التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خدمة الجماعة| أساسيات خدمة الجماعة - ج1

 

د. بسام أبو عليان
محاضر بقسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى

أساسيات خدمة الجماعة

تعريف خدمة الجماعة:

خدمة الجماعة هي إحدى طرق الخدمة الاجتماعية، تعتمد في عملها على "الجماعة" كوحدة أساسية، تسعى من خلالها إلى تنمية شخصية الفرد باعتباره عضوًا في الجماعة، وتساعده على تحقيق تكيفه واندماجه مع محيطه الاجتماعي من خلال تفاعله مع أعضاء الجماعة تأثيرًا وتأثرًا، ومن خلال الجماعة يتعلم الفرد أنماط السلوك المختلفة، ويكتسب المهارات الحياتية المتنوعة، وتغرس فيه القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية، ويتعلم المبادرات الاجتماعية، والعمل التطوعي، ويكوِّن اتجاهاته تجاه قضايا ومشكلات المجتمع... إلخ، كل ذلك ليكون عضوًا إيجابيًا وفعالًا في المجتمع. لتحقيق هذه الغايات توظف خدمة الجماعة الإمكانيات المتاحة في كل من الفرد، والجماعة، والمؤسسة الاجتماعية، والمجتمع.

لم تقتصر ممارسة خدمة الجماعة على مجال محدد، بل تمارس في مجالات اجتماعية كثيرة، منها: الأطفال، والمراهقين، والشباب، والمرأة، والمسنين، والمعاقين، والمرضى النفسيين، والمرضى العقليين، والسجناء، والأحداث، وأطفال الشوارع، والمدمنين... إلخ. كما تمارس في مؤسسات اجتماعية مختلفة إيوائية، ونهارية، وتربوية، وتعليمية، وثقافية، واجتماعية، وترويحية. وتمارس في مؤسسات رعاية المسنين، والدفاع الاجتماعي، والسجون، ورعاية الأيتام، ورعاية المعاقين، ورعاية الشباب، والمستشفيات النفسية والعقلية، والمدارس، وخدمات الأسرة.

لم تحصر خدمات خدمة الجماعة على البعد الترويحي كما هو شائع بين الناس، بل لها أبعاد أخري، هي: الاجتماعي، والتنموي، والعلاجي، والتربوي.

رغم ما سبق لم يتفق الباحثون على تعريف واحد لطريقة خدمة الجماعة، لذلك تعددت التعريفات العربية والأجنبية، منها:

v  ولسن ورايلاند: "عملية وطريقة يؤثر بواسطتها الأخصائي الاجتماعي في حياة الجماعة عن طريق توجيه عملية التفاعل نحو الوصول إلى الأهداف السائدة في المجتمع".

v  إلين كلين: "طريقة لمساعدة الناس على النمو من خلال الخبرة الجماعية؛ حتى يستطيعوا أن يسهموا بفعالية في إثراء حياة المجتمع".

v    أنيس عبد الملك: "عملية وطريقة للعمل مع الأفراد في جماعات داخل مؤسسة اجتماعية وتوجيه رائدها عن طريق برنامج يتفق وحاجات وقدرات وميول أعضاء الجماعة".

يمكنني تعريف خدمة الجماعة: "إحدى طرق الخدمة الاجتماعية، تعمل مع الجماعة بهدف مساعدة أعضائها على اكتشاف مهاراتهم وقدراتهم، والعمل على تطويرها وتنميتها؛ ليصبحوا قادرين على التعرف على مشكلاتهم، ومواجهتها، وفاعلين ومنتجين في المجتمع".

تعريف الطريقة:

"هي سلسلة إجراءات مرتبة، ومنظمة، ومخططة تسعى إلى تحقيق هدف ما".

عناصر الطريقة:

1.  المعرفة: مستمدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية التي لها علاقة بالخدمة الاجتماعية، مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس، والصحة النفسية، والانثروبولوجيا، والفلسفة... إلخ.

2.    الفهم: أي فهم الجماعة، وأعضائها، والمؤسسة الاجتماعية، والمجتمع.

3.    المبادئ: هي القواعد التي تلتزم بها الممارسة المهنية في خدمة الجماعة.

4.    المهارات: تعتمد على قدرات الأخصائي الاجتماعي المعرفية والمهنية.

تعريف العملية:

"هي عملية التفاعل بين شخصين أو أكثر".

خصائص مفهوم العمل مع الجماعات:

1.    الجماعة هي وحدة العمل الأساسية في خدمة الجماعة.

2.    العمل مع الجماعات يتضمن تفاعل اجتماعي موجه؛ بهدف نمو أعضاء الجماعة.

3.    تمارس خدمة الجماعة في مؤسسات الرعاية الاجتماعية المختلفة.

4.    يستخدم البرنامج كوسيلة لتحقيق أهداف الجماعة.

5.    تسعى خدمة الجماعة إلى تحقيق أهداف الفرد، والجماعة، وتغيير المجتمع.

