التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علم الاجتماع الديني| الدين


تعريف الـديـن:
تعريف الدين لغة:
جاء في المعجم الوسيط، الدين: اسم يطلق على كل ما يعبد به الله، يحمل عدة معاني: العبادة، الطاعة، الانقياد، الملة، الإسلام، السيرة، العادة، الحال، الشأن، الورع، الحساب، القضاء، التدبير. الجمع: أديان[1]. وردت كلمة دين في القرآن الكريم على ستة معاني، هي[2]:
1)     الملك والسلطان: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:76].
2)     الطريقة: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6].
3)     الحكم: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال:39].
4)     القانون الإلهي: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى:13].
5)     الذل والخضوع: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام} [آل عمران:19].
6)     الجزاء: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4].
تعريف الدين في العلوم الاجتماعية:
يقول ولتر ستيس: "التدين عنصر أساسي في تكوين الإنسان، والحس الديني إنما يكمن في أعماق كل قلب بشري، وهو يدخل في صميم ماهية الإنسان مثله في ذلك مثل العقل سواء بسواء"[3].
المتأمل في الدلالة الرمزية لكلمة دين يجدها تشير لوجود علاقة بين طرفين، أحدهما: معظَّم.. مقدَّس.. مهاب، والآخر: خاضع.. منقاد.. مستسلم. حول هذا المعنى كتب فيبور باخ: "الشعور بالتبعية هو مصدر الدين، ولكن موضوع هذه التبعية... هي في الأصل ليست إلا للطبيعة، فالطبيعة هي المصدر الأصلي الأول للدين، كما يبرهن على ذلك تاريخ كل الديانات والأمم بدرجات كافية"[4].
أصاب فيور باخ في هذا الرأي، فكل الظواهر الطبيعية من تعاقب الليل والنهار، وشروق الشمس وغروبها، وهطول المطر وانحباسه، وضوء البرق الخاطف، وصوت الرعد الهادر، وشموخ الجبال الرواسي وتصدعها، وجريان الأنهار وجفافها، وانتظام الأجرام السماوية في أفلاكها، ودوران الأرض بانتظام، ونمو المزروعات وذبولها واصفرارها كلها، وغيرها مما لا يعد ولا يحصى، تؤكد على وجود إله خالق مدبر لهذا الكون، وهذا الكون لم يوجد عبثًا أو صدفة، فلو حوّلت أغصان كل شجر الأرض إلى أقلام، وحوّلت مياه البحر إلى مداد (حبر)، وتبعه سبعة أبحر من بعده، لكسرّت جميع الأقلام، ونفذ مداد البحار الثمانية، ولم تستطع إحصاء نِعَم الله تعالى في هذا الكون الفسيح، قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109]. وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ  إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان:27].
القرآن الكريم قدَّم مثلًا حيًا في قصة تدرج إسلام إبراهيم عليه السلام، الذي بدأ بتأمل ظواهر الطبيعة إلى أن اهتدى إلى الإله الحقيقي لهذا الكون (الله عز وجل)، ثم اعتنق دين الفطرة الصحيحة (الإسلام)، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]. بدأ إبراهيم عليه السلام إسلامه بتأمل الكواكب جملة واتخذها إلهًا، ثم تأمل القمر فرآه منيرًا ومميزًا فخصه بالإلوهية، ثم غاب القمر وبزغت الشمس فتركه واتخذ الشمس إلهًا جديدًا؛ معللًا ذلك أنها أكثر نورًا وسطوعًا، وأكبر حجمًا، مع تعاقبهما في الظهور والاختفاء أيقن أن هناك من يحركهما ويدبر أمرهما، فوصل إلى حقيقة الإيمان بالله، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:75-79].
