التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علم اجتماع السكان| النظريات السكانية، وعوامل النمو السكاني، والمعلومات السكانية

بسام أبو عليان
محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى
نظرية التحول الديموغرافي:

جاءت نظرية التحول الديموغرافي مفسرة للاتجاهات السكانية التي كانت سائدة في أوربا. تعد من أكثر النظريات شيوعاً في الدراسات السكانية؛ لأنها تعطي إطاراً نظرياً يساعد على فهم اتجاهات السكان والتغيرات السكانية.

يحدث التحول الديموغرافي كعملية ملازمة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المجتمعات. إذ تتحول من ارتفاع المواليد والوفيات لانخفاضهما. تشير النظرية أن التحولات الديموغرافية منذ تاريخ البشرية حتى انطلاق الثورة الصناعية مرت في أربع مراحل، هي:

v    المرحلة الأولى: شهدت ارتفاع معدلات المواليد والوفيات معاً.

v    المرحلة الثانية: تميزت بانخفاض معدلات الوفيات.

v    المرحلة الثالثة: بدأت بعد الحرب العالمية الأولى. تميزت بانخفاض معدلات المواليد والوفيات.

v  المرحلة الرابعة: بدأت منذ سبعينات القرن العشرين. استمر فيها انخفاض معدلات الزيادة الطبيعية في الدول الأوربية والصناعية.

تطبيق نظرية التحول الديموغرافي على الدول العربية:

عند تطبيق نظرية التحول الديموغرافي على الدول العربية، تبرز ثلاث ملاحظات رئيسية:

1)  أنماط التحول الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي خلال النصف الثاني من القرن (20) شملت كل الدول العربية، لكنها تختلف عن الدول الغربية. من الاختلافات الكبيرة بين المجتمعين العربي والغربي: دور المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية، والتصنيع، ومصادر الدخل، ومتوسط دخل الفرد. كل هذه الجوانب أثرت في السلوك السكاني بشكل عام، وأنماط الخصوبة بشكل خاص.

2)  في الدول الغربية شمل التطور الاجتماعي والاقتصادي كافة جوانب المجتمع، فساهم في خفض الوفيات والمواليد. أما في الدول النامية كان العكس، حيث جاء انخفاض الوفيات نتيجة تأثره بعوامل خارجية، في مقدمتها استيراد التسهيلات الصحية الحديثة. أضف لذلك التغيرات في البنائين الاجتماعي والاقتصادي التي انعكست على تطور قوى الإنتاج، وانتشار التعليم، وارتفاع المستوى الثقافي، والوعي الاجتماعي.

الجدير بالذكر، توجد علاقة عكسية بين تعليم الإناث ومستوى الخصوبة. كلما ارتفعت نسبة تعليم الإناث كلما انخفضت معدلات الخصوبة؛ لأن استمرار الفتاة في التعليم يؤخر سن الزواج، مما يعني تأخير الإنجاب.

من العوامل التي ساهمت في التحول الديموغرافي العربي: ارتفاع مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي. وتسارع التمدن، وزيادة سكان الحضر.

3)  لم تأخذ النظرية في الاعتبار ثلاثة عوامل لها تأثير كبير في الخصوبة: (الهجرة، والسياسة السكانية، والعاملان الثقافي والديني).

نظرية انخفاض الوفيات:

اهتمت النظرية بظاهرة الخصوبة معتمدة على انخفاض معدلات الوفيات، التي ترتب عليها رغبة الأزواج في إنجاب طفل واحد والإبقاء عليه حتى سن الشيخوخة.

نظرية الوضع الاجتماعي:

أهم الأفكار التي قامت عليها النظرية:

v    كلما تقدم عمر الفرد قلت قدرته على الإنجاب.

v  ترتفع الخصوبة في المجتمعات التي يسودها الانغلاق الطبقي، ولا تسمح بالحراك الاجتماعي. هي تفضل كثرة الإنجاب رغبة في البقاء والاستمرار حفاظاً على أنفسهم من الانقراض أو الاختفاء من المجتمع.

v    زيادة عدد السكان يتناسب عكسياً مع رغبة الفرد في الارتقاء الذاتي.

نظرية التكلفة في الخصوبة:

أهم أفكار النظرية:

§   الناس يتصرفون بحكمة وعقلانية نحو مسألة الإنجاب، ويعدون حساباتهم الأولية بخصوص عدد الأولاد، والتكلفة الناجمة عن الإنجاب.

§        المنافع المستمدة من ولادة طفل جديد:

‌أ.   منفعة نفسية: كون الطفل مصدر سعادة للأسرة، لاسيما الطفل الأول، أو الذي جاء بعد طول انتظار، أو جاء بعد عدد من الجنس الآخر.

‌ب.  منفعة مادية: يعد الطفل في المستقبل عامل إنتاج في الأسرة.

‌ج.    منفعة متوقعة: يتوقع من الابن في المستقبل أن يساعد والديه ورعايتهم في شيخوختهم.