التطور التاريخي لخدمة الجماعة:

ليس من دقيق القول بأن بدء الاهتمام بدراسة الجماعة كان في القرنين الأخيرين، بل الاهتمام بالجماعة كان أبعد من ذلك بكثير، فما من عصر من العصور إلا وقد حظيت الجماعة بقدر من الاهتمام، لكن نقول بأن البذور الأولى لظهور خدمة الجماعة كانت في القرن التاسع عشر، حيث استمدت بداياتها الأولى من الأنشطة الترويحية، والمباريات الرياضية، والألعاب الجماعية، والمهرجانات، ثم انتشرت في أمريكا والدول الغربية بفضل جهود المحلات الاجتماعية، والأندية، والمدارس الخاصة التي اهتمت بموضوعات تثقيف الكبار في مجالات (الفن، والتاريخ، وقوانين العمل، والموضوعات الاقتصادية).

في سنة (1844م): أقام "جورج ويليامز" أول جمعية للشبان المسيحيين في انجلترا؛ لتعليم الشباب أسلوب الحياة المسيحية، وإرجاعهم إلى التعاليم الدينية.

في سنة (1851م): أسس في مدينة بوسطن الأمريكية أحد ضباط البحرية أول جمعية للشباب، قدمت خدماتها للشباب الذين هاجروا إلى المدينة حديثًا بحثًا عن فرص عمل. بعد نجاحها انتشر مثل هذه الجمعيات في أمريكا، التي سعت إلى تحسين الجوانب الروحية والعقلية لدى الشباب.

في سنة (1860م): أقمن مجموعة سيدات في مدينة هارتفورد أول نادي للصبيان، قدم خدمات ممارسة الألعاب الرياضية، والموسيقى، والتمثيل.

في سنة (1866م): أقيمت جمعية للشابات المسيحيات.

في سنة (1874م): قدمت الحركات العمالية خدمات مهمة للعمال كتعليم الكبار.

في سنة (1882م): أنشئت الملاعب العامة.

في سنة (1884م): أنشئت المحلات الاجتماعية، كان أولها محلة توبيني في لندن التي تعاملت مع الناس مباشرة، وقد اهتمت بتحسين ظروفهم المعيشية، ودراسة أحوال الأحداث المنحرفين، وتحسين ظروفهم الحياتية.

في سنة (1887م): أنشئ في نيويورك أول محلة اجتماعية، هدفت إلى تحسين الحالة الصحية للفقراء، والمهاجرين، والعمال غير المهرة النازحين إلى المدن الصناعية.

في سنة (1910م): أسست أول جمعية كشفية لتدريب الصغار على الطاعة، والنظام، وضبط النفس، واحترام العمل. وتوفير الخدمات الصحية لهم. وبعد فترة وجيزة أقيمت حركة الفتيات والمرشدات، التي كان لها نفس الأهداف.

في سنة (1923م): بدأ تدريس خدمة الجماعة في جامعة "ويستون ريزيوف".

في أوائل ثلاثينات القرن الماضي تطورت طريقة خدمة الجماعة؛ بفضل تقدم المشتغلين في العلوم الاجتماعية، حيث كان لإنشاء الجمعية الأمريكية لدراسات العمل سنة (1936م) فضل في توضيح أهداف الممارسة مع الجماعات. وكان لـ "ليندمان" فضل في توضيح أهمية الجماعة، والخبرات الجماعية من خلال مهنة الخدمة الاجتماعية.

في سنة (1940م): شكلت الجمعية الأمريكية لمدارس الخدمة الاجتماعية لجنة لدراسة تطور العمل مع الجماعات، وانتهى تقريرها إلى اعتبار العمل مع الجماعات طريقة أساسية من طرق الخدمة الاجتماعية.

في سنة (1946م): عقد المؤتمر القومي للخدمة الاجتماعية في نيويورك الذي اعترف رسميًا بخدمة الجماعة، حيث أكد على أهمية العمل مع الجماعات، لاسيما جماعات المعاقين.

كما برزت كتابات أساتذة خدمة الجماعة التي تحدثت عن الجماعة العلاجية مع الأطفال، واستخدام الجماعة كأداة للتشخيص في المؤسسات العلاجية. مثل: "جريس كويل" الذي وضع كتابًا بعنوان: "خدمة الجماعة مع الشباب الأمريكي" سنة (1948م)، و"ولسن وريلاند" الذي وضع كتابًا بعنوان: "ممارسة خدمة الجماعة" سنة (1949م)، و"تريكر" الذي وضع كتابًا بعنوان: "خدمة الجماعة مبادئها وممارستها"، و"جيزلا كونيكا" التي وضعت كتابًا بعنوان: "خدمة الجماعة العلاجية مع الأطفال".