إذا تتبعنا تعريفات العلماء لمفهوم الدين، لا نجد تعريفًا واحدًا، هذا الاختلاف راجع لتعدد العلوم وتنوع الاتجاهات الفكرية التي درسته، في هذا الصدد يقول جوناثان ز. سميث: "الدين يمكن تعريفه بوسائل عدة تصل إلى خمسين وسيلة تتراوح بين النجاح والإخفاق"[5]. ويقول إدوارد تايلور: "إن صياغة تعريف واحد من شأنه إرضاء كل الآراء المتصارعة حول الدين، هو أمر غير ممكن التحقيق، من هنا فإن كل ما يستطيعه الباحث هو أن يحدد بدقة ما يعنيه بكلمة الدين، ثم يعمل على استخدام هذه الكلمة عبر مؤلفة بالمعنى الذي حدده لها منذ البداية"[6]. هذا لا يمنع من مطالعة تعريفات العلماء، ثم صياغة تعريف يتماشى مع روح الكتاب.
v     محمد دراز: "وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات"[7].
v     فراس سواح: "التعبير الجمعي عن الخبرة الدينية الفردية، وقد تم ترشيدها في قوالب فكرية وطقسية وأدبية ثابتة"[8].
v     شيشرون: "الرباط الذي يصل الإنسان بالله"[9].
v     كانط: "الشعور بواجباتنا من حيث قائمة على أوامر إلهية"[10].
v     تايلور: "الإيمان بكائنات روحية"[11].
v  دوركايم: "مجموعة متساندة من الاعتقادات والأعمال المتعلقة بالأشياء المقدسة، وتضم أتباعها في وحدة معنوية تسمى الملة"[12].
v  أنطوني جيدنز: "مجموعة من الرموز التي تستدعي الاحترام وتوحي بالرهبة، كما أنها ترتبط بمجموعة من الطقوس والشعائر، أو الممارسات الاحتفالية التي يؤديها من يعتنقون هذا المهذب الديني أو ذاك"[13].
v     ماكس ميللر: "كدح من أجل تصور ما لا يمكن تصوره، وقول ما لا يمكن التعبير عنه، إنه توق إلى اللانهائي".[14]
v  كليفورد غيرتز: "نظام من الرموز يسعى لإقامة حالة نفسية وحوافز قوية وشاملة ودائمة في الناس عن طريق صياغة مفهومات عن نظام عام للوجود، وإضافة هالة من الواقعية على هذه المفهومات بحيث تبدو هذه الحالات النفسية والحوافز واقعية بشكل فريد"[15].
يمكننا تعريف الدين: "هو رابط يوصل الإنسان بخالقه، يشتمل على جانبين، أحدهما: عقائدي غيبي خاص بذات وصفات ومكانة الإله، والآخر: طقوسي شعائري، وهو ترجمة سلوكية للمعتقدات، ينظم الحياة الاجتماعية لأتباع الديانة".
خصائص الدين:
الخصائص العامة التي تشترك فيها كل الأديان:
1.    الإيمان بوجود إله خالق للكون.
2.    التأمل والتفكير العقلي.
3.    التمييز بين عالم الغيب، وعالم المادة.
4.    للإله قدسية لا تدرك بالعقل.
5.    وجود طقوس خاصة لكل عبادة يجب التقيد بها.
6.    الدين ليس عبادات فحسب، بل هو قيم وأخلاق تضبط سلوك الأفراد، وتنظم شؤون الحياة.
7.    التراث الديني له صفة الاستمرارية، فهو ينقل من السلف إلى الخلف.
8.    المعجزات.
مكونات الدين:
أي دين يتكون من ثلاث مكونات، هي: (العقيدة، والطقوس، والأسطورة). فيما يلي توضيحها[16]:
1.     العقيدة:
العقيدة في اللغة: هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، كعقيدة وجود الله، وبعثة الرسل. الجمع: عقائد، وعقيدات[17].
العقيدة اصطلاحًا: "ما ينعقد عليه القلب، ويجزم بصحته، ويتخذه الفرد دينًا ومذهبًا، بحيث لا يتطرق إليه الشك"[18].
تمنح العقيدة الدين صفة الجمعية، أي الاعتقاد بالإله والغيبيات مسألة يشترك فيها كل أتباع الديانة، وليست فردية؛ وذلك لسببين: الأول: لا يعقل أن يكون لكل فرد عقيدة دينية خاصة به تخالف عقيدة المجتمع، ولو كان الأمر كذلك، فهذا يعني عبثية الاعتقاد، ونشوب صراع عقائد بين الأفراد. السبب الثاني: استمرارية العقيدة تتطلب وجود عدد كبير من معتنقيها والمدافعين عنها، وإلا ستكون نهايتها الضياع والنسيان.
