![]() |
د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى |
تعريف التغير الاجتماعي:
التغير ظاهرة كونية
حتمية، وسنة من سنن الله تعالى في الكون، فالتغير يطال جميع ظواهر الكون بلا استثناء،
بما فيها الظواهر الاجتماعية. وبما أن النظم الاجتماعية متداخلة ببعضها البعض، وتؤثر
وتتأثر بعضها، فإن أي تغير في أي نظام اجتماعي يؤثر في بقية النظم الاجتماعية
الأخرى، بالتالي ينعكس هذا التغير على حياة أفراد المجتمع، لكن بدرجات متفاوتة.
لذا، من الضروري تكيف أفراد المجتمع مع التغير الاجتماعي؛ لأنه إذا وقف الأفراد ضده
أو حاربوه سيتعرضون إلى ضغوطات كبيرة، ويُغلَبون في النهاية، لذلك يجب أن يكونوا أدوات
مرنة ويستجيبوا للتغير؛ لمواكبة مسيرة التحضر والتطور في المجتمع.
من دلالات التغير
الاجتماعي أنه يشير إلى تغير في أنماط العلاقات الاجتماعية في تنظيم اجتماعي معين،
ويفرض في فترة زمنية معينة، قد تكون قصيرة وبشكل سريع، وقد يحصل في فترة زمنية
طويلة، ويستغرق ردحًا طويلًا من الزمي، أي تكون تغيرًا بطيئًا.
عرف العديد من العلماء
التغير الاجتماعي، من هذه التعريفات:
v دلال ملحس: "تحول يحدث في النظم،
والأنساق، والأجهزة الاجتماعية، سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة خلال فترة
زمنية محددة".
v جيرث وميلز: "التحول الذي يطرأ على
الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد، وكل ما يطرأ على النظم الاجتماعية،
وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي في مدة زمنية معينة".
v جنزبرج: "كل تغير يطرأ على البناء
الاجتماعي في الكل والجزء وفي شكل النظام الاجتماعي".
v جي روشي: "كل تحول في البناء
الاجتماعي يلاحظ في الزمن، ولا يكون مؤقتًا سريع الزوال لدى فئات واسعة من المجتمع
ويغير مسار حياتها".
v
"كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف، والأدوار،
والقيم خلال فترة زمنية محددة، وقد يكون هذا التغير إيجابيًا فهو تقدم، وقد يكون
سلبيًا فهو تخلف".
القواسم
المشتركة بين التعريفات السابقة:
1. التغير يصيب البناء الاجتماعي: قد يكون كليًا
أو جزئيًا.. سريعًا أو بطيئًا.. مخططًا أو عشوائيًا.
2. التغير الذي يصيب أحد النظم الاجتماعية
يؤثر على بقية النظم الاجتماعية الأخرى.
3. التغير قد يصيب النظام الاجتماعي في
تركيبه أو وظائفه.
4. كل تغير في النظام الاجتماعي يلحقه
يتغير في الأدوار الاجتماعية.
5. اختلاف وتنوع أسباب التغير، قد يكون
التغير لأسباب جغرافية، أو سياسية، أو سكانية، أو اقتصادية، أو صحية، أو اجتماعية،
أو تعليمية، أو أيديولوجية، أو تكنولوجية... إلخ.
ماهية التغير الاجتماعي:
يقصد بالتغير:
"الاختلاف بين الحالة الجديدة، والحالة القديمة". أو "اختلاف الشيء
عما كان عليه خلال فترة زمنية محددة".
حين تضاف كلمة اجتماعي
للكلمة تغير، حينها يصبح التغير متعلقًا بالمجتمع، ويشمل التغيرات التي تطرأ على
البناء الاجتماعي خلال فترة زمنية محددة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ لأن علماء
الاجتماع يميزون بين كل تغير وآخر، فلا يمكن أن نسمي كل التغيرات التي تطرأ على
المجتمع أنها تغيرات اجتماعية، حيث توجد تغيرات عديدة في المجتمع كالتغير الثقافي
المادي، وغير المادي، والفكري، وتغير في أنماط العلاقات الاجتماعية، وتغير في
المراكز والأدوار الاجتماعية، وتغير في النظم الاجتماعية.
بين لابير أن التغير
الاجتماعي يختلف عن الحادثة، فالانتخابات، والتجمعات، والحريق... إلخ كلها تعتبر
حوادث، وليست تغيرًا، بل جزء من التغير الاجتماعي، أو يمكن أن تصاحب التغير
الاجتماعي، أو تكون سببًا في التغير الاجتماعي، وليس بالضرورة تؤدي الحوادث إلى
تغير اجتماعي. وقد حدد أربع صفات للتغير الاجتماعي، هي:
§
التغير
الاجتماعي ظاهرة عامة، تطال عددًا كبيرًا من أفراد المجتمع، وتؤثر على أسلوب
حياتهم، ونمط تفكيرهم.
§
التغير
الاجتماعي يصيب البناء الاجتماعي في كل نظمه أو بعضها.
§
قد
يكون التغير الاجتماعي محددًا بالزمن، أي يكون له وقت بداية ونهاية؛ للمقارنة بين
الماضي والحاضر، والوقوف على مدى التغير الحاصل.
