التحضر في الفكر الاجتماعي:
لم يستطع العلماء أن يحددوا بشكل دقيق الحقبة التاريخية التي
ظهرت فيها أول مدينة في العالم. لكنهم اتفقوا على أن المدينة الحقيقية الأولى في
التاريخ ظهرت في الفترة بين (3000-4000 ق.م)، حول الأنهار والوديان، فأقدم
المجتمعات الحضرية، هي: المجتمع المصري نشأ حول نهر النيل، والمجتمع العراقي نشأ حول
نهري دجلة والفرات، والمجتمع الهندي نشأ حول نهر السند، ووادي مهران العظيم، والمجتمع
الصيني نشأ حول النهر الأصفر. من أوائل هذه المدن: ممفيس، وطيبة، وتل العمارنة،
والفيوم في مصر، وصيدا وصور على ساحل البحر المتوسط، وقرطاجة في شمال أفريقيا.
المتفق عليه بين العلماء أن المدينة هي وحدة الدراسة الرئيسية
في علم الاجتماع الحضري، حيث يدرسها من كافة النواحي: الموقع الجغرافي، والمساحة، والمناخ،
والظروف البيئية، وحجم السكان، وتوزيع السكان، وخصائص السكان، والنظام الاقتصادي، والنظام
السياسي، والنظام الاجتماعي، والتعليم، والصحة، والثقافة، والسياحة، والجانب
التنظيمي والإداري... إلخ.
لقد كان للمفكرين الاجتماعيين الأوائل إسهامات مبكرة في علم الاجتماع الحضري، منهم:
1. ابن خلدون:
يعد ابن خلدون من أوائل المفكرين الذين اهتموا بدراسة الحضر،
إذ تحدث في مقدمته قارن بين البدو والحضر، وبيَّن تأثير الموقع الجغرافي على نشاط
السكان الاقتصادي، وعلاقاتهم الاجتماعية، وصنائعهم.
اعتبر ابن خلدون البدو هم أصل العمران، وأسبق في الظهور من
الحضر. فهم يهتمون أولًا بإشباع حاجتهم الضرورية من الطعام، والشراب، والسكن،
واللباس. وحدد صفات البدوي: الشجاعة، والأخلاق الحسنة، والكرم. أما سكان المدن يهتمون
بالترف والكماليات. وحدد صفات الحضري: الجبن، والخداع، والمراوغة.
وبيَّن ابن خلدون حينما يبدأ المجتمع الانتفاع من مظاهر
التحضر فذلك إيذان ببداية دخول المجتمع مرحلة الشيخوخة.
2. كارل ماركس:
أقر كارل ماركس بأن الخصومة بين الريف والحضر بدأت منذ تحول المجتمع
من مرحلة البربرية إلى الحضارة، ومن القبيلة إلى الدولة. حيث صار يصنف الناس على
أساس الملكية، فقسموا إلى طبقات تتعارض في مصالحها.
3. ماكس فيبر:
درس فيبر تاريخ المدن الإغريقية، وأكد أنها كانت مراكز حضرية شبه ريفية، وأن سبب تغيرها من الريف إلى الحضر تحولها من الاقتصاد المشترك إلى الاقتصاد الفردي، وكان ذلك في القرن الثامن عشر. وقد حذر فيبر من النمو العمراني العشوائي غير المخطط له؛ لأنه يترتب عليه مشكلات إدارية، واجتماعية، وسياسية.
4. والتر كريستالر:
أول نظرية للتحضر ظهرت في ألمانيا على يد والتر كريستالر، سنة
1933م، تعرف بنظرية "المكان المركزي"، التي اهتمت بتحديد عدد المدن،
وحجمها، وتوزيعها، والتركيز على قضايا التجارة والمؤسسات الرئيسية.