العقيدة ليست وليدة اللحظة، بل متوارثة عبر الأجيال، تحافظ على أركانها الرئيسية وخطوطها العريضة، ويقوم كل جيل بتعديلها وتطويرها وتطويعها بما يتماشى مع الواقع الاجتماعي، والحقبة التاريخية التي تمر فيها. هذا الكلام يصح على عقائد المجتمعات البدائية والديانات الوضعية كـ(التوتمية، والبوذية، والكونفوشية، والزرادشتية)، فالحضارات القديمة خلّّفت وراءها تراثًا تاريخًا حافلًا بالآثار، والوثائق، والرموز التي تعكس معتقداتها وطقوسها إلا أنها لم توضح كيفية نشأت هذه الأديان، ولا كيفية تطورها، أما الدين الإسلامي خلاف ذلك تمامًا؛ أركان عقيدته واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وثابتة لا تتبدل ولا تتغير بتبدل وتغير الزمان والمكان، لكن الذي يتغير ويطوَّع مع الواقع الاجتماعي هو الجانب الفقهي الذي ينظم شؤون الناس وحياتهم.
خلاصة القول: العقيدة توضح طبيعة العلاقة بين الإنسان والعالم الغيبي، وترسم له تصور عن الأشياء الغيبية والمقدسة.
2.     الطقوس (الشعائر التعبدية):
الطقوس: "هي مجموعة أفعال متكررة ومقننة، غالبًا تكون احتفالية ذات طابع شفوي، أو حركي، أو وضعي، وصبغة رمزية. ترتكز على الإيمان بقوة الكائنات الفعالة، أو بالقدرات المقدسة، التي يسعى الإنسان للتواصل معها"[19]. يمكنني تعريفها: "هي ترجمة سلوكية للعقيدة، قد تؤدى بشكل فردي، أو جماعي، أو موسمي". مثلًا: في الإسلام صيام التطوع كـ(صيام يومي الاثنين والخميس، والأيام البيض من كل شهر[20]، والست من شهر شوال، ويوم عرفة، ويومي التاسع والعاشر من شهر محرم... إلخ) تعتبر عبادة فردية، من صامها أُجِر، ومن تركها لم يؤثم. أما صيام رمضان فريضة، وعبادة جماعية، وموسمية في ذات الوقت. فريضة؛ لأنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لا يصح إسلام الفرد إلا به. عبادة جماعية؛ لأن جميع المسلمين المكلفين ملزمين بصيامه، يمسكون عن الطعام والشراب والجماع في وقت محدد وموحد، ويتحللون من الصيام في وقت محدد وموحد أيضًا. موسمي؛ لأنه يأتي في وقت محدد من السنة (شهر رمضان).
للطقوس أوقات وأماكن محددة حسب الديانة، ففي الإسلام مثلًا الحج: يؤدى في وقت محدد من السنة من حيث الزمان (شهر ذي الحجة)، ولا يؤدى إلا في البلد الحرام من حيث المكان، كذلك الزكاة لا تُخرَج إلا بعد بلوغ المال النصاب من حيث القدر، ويحول عليه الحول من حيث الزمان، وينفق على جهات محددة، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
الطقوس الدينية تعبر عن روح الجماعة في نظرتهم للحياة، وأسلوبهم، وأخلاقهم، وتضبط سلوك الأفراد في قوالب محددة، في هذا الصدد يقول كليفورد غيرتز: "في عمل الطقس الديني، أي في السلوك المكرس للعبادة تتولد بكيفية ما القناعة بأن المفهومات الدينية مطابقة للواقع وبسلامة التوجيهات الدينية"[21].
3.     الأسطورة:
الأسطورة كلمة يونانية الأصل، تعني: قصة أو حكاية، استخدمها أفلاطون تعبيرًا عن فن رواية القصة. عرّفها فراس سواح: "حكاية مقدسة مؤيدة لسلطان ذاتي". هذا السلطان الذاتي يأتي من قوة أسلوب صياغة الأسطورة، وطريقة تلاوتها، وقدرتها في التأثير على الجانب الانفعالي والعاطفي عند المتلقي، إلا أن شتراوس أكد بأن جوهر الأسطورة لا يكمن في أسلوبها أو موسيقاها أو بنيتها، إنما يكمن في القصة التي تحكيها، وبيَّن أن للأسطورة ثلاث خصائص، هي: (التزامن، والتتابع، والتتالي). الأسطورة تشير دومًا إلى وقائع يُزْعَم أنها وقعت منذ زمن بعيد، لكن النمط الذي تصفه يكون بلا زمن، فهو يفسر الماضي، والحاضر، والمستقبل[22].
