التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علم الاجتماع السياسي| الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع السياسي

مدرس المساق| أ. بسام أبو عليان
محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى

الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع السياسي
أولًا| الاتجاهات القديمة:
الفكر السياسي المسيحي:
يصنف الفكر السياسي المسيحي في إطار النظرية السياسية الأخلاقية؛ لأنه يؤكد على ضرورة الربط بين (السياسة، والأخلاق)، انطلاقًا من التوجيهات الدينية والأخلاقية في العصور الوسطى، من أبرز مفكريه (توما الإكويني)، الذي دارت أفكاره حول العلاقة بين السلطتين (الروحية، والزمنية)، فالبابا يمثل السلطة الروحية، والملوك يمثلون السلطة الزمنية. يرى الإكويني أن الإنسان أقرب المخلوقات إلى الله؛ لأنه يتكون من (روح، وجسد)، أما المجتمع في شكله الطبيعي يقوم على تبادل الخدمات من أجل حياة طيبة، لذلك هو بحاجة لهيئة حاكمة تسيّر شؤونه، لكن سلطتها محدودة، ووفق القانون؛ لأن القانون يسهم في تنظيم المجتمع، ويشرعن السلطة السياسية، لذلك ردد: "لا وجود لسلطة دون قانون"، وانتقد الحكم الديكتاتوري، وحرّض الجماهير على مقاومته، إلا أنه قيّد المقاومة شرطين:
|    أن تكون المقاومة مكفولة لكل أفراد الشعب.
|    تسهم المقاومة في إيجاد نظام حكم جديد جيد.
اهتمام الإكويني بالقانون جعله يبحث عن الأدلة التي تبرر العلاقة بين القانونين (السماوي، والأرضي)، حيث اعتبر القانون جزء من نظام الحكم الإلهي الذي يسيطر على كل شيء في الأرض والسماء، وقسّم القانون لأربعة أقسام، هي:
‌أ.       القانون الأزلي: هو الحكمة الإلهية التي تنظم شؤون الكون، ويسمو على قوانين البشر.
‌ب. القانون الطبيعي: انعكاس للحكمة الإلهية في المخلوقات، ويتجلى في رغبة الإنسان في فعل الخير، والسعي للطمأنينة، والاستقرار الاجتماعي والنفسي.
‌ج.    القانون الإلهي: هو الوحي، وما تشمله الكتب المقدسة، ويكلف الرسل بتبليغه للناس.
‌د.  القانون الإنساني: مصدره الإنسان، ينظم حياة الناس؛ من أجل تحقيق المصلحة العامة، وهو نابع من عقولهم واجتهاداتهم.
الفكر السياسي الإسلامي:
نكتفي بنموذج "ابن الأزرق" الذي أعاد إنتاج أفكار ابن خلدون، فقد ركز على دراسة الظواهر السياسية، والسلوك السياسي، ونظام الدولة، وأشكال الحكم في المجتمعين البدوي والحضري، وقد وقع كتابه في مقدمتين، وأربعة كتب، على النحو الآتي:
v    في المقدمة الأولى: أعطى نظرة عامة عن الملك عقلًا.
v    في المقدمة الثانية: أعطى نظرة عامة عن الملك شرعًا.
v    في الكتاب الأول: تحدث عن حقيقة الملك، والخلافة، وأنواع الرئاسة.
v    في الكتاب الثاني: تحدث عن أركان الملك، وقواعد تثبيته.
v    في الكتاب الثالث: تحدث عما يطالب به السلطان لتشييد أركان ملكه.
v    في الكتاب الرابع: تحدث عن الصعوبات التي تواجه الحاكم في الحكم.
ثانيًا| الاتجاهات الحديثة والمعاصرة:
أدت التغيرات الاجتماعية والسياسية التي حلت بأوربا في العصور الوسطى لانهيار أنظمة الحكم القديمة، وظهور أنظمة جديدة تستند على الفكر المستنير، بدلًا من الفكر اللاهوتي، عصر يحترم الإنسان، ويفعّل العقل في حل المشكلات المجتمع، ترتب على ذلك ظهور مفكرين جدد ساهموا في تنظيم الحياة الأوربية، وظهرت إسهاماتهم فيما يعرف بـ "نظريات العقد الاجتماعي"، من روادها: (توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو). فيما يلي الحديث عن إسهاماتهم.