وقد طورت هذه النظرية سنة 1960م، حيث رتبت تسلسل مراكز
العمران في ثلاث محطات، هي: (القرية، والبلدة، والمدينة). هذا التسلسل نابع من
أدوارها، وتطور عمرانها، والسوق، وشبكة المواصلات.
5. جولدن تشايلد:
تحدث عن الثورة الحضرية المبكرة، وبين أهم ملامحها، وهي:
v الإقامة الدائمة في تجمعات سكنية كثيفة.
v العمل في مهن غير مهنة الزراعة.
v فرض الضرائب، وتراكم رؤوس الأموال.
v إقامة المباني الضخمة.
v ظهور طبقة حاكمة مسيطرة.
v تطور فنون الكتابة .
v تعلم مبادئ الحساب، والهندسة، والفلك.
v اكتساب القدرة على التعبير الفني.
v نمو التجارة.
كانت نشأة علم الاجتماع انعكاسًا للثورة الصناعية في
إنجلترا، والثورة الفرنسية اللتان أثرتا في بناء المجتمع الأوربي الاجتماعي
والاقتصادي، فنقلتاه من مجتمع إقطاعي زراعي، إلى مجتمع صناعي رأسمالي. ترتب على
هذا الانتقال ظهور مشكلات اجتماعية، مثل: الجريمة، وعمالة النساء، وعمالة الأطفال،
والسرقة، والتسول، والفقر... إلخ. مما تطلب ضرورة وجود علم يهتم بدراسة هذه
المشكلات، ويحلل ويفسر الواقع الاجتماعي. فكان ظهور علم الاجتماع.
يأخذ علم الاجتماع الحضري من المدينة موضوعًا رئيسيًا لدراساته.
فهو يدرسها وفق أسس نظرية ومنهجية تتفق مع أسس، ومناهج، وأدوات علم الاجتماع
العام.
يدين علم الاجتماع الحضري في نشأته الأولى إلى علماء
أوربيين، مثل: تونيز، وماكس فيبر، وزيمل، وإميل دوركايم.
المتتبع لتاريخ الدراسات الحضرية يجد أن الاهتمام بدراسات
الحضر بدأ في القرن السادس عشر، عندما نشر بوترو دراسة بعنوان: "عظمة
المدن"، حيث درس المدينة من خلال تتبع نموها التاريخي.
وفي كتاب "علم الاجتماع الحضري المقارن"، اعتبر سوجوبرج
أن البداية الفعلية لصياغة النظريات الحضرية كان في القرن السادس عشر.
في القرن التاسع عشر نشرت أدنا فيبر بحثًا بعنوان: "نمو
المدن في القرن التاسع عشر".
كتب رينيه مورييه كتابًا بعنوان: "نشأة المدن ووظيفتها
الاقتصادية"، وفيه قدَّم إطارًا نظريًا ومنهجيًا لعلم الاجتماع الحضري لدراسة
المدن.
كتب ماكس فيبر كتابًا بعنوان: "المدينة"، درس فيه طبيعة
المدينة، ووظائفها السياسية والإدارية.
في أمريكا كتب لويس ممفورد كتابين، الأول بعنوان:
"المدينة في التاريخ"، والثاني بعنوان: "ثقافة المدن". في
الكتابين قدم عرضًا تاريخيًا لدراسة المدن.
وفي سنة 1938 كتب لويس ويرث مقالة بعنوان: "الحضرية
كأسلوب حياة". حيث اعتبر المدينة وحدة اجتماعية لها خصائص ومميزات تميزها عن
بقية الوحدات الاجتماعية الأخرى.
ومع مرور الزمن تطور دراسات علم الاجتماع الحضري، فظهرت
مصطلحات جديدة، مثل: الحضرية، والتحضر، والتضخم الحضري، والمدن العالمية.
تعريف
علم الاجتماع الحضري:
v "علم البيئة الحضرية".
v
"الدراسة السوسيولوجية للمدن، وحياة المدينة".
تعليقات
إرسال تعليق