وتعرف الأسطورة أيضًا: "قصة ذات طابع ديني، تطرح تبريرًا فكريًا للمعتقدات والممارسات الدينية، ويكون موضوعها كيف وجد البشر؟ وأين؟ وكيف ستكون نهايتهم؟"[23]. من خلال الإجابة على تلك التساؤلات يمكن القول أن للأسطورة وظيفة تحليلية تفسيرية.
تنشأ الأسطورة عن عقيدة دينية، بل تعتبر امتدادًا لها؛ فهي تستمد منها قوتها وشرعيتها في التأثير على الأفراد، وتركز على الجانب الخيالي؛ ترسم صورة مثالية للآلهة، وتمنحها أسماء متعددة تعكس هيبتها، وتكتب تاريخها، وتقوم على مفهوم الزمان، ولا تعتمد على مفهوم المكان. من يطلع على الديانات البدائية يكتشف كم هي غارقة في الأساطير والخرافات. في هذا المقام أكتفي بنماذج خرافية محددة.
الخرافة الأولى| بداية تشكل العالم الأول عند الفراعنة:
"عبارة عن مساحات مائية ليس لها حد، ثم نهضت هضبة وسط الماء، وجلست فوقها ضفدعة، وكان بجانبها بيضة، وقد خرج من تلك البيضة إوزة، ورافقها صوت عال. بعدها بدأت تشكل مجموعات أخرى من الطيور. بذلك انتهى الصمت الذي كان يسود العالم، وتبدد الظلام؛ لأنه صار يضيء المكان كالشمس، ثم بدأ الإوز يخلق بقية المخلوقات من الحيوانات والإنس... ويعتقد الفراعنة أن الإله (رع) هو الذي خلق الشمس والأرض، حيث أخرجهما من بيضة على شكل طائر"[24].
الخرافة الثانية| بداية تشكل العالم الأول عند القبائل الاسترالية:
يعتقد الأستراليون بداية الخلق كانت بوجود أخوين من الطيور نشبت بينهما حربًا عنيفة أدت لقيام أحدهما بخلق (الأرض، والناس، والأشجار، والحيوانات)، وخلق الآخر الماء وجميع المخلوقات فيه[25].
الخرافة الثالثة| بداية الخلق عند سكان داهومي في أفريقيا الغربية:
"في بداية الخليقة كانت النجوم تظهر ليلًا ونهارًا. وكانت نجوم الليل أبناء القمر، بينما كانت نجوم النهار أبناء الشمس. في أحد الأيام حذر القمر الشمس أن أبناءهما النجوم يحاولون التفوق عليهما بقوة وهج النور مما يهدد وجودهما. ولمنع ذلك من الحدوث اتفق القمر والشمس على التخلص من أبناءهما. حيث وضع القمر أولاده النجوم وهم مكتفو الأيادي في كيس، وشده بإحكام. ثم فعلت الشمس ذلك الشيء بأولادها النجوم. بعد ذلك قامت الشمس بإلقاء الكيس وفيه النجوم الأولاد في المحيط. لكن القمر حنت بالاتفاق وامتنع عن إغراق أبناءه النجوم. وقد أدى ذلك إلى اختفاء نجوم النهار ـ أبناء الشمس ـ، بينما بقيت نجوم الليل تظهر وتتلألأ. وقد تحولت النجوم الغرقى إلى سمك الزاهي الألوان في المحيط. ومنذ ذلك الحادث والشمس تحمل حقدًا على القمر وتحاول القضاء عليه وابتلاعه انتقاما لأبنائها. وهذا ما يفسر ظاهرة الخسوف. وهو السبب الذي يدعو الناس إلى الخروج من منازلهم والضرب على الطبول لمنع الشمس من ابتلاع القمر عند وقوع الخسوف"[26].