§
يتصف
التغير الاجتماعي بالاستمرارية والديمومة، أما التغير الذي ينتهي بسرعة فلا يمكن
فهمه وتقييمه.
أشكال التغير الاجتماعي:
يأتي التغير الاجتماعي على عدة أشكال، هي:
v
التغير
في القيم الاجتماعية: كالانتقال من الريف إلى الحضر وما يربط كل مجتمع من قيم، أو
الانتقال من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الصناعي.
v التغير في النظام الاجتماعي: كالانتقال
من نظام تعدد الزوجات إلى وحدانية الزوج والزوجة.
v
التغير
في المراكز الاجتماعية: كالذي يحدث نتيجة الموت، أو السجن، أو التقدم في العمر.
أنواع التغير:
1.
تغير
غير مقصود: هو التغير الطبيعي الذي يحدث تلقائيًا.
2.
تغير
مقصود: يحاول الإنسان إيجاده في ظروف معينة، ويطلق عليه التغير الاجتماعي؛ لأنه
يتم من خلال التخطيط، وبشكل مقصود؛ لتغيير الوضع القائم.
ميز ليبت بين نوعين من
التغير الاجتماعي، هما:
أ. التغير الاجتماعي التطوري: يحدث دون
تدخل، وتوجيه صريح.
ب. التغير الاجتماعي الذي يحدث عندما يغير
الأفراد، والجماعات، والمؤسسات، والمجتمعات أنفسهم أو غيرهم من خلال فعل واعٍ
ومقصود، واتخاذ قرارات لتحويل الوضع القائم.
إذا كان التغير
الاجتماعي المقصود يحدث نتيجة تخطيط واعٍ، فإن التغير الاجتماعي غير المخطط يحدث
نتيجة تفاعل بين الأنساق الاجتماعية، وإن كان يحدث بدون هدف محدد ومنسق من قبل
المشتغلين بالتغير الاجتماعي، ويمثله التغير الثقافي الذي يحدث بشكل غير مخطط من
خلال الاتصال الثقافي، ويترتب عليه تبادل الأفكار، والعادات، وأنماط السلوك،
وانتقال التكنولوجيا.
ميادين التغير الاجتماعي:
حدد ليبت أربعة ميادين
للتغير الاجتماعي، هي:
1.
ميدان
التغير المعرفي: تعميم خبرة التغير، الفهم الواعي للتغير، والتخطيط للتغير.
2.
ميدان
التغير المهاري: دمج طرق جديدة للأداء من خلال التدريب على السلوك المراد تغييره.
3.
ميدان
تغير الاتجاهات: تبني مشاعر جديدة من خلال الممارسة الناجحة.
4.
ميدان
تغير القيم: إعادة تنظيم المعتقدات القديمة، أو تبني معتقدات جديدة.
عوامل نجاح التغير الاجتماعي:
عند بذل أي جهد للتغير
الاجتماعي المخطط والمقصود يجب أن تؤخذ عوامل نجاح هذا التغير في الاعتبار، وهي:
1. الدعم والتأييد الذي يتلقاه جهد التغير:
لابد أولًا من إحساس الأفراد والجماعات بالحاجة إلى التغير؛ لأنهم إن أحسوا به سيناضلون
من أجل ضمان حدوثه.
2. الوقت: يعتبر الوقت عاملًا مهمًا في أي
جهد يبذل لإحداث التغير المخطط، فالتغير الاجتماعي لا يحدث بسرعة، بل يحتاج إلى
مدة من الوقت؛ حتى يتم قبوله في المجتمع، والتعاطي معه.
3. المشاركة: التغير لن يحدث، ولن ينجح ما
لم تكن هناك مشاركة فعالة من الأفراد، والجماعات؛ لضمان استمرارية التغير، ونجاحه،
وعدم معارضته وعرقلته.
4. التنسيق والتكامل: ضرورة التنسيق بين
برامج التغير والجوانب الأخرى للنظام الاجتماعي، فجهود التغير الاجتماعي ليس بمعزل
عن بقية النظم الاجتماعية، لابد أن يكون هناك انسجام وتوافق بين برنامج التغير
المخطط وبقية النظم الاجتماعية الأخرى.
5. التوازن بين العقلانية والعاطفية: التغير
الاجتماعي يشمل المزج بين الجانب العقلاني، والجانب العاطفي؛ للوصول إلى هدف
التغير. فالعقلانية تتناول الأمور المهمة، مثل: هدف التغير، ومراحل التغير، وصور
التغير. الجانب العاطفي يشمل: المشاعر، والعواطف، والاتجاهات. فهذه العواطف قد
تدعم التغير، أو تعرقله، وقد تدفعه للسير في الاتجاه السليم أو تحرفه.
المراجع:
1.
دلال
ملحس استيتية، التغير الاجتماعي والثقافي، ط2، عمان، دار وائل للنشر، 2008.
2.
سيف
الإسلام علي مطر، التغير الاجتماعي – دراسة تحليلية من منظور التربية الإسلامية، ط2،
المنصورة، دار الوفاء للطباعة والنشر، 1988.
3.
قسم
علم الاجتماع، البناء والتغير الاجتماعي، جامعة الأقصى، خانيونس، العام الدراسي
2006-2007.
4.
محمد
الدقس، التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق، ط2، عمان، مكتبة مجدلاوي، 1996.
تعليقات
إرسال تعليق