كيف تجيب على أسئلة الطفل المحرجة؟

د. بسام أبو عليان
محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى

من عمر عامين إلى ستة أعوام تكثر أسئلة الطفل، لذلك يسميها علماء النفس بمرحلة السؤال. كثرة الأسئلة في هذه المرحلة تعد مؤشرًا إيجابيًا على النمو العقلي السليم. تشكل الأسئلة في هذه المرحلة (10-15%) من حديث الطفل، حيث يكثر من استخدام أدوات السؤال: (ماذا، لماذا، متى، كيف، أين، مَن؟). بعض أسئلة الطفل أطلق عليها "الأسئلة المُسكِتة". حيث تجد الكبار على ما يتمتعون به من فصاحة وطلاقة اللسان، إلا أنهم حينما يسمعون أسئلة الطفل المحرجة المفاجئة تجدهم يصمتون صمت الدهشة والاستغراب. لا يستطيعون الإجابة، ولا يتصرفون حيالها بشكل طبيعي. فتجد أحدهم يجيب إجابة خاطئة، وثاني يتهرب من الإجابة، وثالث يحمر وجهه خجلًا، ورابع يتلعثم في الحديث، وخامس ينهر الطفل، وسادس يضحك، وسابع يوجه الطفل إلى شخص آخر ليجيبه. من هذه الأسئلة: أين الله وما شكله؟، هل الله مثلنا؟، لماذا نعبد الله؟، أين الجنة وما شكلها؟، لماذا مات فلان؟ وأين نذهب بعدما نموت؟، لماذا خلق الله الأشرار؟، لماذا خلق الله الحشرات طالما تضرنا؟، ماما لماذا لا ألد مثلك؟، ماما من أين أتيت؟، ماما كيف دخلت أختي لبطنك؟، البنت تسأل: ماما لماذا ليس لي عضو ذكري مثل أخي؟، عمو لماذا أنت سمين؟، عمتو لماذا في وجهك نقط (يقصد النمش)؟، خالتو لماذا ماما تكرهك؟...إلخ.

لم يقصد الطفل بهذه الأسئلة إحراج الكبار، إنما لكل سؤال دافع. من هذه الدوافع: حب الاستطلاع، يريد الطفل أن يستطلع ويستكشف الأشياء والأحداث من حوله. أو يسأل بدافع القلق والخوف، فيسأل طلبًا للأمن ممن يسأله؛ ليدفع خوفه. أو يسأل ليبين لمن حوله أنه أصبح يتقن اللغة ويتباهى بقدرته على التعبير، فيسأل لممارسة الكلام، وليس لطلب إجابة. وقد يسأل ليجذب انتباه الآخرين إذا شعر أنهم أهملوه، كأنه يقول لهم: (أنا هنا.. اهتموا بي).

أيًا كان دافع السؤال يجب الإجابة على أسئلة الطفل واستفساراته بشكل صحيح وبسيط يتماشى مع عمره حتى يستوعبها بشكل جيد. وعدم التهرب من الإجابة، فالتهرب يدفع الطفل للبحث عن إجابة من مصادر أخرى قد تكون خاطئة. ومعرفة الدافع الحقيقي للسؤال، وعدم اعتبار الأسئلة تعبيرًا عن الثرثرة، وعدم الضجر، ـ قدر الإمكان ـ، من كثرة الأسئلة.

لأسئلة الطفل فوائد، منها: تنمي ثروته اللغوية، وتعلمه مهارات التواصل مع الآخرين، وتمنحه الثقة في نفسه، وتكسر حاجز خوفه من الآخرين.

هذه طائفة من أسئلة الطفل وكيف يمكن الإجابة عليها:

ما شكل الجنة؟ الجواب: بداية اعلم أن الطفل في هذا العمر لا يدرك الغيبيات، لكنه يدرك الأشياء المادية المحسوسة. لذا أجبه بما يقنعه، وله شبيه بالمحسوسات التي يعرفها. الجنة مكان جميل واسع فيه أشجار خضراء، وطعام لذيذ، وعصير، وفواكه، وألعاب، وملابس جميلة أعدها الله للمؤمنين، يعيشون فيها سعداء. ربما لو ذهب الطفل لحديقة جميلة سيقول لك: هذه هي الجنة؟. ستجيبه: الجنة كذلك، لكنها أكبر وأجمل.

الطفل: إذا كان الله يحبنا، لماذا تحدث لنا أشياء سيئة؟ الجواب: الله يبتلينا ليعرف الحسن من السيئ.

أكثر الأسئلة إحراجًا للوالدين هي الأسئلة الجنسية. في بعض الأحيان يجاب عليها بشكل خاطئ فترسخ في ذهنه، أو يبحث عن إجابتها من مصادر غير آمنة وغير صحيحة فيحصل على إجابات مشوهة ومغلوطة. خذ مثالًا على ذلك: بعض الأمهات سئلن: من أين أتيت؟ فكانت إجاباتهن على النحو الآتي: (من البيضة، من السماء، من الحائط). فالطفل حينئذ سيعتقد أن كل البيض الذي في الثلاجة سيفرخ له بأخوة وأخوات. وقطرات المطر النازلة من السماء ستنبت له أخوة! المسألة ليست بهذا التعقيد، إجابة السؤال بسيطة جدًا: (من أين أتيت؟ من بطن ماما).

البنت: ماما لماذا لا ألد مثلك ؟ الجواب: عندما تكبرين ستتزوجين، وتلدي.

لماذا يتزوج الرجل والمرأة؟ الجواب: لأن كل بيت يجب أن يكون فيه رجل، وامرأة.

إذا سأل الطفل عن أعضائه التناسلية. ينصح تسميتها بأسمائها العلمية، مثل: (قضيب، مهبل، فرج، مؤخرة، ثدي)، والابتعاد عن الأسماء الدارجة التي يستعملها البعض في الشتيمة. وإذا سأل الطفل عن كلمة سيئة سمعها لها دلالات جنسية، يجب تصحيح معلوماته، وإخباره أنها سيئة، وتوضيح المعنى الصحيح.

إذا لمس الطفل أعضائه التناسلية، ينصح أفراد الأسرة ألا ينهروه أو يضربوه. فالطفل يرغب في التعرف على جسمه، أو قد يكون متأذيًا أو يشعر بحكة. وتنبيه الطفل أنه لا يليق لمس الأعضاء التناسلية في الأماكن العامة وأمام الناس. فكشف العورة سلوك خاطئ.

خلاصة القول: تعامل الأسرة مع أسئلة الطفل تلك يجب ألا يسبب لها حرجًا. فالطفل بحاجة لمَن يجيب على أسئلته. ينصح الوالدين بالحديث مبكرًا مع الأطفال حول تلك المواضيع قبل ذهابهم إلى المدرسة؛ حتى لا يتعرضوا للتحرش الجنسي، أو يستغلوا جنسيًا. ويجب أن يكون الوالدان هما المرجع الرئيسي للطفل حتى يأخذ منهما الإجابة الصحيحة. ولا يكون ذلك إلا إذا منحا الطفل الثقة وقبلا أسئلته بصدر رحب.