1.    توماس هوبز:
عاش هوبز في إنجلترا في وقت كانت تعاني فيه من الاضطرابات السياسية؛ بسبب الصراعات الداخلية، والحرب الأهلية، فانعكس على أفكاره السياسية، التي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
1)  درس المجتمع مستعينًا بالمناهج (الرياضية، والتحليلية، والسيكولوجية)، مما يعني استبعاد المنهج الميتافيزيقي الذي كان سائدًا في عصره، وفسّر المجتمع تفسيرًا ماديًا، بأن الفرد يعيش مع الآخرين في حالة فوضى، وغياب القانون، فأدى لانعدام الأمن، وهو ما أطلق عليه "الحياة الطبيعية".
2)  لا يمكن استمرارية الحياة وفق نموذج الحياة الطبيعية الذي تسوده الفوضى؛ لأن الإنسان بحاجة إلى الأمان والاستقرار، أي الانتقال من الفوضى والطبيعة المتوحشة إلى الحالة الاجتماعية، وهذا لا يتحقق إلا من خلال "العقد الاجتماعي".
3)  مشكلة الفقر التي كانت تعالج بالإحسان المسيحي، يجب معالجتها بأساليب جديدة كتوفير فرص عمل، والسماح بالهجرة، فإن لم يتحقق ذلك سيعيش المجتمع حرب داخلية، وهو ما أسماه "حرب الكل ضد الكل".
4)  دعم هوبز "حكم الملكية المطلقة"، باعتبارها أكثر الحكومات استقرارًا، مصدر القانون فيها ليس النظام الاجتماعي، إنما سلطة الحاكم.
5)  لا يرى هوبز أهمية للجماعات الوسيطة كالنقابات، فهو يعتبرها مصدر شقاق، وتتجاوز سيادة الدولة والحاكم، ويجب أن يتمتع الحاكم بسلطة مركزية قوية، لذا يجب أن يمنح الحاكم الكثير من الصلاحيات السياسية، وهذا يتم بالتعاقد بين الحاكم والمحكومين، ولا يجيز لأفراد المجتمع الثورة لتغيير نظام الحكم.
بهذه الاقتراحات نقل هوبز المجتمع من الحالة الطبيعية إلى حالة المجتمع المدني، إلا أنه يدعم أنظمة الحكم الديكتاتورية.
2.    جون لوك:
يتفق لوك مع هوبز في العديد من القضايا، إلا أنه حاول تطويرها، وتناولها بشكل مختلف، ويمكن تلخيص أفكاره في النقاط الآتية:
1)  الحياة الطبيعية صالحة لعيش الإنسان مع غيره، حياة يسودها الاستقرار، وتحكمها قوانين عامة كقوانين الطبيعة، رغم ذلك فهي تعاني من (غياب التنظيم، والقضاء، وقوانين العقوبات).
2)    دعا إلى فصل الكنسية عن الدولة، وأكد على الملكية الخاصة باعتبارها حق مكفول للجميع.
3)  رأى أن حياة الأفراد في الحياة الطبيعية يحكمها العقل، فتنازل الأفراد في العقد الاجتماعي المبرم بينهم وبين الحاكم يكون بقدر الحفاظ على الصالح العام.
4)  في العقد الاجتماعي الحاكم أحد طرفي العقد، ويجب أن يقيد بما تم التعاقد عليه، ويلزم بتسخير سلطته لتحقيق الصالح العام، واحترام الحقوق الطبيعية للأفراد.
3.    جان جاك روسو:
1)  رأى أن الحياة الطبيعية تحكمها ثلاثة مبادئ أساسية، هي: (الحرية، والمساواة، والعدل)، إلا أنها حياة غير نظامية، لذلك عاش الإنسان حالة عزلة اجتماعية.
2)  لا يمكن للإنسان أن يحيا الحياة الطبيعية في صورة غير نظامية، لذلك سعى إلى توفير حياة اجتماعية أفضل؛ لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، مما يعني تنازله عن بعض حقوقه الطبيعة لسلطة عليا تكون صاحبة السلطة السياسية.