§        التكلفة الإضافية الناجمة عن ولادة طفل جديد:

‌أ.   تكلفة مباشرة: وجود طفل جديد يعني مزيداً من نفقات الأسرة، حتى يشتد عوده ويكبر ويعتمد على نفسه، ويقدر على إعالة نفسه.

‌ب. تكلفة غير مباشرة: تضييع فرص عمل على المرأة خارج المنزل بسبب انشغالها في تربية ورعاية الطفل الجديد.  

عوامل نمو الدراسات السكانية

1.       زيادة عدد سكان العالم:

بينت تقديرات الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم تخطى حاجز الـ(7) مليار نسمة. إلا أنه لم يحدد التاريخ الدقيق الذي تجاوز فيه هذا الحد. تأتي قارة آسيا في مقدمة القارات من حيث الكثافة السكانية، بعدها أفريقيا، ثم أوربا، ثم أمريكا الشمالية، ثم أمريكا اللاتينية.

بدأ العالم يشهد نمواً سريعاً ومتزايداً مع نهاية "الطاعون الأسود"، الذي عرف بأسماء أخرى مثل: (الموت الأسود، والموت العظيم). الذي اجتاح أوربا في القرن (14)، حيث تسبب في موت ثلث سكان أوربا. في هذه الفترة أيضاً انتشرت الأمراض والأوبئة في آسيا والشرق الأدنى.

إن النمو السريع والتزايد الكبير في عدد سكان العالم ترتب عليه مشكلات اجتماعية، واقتصادية، وصحية جمة. من هذه المشكلات: الهجرة، والبطالة، والفقر، والأمية، والانحراف والجريمة... إلخ. كل تلك المشكلات ساهمت في تطور الدراسات السكانية.

2.       التطور الصناعي:

انطلقت الثورة الصناعية في انجلترا مع اكتشاف الآلة البخارية في القرنين (18 و19)، ثم انتقلت لأوربا الغربية ومنها لجميع العالم. في منتصف القرن (18) انطلقت "الثورة الزراعية" التي أدت لتحسين المستوى المعيشي لسكان الريف، حيث زاد اعتمادهم على الآلات الزراعية المتطورة التي وفرت عليهم الجهد والوقت، مما يعني ضعف اعتمادهم على الإنسان. في نهاية القرن (19) ومطلع القرن (20)، شهدت الدول الغربية تكدس رأس المال في أيدي قلة قليلة من أفراد المجتمع، ممثلة في (الطبقة الرأسمالية)، واستغلالهم لفئة كبيرة ممثلة في (طبقة العمال)، فأوجد فجوة عميقة بين الطبقتين يصعب ردمها. مما ساهم في ظهور الأيديولوجيا الاشتراكية التي ناهضت الرأسمالية، وطالبت بالدفاع عن حقوق البروليتاريا.

مراحل الثورة الصناعية العالمية:

v    المرحلة الأولى: كانت مع اكتشاف الآلة البخارية.

v    المرحلة الثانية: كانت مع اكتشاف الطاقة الكهربائية.

v    المرحلة الثالثة: كانت مع اختراع الحاسوب، ثم الإنترنت.

v    المرحلة الرابعة: لازلنا نعيش في كنفها، حصل فيها تطور في كافة العلوم.

هذا التطور الهائل في مجالي الصناعة والتكنولوجيا ترك بصماته على كافة مجالات الحياة، وساهم في نمو الدراسات السكانية. حيث صاحب التطور التكنولوجي والنمو السكاني ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، مثل: ثقافة الاستهلاك، وحلول الآلة محل الإنسان، وزيادة الخدمات الترفيهية. كل هذا ساهم في إنشاء مراكز بحثية تعنى بقضايا ومشكلات السكان.

3.     تقدم البحث العلمي:

ساعد تقدم البحث العلمي على صعيد المناهج، والأدوات، والأساليب في زيادة الإقبال على الدراسات السكانية. فقد ظهرت المحاولات الجادة للدراسات السكانية في أواخر القرن (18) ، ومطلع القرن (19).

4.      تطور علم البيولوجيا:

أدي التطور الهائل الذي طرأ على علوم البيولوجيا الحيوية، والانثروبولوجيا الطبيعية، إلى توفير معلومات كافية حول الصفات النوعية للسكان، والخصائص الفيزيقية، والتعليمية، والنفسية. وتوفير الكثير من الحقائق العلمية التي استفاد منها علم السكان في بلورة نظرياته. 

المعلومات السكانية

مجموعات المعلومات السكانية:

تنقسم المعلومات والبيانات السكانية إلى أربع مجموعات، هي:

‌أ.          خصائص السكان الأساسية: (المواليد، والوفيات، والهجرة، وحجم السكان، وتوزيع السكان).

‌ب.     خصائص السكان الاجتماعية: (العمر، والنوع).

‌ج.   خصائص الحالات الاجتماعية: (الزواج، والطلاق، والترمل، والدخل، والتعليم، والمهنة، والبطالة، والصحة، والمرض، والجريمة، والملكية... إلخ).