الخرافة الرابعة:
ذكرها المبشر الأسباني ليما نهاية القرن السادس عشر الميلادي في كتابه (إبادة الوثنية في بيرو)[27]: "يحدث في جزء من بيرو [لم يحدد المكان] في أوقات البرد القارس، يقوم الكاهن باستدعاء كل السكان الذين عرف عنهم أنهم قد ولدوا من خلال سحب أقدامهم أولًا، أو أن لديهم شفة أرنبية، أو كانوا من التوائم. ويقوم باتهامهم أنهم المسؤولون عن ذلك؛ لأنهم قد أكلوا الملح والفلفل، وكانوا يؤمرون بأن يتوبوا ويعترفوا بخطاياهم".
لم تقتصر الخرافات والأساطير على الديانات البدائية، بل طالت كتاب اليهود المقدس (التوراة)، حيث تقول عن بدء الخلق: "في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خَرِبة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف فوق وجه الماء... أما ما كان قبل ذلك فلا نعرف عنه شيئا ولا عما كان عليه يهوه قبل أن يشرع في خلق السماوات والأرض".
علق مصطفى إنشاصي عن إله اليهود يهوه، فقال:
"... بقي عند اليهود إله لا يحدد ولا يوصف، وأن طبيعته لا يحدها قيد ولا شرط، وبناءً على ذلك لم يضعوا له تمثالًا، ولم يتخيلوه على أي صورة... كما أننا لا نجد له زوجه أو ولد كآلهة الكنعانيين. وكثيرًا ما كان يغضب الرب على شعبه لأنه كان يعبد آلهة الكنعانيين ويشعل لها نارًا، ويبني لها معابد... إلخ، وهذا دليل على أن "يهوه" كان إلهًا مثله مثل بقية آلهة الكنعانيين. وهذه هي الحقيقة التي يتفق عليها العلماء أكثر من غيرها، إذ يرون أن (إله اليهود يهوه هو تطور طبيعي وبطيء من مرحلة تعدد الآلهة التي مر بها اليهود، شأنهم شأن القبائل البدائية الأخرى، تلك الآلهة التي كان يهوه مجرد واحد منها، إلى مرحلة الإله الواحد، وقد يكون نتيجة هذا التطور تلك الحرب الشعواء التي يشنها "يهوه"، من خلال التوراة، على غيره من الآلهة والتي بقيت آثارها عالقة في أذهان اليهود المتعددي الآلهة بالفطرة)"[28].



[1] قاموس المعاني، الدين، https://www.almaany.com
[2] إسلام ويب، معنى الدين لغة واصطلاحًا، مركز الفتوى، فتوى رقم:12454، 8/1/2002، http://www.islamweb.net
[3] جفري بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام، عالم المعرفة، العدد 173، الكويت، تصدر عن: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مايو1993، ص7.
[4] فيورباخ، أصل الدين، ط1، دراسة وترجمة: أحمد عبد الحليم عطية، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1991، ص41.
[5] مالوري ناي، الدين الأسس، ط1، ترجمة: هند عبد الستار، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009، ص37. 
[6] فراس السواح، دين الإنسان.. بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني، ط4، دمشق، دار علاء الدين، 2002، ص25.
[7] محمد عبد الله دراز، الدين.. بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، الكويت، دار القلم، 1952، ص 33.
[8] فراس السواح، دين الإنسان، مرجع سابق، ص87.
[9] محمد عبد الله دراز، مرجع سابق، ص 34.
[10] المرجع نفسه، ص 34.
[11] المرجع نفسه، ص 35.
[12] المرجع نفسه، ص 36.
[13] أنطوني جيدنز، علم الاجتماع (مع مدخلات عربية)، ط4، ترجمة: فايز الصباغ، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2005، ص569-570.
[14] فراس السواح، دين الإنسان، مرجع سابق، ص23.
[15] كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات، ترجمة: محمد بدوي، ط1، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2009، ص227.
[16] للاستزادة انظر: هوستن سميث، أديان العالم، ترجمة: سعد رستم، ط1، حلب، دار جسور الثقافية، 2007، ص47-70، وص111-120.