3)    حرص على أن تكون السلطة والسيادة للشعب، وهي سلطة مطلقة.
4)  من أجل تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية لجأ روسو إلى بناء القوة في المجتمع، إذ يجب أن يخضع لها الأفراد، وهذه تتطلب قدرًا من الولاء والطاعة، ولا يعتبر ذلك قهرًا للفرد، بل ضرورة لضمان حريته.
5)  نظرًا لاستحالة عودة الحياة الطبيعية الأولى فقد اضطر المجتمع لتنظيم حياته عن طريق التعاقد الاجتماعي، بأن يتنازل الفرد عن مصالحة الذاتية من أجل الصالح العام، والقانون يضمن حقوق الأفراد، ويحافظ عليها.
يمكن تبسيط أفكار فلاسفة العقد الاجتماعي من خلال الجدول الآتي:
الفيلسوف
الإطار العام للنظرية
قبل العقد
أطراف العقد
آثار العقد
توماس هوبز
برر سلطة الملك، ورفض الثورة، وأيد الحكم المطلق
المجتمع الإنساني فوضوي، يغلب عليه قانون الغاب، والأنانية، والطمع، لذلك أحس الأفراد بضرورة قيام مجتمع يحكمهم فيه حاكم يوفر لهم الاستقرار والأمان
الحاكم والمحكومين، حيث يتنازل الأفراد عن حقوقهم للحاكم، والحاكم ليس طرفًا في العقد، أي لا يوجد شيء يلزمه تجاه الشعب
يتنازل الأفراد عن حقوقهم للحاكم، دون أن يلتزم نحوهم بشيء؛ لأنه ليس طرفًا في العقد، فينجم عنه استبداد الحاكم.
يرى هوبز استبداد الحاكم أفضل من الفوضى السابقة.
جون لوك
رفض إنشاء الدولة على القوة
الإنسان خيِّر بطبعه، يعيش في سلام وحرية ومساواة وفق قانون الطبيعة. لكنه بحاجة لنظام سياسي يضمن له الحرية ويحترم حقوقه
الحاكم والمحكومين.
يتم العقد على مرحلتين:
في الأولى: يتفق أفراد الجماعة على إنشاء مجتمع سياسي.
في الثانية: الحكومة تتولى حكم الشعب
يتنازل الأفراد عن بعض حقوقهم.
الحكومة مسؤولة أمام الشعب، ولا يحق لها الاعتداء على حقوقه التي لم يتنازل عنها، وإلا عرضت للمسائلة، وللشعب حق مقاومتها،  ولو بالثورة
جون جاك روسو
رفض إنشاء الدولة على القوة
الإنسان خيِّر بطبعه، يعيش في سلام وحرية ومساواة وفق قانون الطبيعة. لكنه بحاجة لنظام سياسي يضمن له الحرية ويحترم حقوقه
يتفق الأفراد على إنشاء اتحاد يحميهم، يتمتع هذا الإتحاد بسلطة. حيث يتعاقد الفرد من زاويتين:
 الأولى: مع الشخص العام باعتباره عضوًا في الجماعة.
الثانية: مع الجماعة باعتبارها من مكونات الشخص العام
يتنازل الأفراد للدولة عن جميع حقوقهم الطبيعية مقابل حصولهم على حقوق مدنية يضمنها هذا التنظيم
النظرية الماركسية:
أبرز أفكار النظرية الماركسية:
1)   فسّر ماركس المجتمع تفسيرًا ماديًا، لاغيًا كل التفسيرات الميتافيزيقية، وقد استعار من "هيجل" مفهوم الديالكتيك (الجدلية)، الذي عرفه هيجل: "المجتمع في حالة ديناميكية، وليس استاتيكية"، وطبقه على الأفكار مبينًا أنها تمر في مراحل؛ لتعيش حالة من التوليف، والتناقض. أما ماركس طبق مفهوم الديالكتيك على السلوك من منظور مادي، معتبرًا المادة هي أساس الوجود، وعلى ذلك بيّن أن المادية الجدلية يحكمها ثلاثة قوانين هي:
‌أ.    قانون وحدة الأضداد وصراعها: كل شيء قائم يحتوي على نقيضه، هذا التناقض يولّد صراع، والصراع يؤدي إلى التطور. طبق ذلك على النظام الرأسمالي، حيث يتكون المجتمع الرأسمالي من طبقتين (البرجوازية، والبروليتاريا)، الأولى تملك وسائل الإنتاج، والثانية لا تملك. هاتان الطبقتان في صراع، هذا الصراع ينقل المجتمع من مرحلة حضارية لأخرى، كالانتقال من الرأسمالية إلى ديكتاتورية البروليتاريا، ومنه إلى الشيوعية.