‌د.         المكونات البنائية: (التحضر، والتصنيع، والطبقة الاجتماعية، والأسرة).

مصادر المعلومات السكانية:

يحصل على المعلومات السكانية بإحدى طريقتين:

v    الطريقة المباشرة: من وسائلها: (التعداد السكاني، والبحث الميداني).

v  الطريقة غير المباشرة: تشمل المؤشرات الإحصائية التي تؤخذ من الكتب، والمجلات العلمية، والنشرات التي تصدر عن المؤسسات الرسمية والمراكز البحثية ذات الاختصاص.

مصادر المعلومات الإحصائية عن السكان في العالم:

1)       المعهد الدولي للإحصاء.

2)       هيئة الأمم المتحدة.

3)       المكتب الدولي للعمل.

4)       المعهد الدولي للزراعة.

5)       هيئة التغذية والزراعة في الأمم المتحدة (الفاو).

6)       المجموعة الإحصائية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة غرب آسيا في الأمم المتحدة (الاسكوا).

7) الجهاز المركزي للإحصاء (محلي).

 المرجع| بسام أبو عليان، علم اجتماع السكان، ط2، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2016.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علم الاجتماع الحضري| الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري

د. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى الاتجاهات النظالكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري: يمكن التمييز بين اتجاهين نظريين كلاسيكيين في علم الاجتماع الحضري درسا المدينة وظاهرة التحضر، هما: الاتجاه المحافظ، والاتجاه الراديكالي. أولًا| الاتجاه المحافظ: |      المبدأ الأساسي الذي يحكم المجتمع، هو: الثبات، والاستقرار، والنظام. |      من علماء الاتجاه المحافظ: ‌أ.         أوجست كونت: اهتم بقانون المراحل الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية)، وقارن بين الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية. ‌ب.    إميل دوركايم: اهتم بموضوعات، مثل: تقسيم العمل، والانتحار، والدين، والتضامن الآلي والتضامن العضوي. ‌ج.    ماكس فيبر: اهتم بأنماط السلطة الثلاث: (التقليدية، والكاريزمية، والقانونية)، ودرس موضوعات: البيروقراطية، والرأسمالية، والدين، والفعل الاجتماعي. وربط بين تطور المدينة والتغيرات التي طرأت الثقافة الغربية. ثانيًا| الاتجاه الراديكالي: |      ركز على الصراع الطبقي، وانتقا...

الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والطفولة| الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة

د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة تعريف الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة: "الممارسة المهنية التي تهتم بتزويد الأطفال بالخدمات الاجتماعية، والمساعدات التي تعمل على حمياتهم، وعلاج المشكلات الاجتماعية، والنفسية، من خلال عمل الأخصائيين الاجتماعيين في عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية". المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة: 1.     مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري: تعمل على علاج مشكلات الأسرة، وتهيئة الجو الأسري الذي يعين على تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية، ومعاونة قضاة محاكم الأحوال الشخصية في البحث عن أسباب المشكلة الأسرية، والقيام بدراسات تتعلق بمشكلات الأسرة. 2.     مكاتب فحص الراغبين في الزواج: تعمل على فحص الأمراض الشائعة في المجتمع، والأمراض العقلية والنفسية، والأمراض التناسلية. 3.     مشروع الأسر المنتجة: يوفر العمل للأسر القادرة عليه، مما يسهم في القضاء على بطالة الأسرة، ويزيد من دخلها، وتحويل أفراد الأسرة من مستهلكين إلى منتجين، والاستفادة ...

علم الاجتماع العائلي| مدخل نظري

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى تعريف علم الاجتماع العائلي: v     وليم كوود: "هو العلم الذي يدرس الجذور الاجتماعية للعائلة، وأثرها في المجتمع والبناء الاجتماعي" [1] . v     رونالد فليجر: "العلم الذي يدرس العلاقة المتفاعلة بين العائلة والمجتمع" [2] . v     تالكوت بارسونز: "العلم الذي يدرس العائلة دراسة اجتماعية، ودراسة أنساقها العمودية والأفقية، ونظم الاتصال الموجودة فيها مع نظامي السلطة والمنزلة" [3] . v   "أحد فروع علم الاجتماع العام، يهتم بدراسة الأسرة وما يتعلق بها من ظواهر؛ بهدف تفسيرها وتحليلها، ودراسة مشكلات الأسرة بهدف حلها أو الحد منها". أهداف علم الاجتماع العائلي [4] : 1.     تقوية علاقة الفرد بالأسرة من جهة، والمجتمع المحلي من جهة أخرى. 2.     دراسة المشكلات الأسرية؛ بهدف حلها أو الحد منها بطرق علمية واقعية. 3.     جعل الأسرة متكيفة مع التغيرات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع. 4.     تعميق وعي الأسرة بأدوارها الأساسية و...