ثم تطورت مجالات ممارسة خدمة الجماعة، فلم تعد يقتصر على المجال الترويحي، بل صارت تمارَس في مجالات مختلفة، داخل وخارج المؤسسات الاجتماعية. وقد حددت الوظائف الأساسية لأخصائي الجماعة، تمثلت في:

v    العمل مباشرة مع الجماعة في المؤسسات الاجتماعية.

v    القيام بدور استشاري للعمل مع الآباء والأمهات.

v    الإشراف على برامج الترويح والبيئة المحلية.

v    العمل مع المتطوعين.

v    عضو في فريق العلاج، يسهم في كافة العمليات.

v    التمتع بمهارات المشاركة، والملاحظة، والتوجيه.

v    المساهمة في حل مشكلات أعضاء الجماعة، وتنمية شخصياتهم.

v  ضرورة الربط بين الجانب المهني والمعرفي، فالمعرفة تختلف من مجال لآخر من مجالات خدمة الجماعة. فأخصائي المدرسة له تدريب ومعرفة يختلفان عن الأخصائي الذي يتعامل مع المتخلفين عقليًا.

وفي سنة (1951): أدمجت الجمعية الأمريكية لأخصائيي العمل مع الجماعات في الجمعية القومية للأخصائيين الاجتماعيين. وقد أكدت على وظائف أخصائي الجماعة السابقة، واختزلتها في أربعة وظائف، هي:

v    العمل المباشر مع الجماعات في المؤسسات الاجتماعية.

v    تقديم استشارات للوالدين.

v    الإشراف على البرامج والأنشطة الترويحية.

v    العمل مع المتطوعين.

وظهر اتجاه قاده "ريدل، ووانيمان" أكد على اعتبار الجماعة أداة في المؤسسات العلاجية. حيث صار الاهتمام بخدمة الجماعة من ثلاثة جوانب، هي:

v    الجانب المعرفي: يتعلق بطريقة خدمة الجماعة.

v    الجانب المهاري: يتعلق بالممارسة المهنية.

v    الجانب القيمي والاتجاهات.

كما ميز "ريدل" بين ثلاث مراحل لتطور العمل من خلال المؤسسات:

(1) المرحلة الأولى: سيطرة الشعور بعدم الفائدة من العمل في مؤسسات لا تنتج مجالات جديدة.

(2) المرحلة الثانية: امتدت من سنة 1936م حتى بداية الحرب العالمية الثانية، حيث كان الاهتمام منصبًا على الفقراء، والمرضى العقليين.

(3) المرحلة الثالثة: بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، في هذه المرحلة قدمت المؤسسات خدمات خاصة، وفيها استخدم مصطلح "العلاج المؤسسي".

وعالج "روبرت فتتر" تطور طريقة خدمة الجماعة من خلال التركيز على ثلاثة مفاهيم أساسية، هي:

v    تحقيق المجتمع الديمقراطي: بيان أهمية استخدام الجماعة الصغيرة لتحقيق ذلك، من منطلق التجاوب مع قلق المجتمعات من الحروب، وتركيز السلطة.

v    التنشئة الاجتماعية: تهتم بتنمية مهارات الفرد وخبراته، حيث تعد خدمة الجماعة طريقة للتعليم غير الرسمي.

v    تحقيق أهداف علاجية تأهيلية: عن طريق الحياة الجماعية في الجماعات الصغيرة، والعمل على التغيير من خلال التفاعل الاجتماعي.

المرجع| بسام محمد أبو عليان، خدمة الجماعة، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2021، ص9-16.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها...

الممارسة المهنية مع الأفراد والعائلات| العلاقة المهنية

مدرس المساق| أ. بسام أبو عليان محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى العلاقة المهنية: استخدمت مصطلحات عديدة تصف جوهر العلاقة المهنية، منها: (التبادل العاطفي، والوسيط، والارتباط المهني، والمقابلة المهنية، والعملية المتبادلة). أطلقت العديد من الأوصاف التي تحدد هدف العلاقة المهنية، منها: (تطوير الشخصية، وحل أفضل لمشكلات العميل، ووسيلة لتنفيذ الوظيفة). خصائص العلاقة المهنية: 1.   مرحلية: تمر العلاقة المهنية في ثلاث مراحل: (البداية) يغلب عليها الخوف والقلق والتوتر من جانب العميل، ثم (الوسط) يغلب عليها العمل وتنفيذ الخطة العلاجية، أخيراً (النهاية) يغلب عليها نفس مشاعر البداية، لكنها خوف العميل من الانفصال عن الأخصائي الاجتماعي. 2.     قيادية ـ تبعية: تكون القيادة للأخصائي الاجتماعي، والتبعية للعميل. 3.     موضوعية: تخلو من التحيز للون، أو الجنس، أو الدين، أو السكن... إلخ. 4.     مؤسسية: لا تتشكل ولا تنمو العلاقة المهنية إلا في إطار المؤسسة الاجتماعية. 5.   مؤقتة: للعلاقة المهنية وقت بداية ونهاية. تبدأ باتصال العميل با...