‌ب.  قانون تحول التغيرات الكمية إلى نوعية: تاريخية الصراع الطبقي في انتقاله من مرحلة حضارية إلى أخرى، يمر في أوله بتغيرات كمية ليس لها تأثير واضح، ومع تراكمها يحدث تغير نوعي مفاجئ، عن طريق الثورة.
‌ج.   قانون نفي النفي، أو سلب السلب: بموجبه ينتقل المجتمع من مرحلة حضارية إلى أخرى، وكل مرحلة تنفي التي سبقتها، فمرحلة الإقطاع تنفي العبودية، والرأسمالية تنفي الإقطاع، والاشتراكية تنفي الرأسمالية، والشيوعية تنفي الاشتراكية، والشيوعية هي المرحلة الأخيرة.
2)   من الناحية التاريخية يعتبر ماركس المادة هي جوهر الأشياء، والأفكار والمشاعر انعكاس للمادة، وقد قسّم التاريخ البشري إلى خمس مراحل طبقًا لعلاقات الإنتاج وامتلاك وسائل الإنتاج. هي:
‌أ.          الشيوعية الأولى: عاشها المجتمع البدائي حيث يوجد فيها شيوع الملكية.
‌ب.  العبودية: ظهرت في المجتمعين الإغريقي والروماني مع ظهور الملكية الخاصة، ونظام الرق والعبودية، وبداية الصراع بين طبقتي السادة والعبيد.
‌ج.   الإقطاع: يمثلها المجتمع الأوربي في العصور الوسطى، تميزت بوجود طبقتي (النبلاء، والعبيد)، ومع التطور التكنولوجي ظهرت طبقة جديدة (البرجوازية)، التي دخلت في صراع مع الإقطاعيين.
‌د.   الرأسمالية: جاءت نتيجة انتصار البرجوازية على الإقطاع، وأن النظام الرأسمالي يحمل في داخله بذور انهياره؛ لأن مصالح الطبقة البرجوازية تتعارض مع مصالح طبقة العمال.
‌ه.    الاشتراكية: تعتبر وريثة الرأسمالية، وتمهد الطريق نحو الشيوعية، التي تعد المرحلة الأخيرة وفق التقسيم الماركسي للتاريخ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها...

طرق الخدمة الاجتماعية| طريقة تنظيم المجتمع

أ. بسام أبو عليان محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى تعريف تنظيم المجتمع: ظهرت طريقة تنظيم المجتمع سنة 1946م، وفي عام 1954م استقرت كإحدى طرق الخدمة الاجتماعية. وقد اختلفت مسمياتها بحب كراحل تطورها، فتارة سميت "تنسيق المجتمع"، وثانية سميت "تنظيم المجتمع"، وثالثة سميت "تنمية المجتمع"، وقد تعددت تعريفات العلماء لهذه الطريقة، نذكر منها: v     آرثر دانهام: "عملية الموازنة بين الموارد والاحتياجات". v     جيمس داهير: "نشاط يقوم به الناس الذين يحاولون الموازنة بين احتياجات مجتمعهم والمواد المتاحة أو قد تتاح". v   عبد المنعم شوقي: "طريقة يستخدمها الأخصائيون الاجتماعيون والمتطوعون من الشعب المتعاونون معهم لتنظيم الجهود المشتركة الحكومية والأهلية في مختلف المستويات لتعبئة الموارد الموجودة أو التي يمكن إيجادها لمواجهة الحاجات الضرورية وفقاً لخطة مرسومة، وفي حدود سياسة المجتمع". v   هدى بدران: "طريقة يستخدمها الأخصائي الاجتماعي للتأثير في القرارات المجتمعية التي تتخذ على جميع المستويات، وتنفيذ برامج التنمية الاجتما...