[17] قاموس المعاني، عقيدة، https://www.almaany.com
[18] عبد الله بن صالح القصير، معنى العقيدة لغة واصطلاحًا والفرق بينها وبين التوحيد، شبكة الألوكة، 27/4/2016، https://www.alukah.net/sharia/0/102269/
[19] جيل فيريول، معجم مصطلحات علم الاجتماع، ترجمة: أنسام محمد الأسعد، ط1، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 2011، ص154.
[20] الأيام البيض هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر عربي.
[21] كليفورد غيرتز، مرجع سابق، ص266.
[22] بتصرف عن: كلود ليفي شتراوس، الأسطورة والمعنى، ترجمة: شاكر عبد الحميد، ط1، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة بوزارة الإعلام، 1986، ص5-6.
[23] قيس النوري، علم الإنسان، عمان، منشورات جامعة القدس المفتوحة، برنامج التربية، 2007، ص21.
[24] يوري ديميترف، الإنسان والحيوان عبر التاريخ من الأسطورة والتقديس إلى الواقع المعاش، ترجمة: محمد سليمان عبود، ط1، دمشق، دار النمير، 1993، ص26-27.
[25] المرجع نفسه، ص27.
[26] قيس النوري، مرجع سابق، ص21-22.
[27] كلود ليفي شتراوس، مرجع سابق، ص47.
[28] مصطفى إنشاصي، التأصيل التوراتي للإرهاب الأمريكي الصهيوني، مجلة شؤون العصر، العدد20، السنة9، صنعاء، تصدر عن: المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية، يوليو ـ سبتمبر2005، ص8.


المرجع: بسام أبو عليان، علم الاجتماع الديني، ط2، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2019، ص15-26.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة الاتصال

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى تعريف المهارة: "هي القدرة على القيام بعمل ما في وقت وجهد أقل". أسباب اهتمام الخدمة الاجتماعية بتعليم المهارة: 1-      مساعدة العملاء على إشباع حاجاتهم الناقصة، وتنمية قدراتهم؛ للاعتماد على أنفسهم وألا يكونوا عالة على المجتمع. 2-      تنمية قدرات العميل في ضوء علاقته بذاته وبالآخرين. 3-      مساعدة العملاء على نبذ القيم السلبية، وتدعيم القيم الإيجابية. دور الأخصائي الاجتماعي في تعليم المهارة: v   تقديم عرض موجز عن المهارة المراد تعليمها للعميل، عن طريق: (شرائط الفيديو، أو شرائح البوربوينت، أو اللوحات التعليمية... إلخ). v     توضيح المفاهيم الخاصة بالمهارة. v     الممارسة المباشرة (التدريب) من خلال المواقف الاجتماعية. محددات تعليم المهارة: (1) الممارسة والتكرار. (2) إدراك النتائج المترتبة على تعلم المهارة. (3) التوجه إلى من يعين على تعلم المهارة. (4) توفر القدوة الحسنة التي تعين على تعلم المهارة. (5) التشجيع...

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها...

علم الاجتماع العائلي| مدخل نظري

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى تعريف علم الاجتماع العائلي: v     وليم كوود: "هو العلم الذي يدرس الجذور الاجتماعية للعائلة، وأثرها في المجتمع والبناء الاجتماعي" [1] . v     رونالد فليجر: "العلم الذي يدرس العلاقة المتفاعلة بين العائلة والمجتمع" [2] . v     تالكوت بارسونز: "العلم الذي يدرس العائلة دراسة اجتماعية، ودراسة أنساقها العمودية والأفقية، ونظم الاتصال الموجودة فيها مع نظامي السلطة والمنزلة" [3] . v   "أحد فروع علم الاجتماع العام، يهتم بدراسة الأسرة وما يتعلق بها من ظواهر؛ بهدف تفسيرها وتحليلها، ودراسة مشكلات الأسرة بهدف حلها أو الحد منها". أهداف علم الاجتماع العائلي [4] : 1.     تقوية علاقة الفرد بالأسرة من جهة، والمجتمع المحلي من جهة أخرى. 2.     دراسة المشكلات الأسرية؛ بهدف حلها أو الحد منها بطرق علمية واقعية. 3.     جعل الأسرة متكيفة مع التغيرات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع. 4.     تعميق وعي الأسرة بأدوارها الأساسية و...