي
تميزه عن غيره من المجتمعات، فالتغير في المجتمعات الصناعية يختلف عن التغير في
المجتمعات النامية، حيث أن التغير في الأولى أسرع من الثانية.
أسباب صعوبة دراسة التغير الاجتماعي:
1.
تعقد
الظاهرة الاجتماعية: الظاهرة الاجتماعية معقدة؛ لأنها تؤثر وتتأثر بالظواهر الأخرى
الاجتماعية، والطبيعية. مثلًا: دراسة الصراع تستدعي دراسة ظواهر أخرى اجتماعية،
وسياسية، واقتصادية، ودينية. وبما أن الظواهر الاجتماعية متصلة ببعضها فمن الصعب
فصلها عن بعض.
2.
صعوبة
إخضاع الظاهرة الاجتماعية للقياس الدقيق: لأنها تتعلق بسلوك، ومشاعر، وميول، ودوافع
الناس، والاستجابات للمؤثرات الخارجية.
3.
صعوبة
إجراء التجربة مرة أخرى؛ لأن التغير صفة أساسية من صفات الظاهرة الاجتماعية.
4.
صعوبة
حصر كل الفرضيات التي تفسر الظاهرة الاجتماعية، وصعوبة الفصل بينها.
5.
موقع
الباحث من الظاهرة الاجتماعية المدروسة، فالنظرة لها تختلف من باحث لآخر.
6.
أيديولوجية
الباحث تجعله يتخذ موقفًا مسبقًا من الظاهرة المدروسة؛ لتتماشى مع رؤيته، وأفكاره.
التغير في المجتمعين الريفي والحضري:
يختلف التغير
الاجتماعي باختلاف المجتمعات مكانًا وزمانًا، ويعود ذلك لاختلاف ثقافات المجتمعات،
فالتغير في المجتمع الريفي يختلف عن التغير في المجتمع الحضري، والتغير في المجتمع
الرأسمالي يختلف عن التغير في المجتمع الاشتراكي. كما أن التغير يختلف في المجتمع
الواحد، فهو يختلف من فترة زمنية لأخرى، ومن طبقة اجتماعية لأخرى، فهو لا يسير على
وتيرة واحدة؛ لأن المجتمع يضم بيئات وفئات اجتماعية مختلفة (بدوية، وريفية،
وحضرية).
مظاهر اختلاف التغير الاجتماعي بين الريف والحضر:
1. العزلة الأسرية في المجتمع الريفي: تقوم
الأسرة الريفية بإشباع حاجات أفرادها الاجتماعية، والاقتصادية؛ لانتشار العمل
الجماعي بينهم في مجال الزراعة، ويضبط سلوكهم العادات والتقاليد. أما الأسرة
الحضرية حياتها أكثر تعقيدًا في علاقاتها الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية...
إلخ، بالتالي هي أكثر استجابة للتغيرات الاجتماعية من الأسرة الريفية. وقد انعكس هذا
على نمط الأسرة، حيث ينتشر في الريف نمط الأسرة الممتدة، بينما ينتشر في الحضر نمط
الأسرة النواة.
2. يتسم تقسيم العمل في الريف بالبدائي:
العمل الرئيسي في الريف هو الزراعة، ويقسم على أساس السن والجنس؛ لأن العمل الزراعي
لا يحتاج إلى تخصص دقيق. أما في الحضر ينتشر تقسيم العمل، والتخصص.
3. عدم تنوع وسائل التكنولوجيا في الريف:
يكتفي الريفيون بالوسائل البدائية والبسيطة، كاستعمال المحراث الخشبي، ولا يقبلون
على الكماليات، إلا إذا تأثروا بالمدينة. أما المجتمع الحضري يتمتع بتنوع
التكنولوجيا، وتعدد استعمالاتها، التي تؤدي لتغيرات اجتماعية وثقافية في كافة
المجالات.
4. الثبات النسبي للبناء الاجتماعي الريفي:
مما يعني صعوبة الحراك الاجتماعي، وجمود القيم، والعادات، والتقاليد، الأمر الذي
يعيق ويعرقل عملية التغير الاجتماعي. في حين يتسم المجتمع الحضري بالديناميكية،
والتغير السريع، والتكيف السريع مع التغيرات الاجتماعية.
التغير الاجتماعي قديمًا وحديثًا:
يختلف التغير
الاجتماعي القديم عن الجديد في الجوانب الآتية:
1. التغير الاجتماعي اليوم أسرع وأعمق من
التغير الاجتماعي قديمًا؛ بسبب الثورة التكنولوجية، وتطور وسائل الاتصال، فظهور عادة
جديدة في مجتمع ما سرعان ما تنتشر في المجتمعات الأخرى.
2. الترابط بين التغيرات الحالية زمانًا
ومكانًا، حيث تقع في سلسلة متتابعة، ويتردد صداها في مجتمعات عدة، بعكس التغير
قديمًا الذي كان يحدث في صورة منفصلة.
3. أصبح التغير اليوم متوقعًا في كل ظاهرة
ونظام اجتماعي، بخلاف التغير قديمًا، حيث كان يعتبر صعبًا، وغير مستحب، أما اليوم فهو
سريع، ويتكيف معه الأفراد بسرعة.
4. التغير الاجتماعي اليوم مخطط، وواع، وهادف، ومقصود تخلقه المجتمعات وفق إرادتها بموجب خطط التنمية، أما التغير في المجتمعات القديمة كان عشوائيًا وانتقائيًا.
المرجع| بسام محمد أبو عليان، التغير الاجتماعي، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2021.
تعليقات
إرسال تعليق