التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رسالة إلى الوالدين الذين يصدرون بناتهم عرائس إلى الخارج

 

د. بسام أبو عليان
أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى

ظاهرة بدأت تنتشر في مجتمعنا الغزي بشكل واضح وملموس، وهي: "تصدير البنات عرائس إلى الخارج". هذه الظاهرة أضرارها وسلبياتها أكثر من منافعها وإيجابياتها.

نأخذ المسألة من البداية. الشاب الأعزب سافر إلى خارج فلسطين (دولة عربية أو أجنبية)، وهناك حصل على فرصة عمل، وكوَّن نفسه، بعد فترة رأى نفسه مؤهلًا ماديًا للزواج، فرغب به؛ ليستقر نفسيًا، واجتماعيًا، ويكوِّن أسرة، هذا من جهة. من جهة أخرى لا يرغب بالزواج من فتيات المجتمع الذي يقيم فيه، إنما يرغب بالزواج من فتيات مجتمعه؛ لأنهن أقرب له في الطباع، والثقافة. فيوكِّل أسرته (أمه، وأخواته تحديدًا) للبحث عن عروس مناسبة. في هذه الحالة فريق البحث الميداني يبحث عن عروس وفق معاييره ومواصفاته هو، وليس وفق معايير ومواصفات الشاب الراغب في الزواج. (هذا الخطأ الأول على طريق زواج فاشل).

بعد عملية المسح الاجتماعي عن عروس. إنْ عثروا على فتاة مناسبة تتم طقوس وإجراءات الخطبة التقليدية والرسمية. في الغالب لا يرجع الشاب إلى بلده لرؤية الفتاة، والتعرف عليها، وقضاء فترة الخطبة في بلده، إنما يكتفى بتقرير وتقييم فريق البحث الميداني (أمه، وأخواته)، أو زيارة صفحات الفتاة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تُرسَل له صورة شخصية مفلترة لا تمت إلى الواقع والحقيقة بصلة. ويحدث التعارف بين الخاطب والمخطوبة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. في الغالب هذه المحادثات يغلب عليها الشك، والخجل، والحياء في بداية الأمر. إنْ كسر هذا الحاجز وقويت العلاقة بينهما فهي تبقى في إطار المجاملات، وسُكْر الخطَّاب، بعيدًا عن الصراحة، واكتشاف حقيقة شخصية الطرف الآخر، فكلاهما شخصية مجهولة بالنسبة للآخر، ومما يزيد الطبن بلة، "قِصَر فترة الخطبة"، بمعنى عدم وجود الوقت الكافي لتحقيق التعارف والانسجام بين الخطيبين. (هذا الخطأ الثاني على طريق زواج فاشل).

غالبًا تأتي موافقة أهل الفتاة لزواج ابنتهم من شاب مغترب انطلاقًا من حسابات مادية بحتة فقط، ولا يوجد أي اعتبار للبُعد النفسي، والاجتماعي، والأسري للزواج. بمعنى: هم وافقوا، ورغبوا بتزويج ابنتهم من شاب مغترب؛ لأن له دخل ثابت أو عال، ويقيم في بلد مستقر بعيدًا عن أزمات ومشكلات المجتمع الغزي. (هذا الخطأ الثالث على طريق زواج فاشل).

لماذا هذا الزواج أضراره وسلبياته أكثر من منافعه وإيجابياته؟.

1- قِصَر فترة الخطبة من جهة، والتعارف بين الخطيبين عن بُعد من جهة أخرى، بالتالي لم يستطلع كل منهما شخصية الآخر.

في فترة الخطبة يتعرف الخطيبان على بعضهما، فيحدث بينهما لقاءات، وزيارات، والمواقف الاجتماعية بينهما تكون بين مد وجزر، ويكون الود، والمشاحنة، والرضا، والزعل. كل هذا يزيح الستار عن جوانب معينة من شخصية كل منهما. هذا لم يتوفر إطلاقًا في خطبة التباعد، وخطبة الوكيل، وخطبة مواقع التواصل الاجتماعي. بالتالي فإن مؤشر عدم استقرار الزواج سيكون عاليًا.

2- سنة أولى زواج سنة اضطراب أسري، وليست كما يروج لها في المسلسلات، والأفلام، والروايات بأنها فترة استقرار أسري، ورومانسيات عالية وكبيرة.

بعد أن يجمع الزوجان بيت واحد يبدأ في الظهور الجوانب الحقيقية لشخصية كل منهما التي كانت مخفية في فترة الخطبة، خاصة مع اختلاف البيئات الاجتماعية، ونمط التنشئة الاجتماعية، والثقافة، والطباع، وإدارة الأمور المالية، والعلاقات الاجتماعية والقرابية... إلخ. في فترة الاضطراب هذه تلجأ الفتاة لأسرتها، فتجد من يوجهها، وتأخذ منهم الدعم النفسي. لكن لو كانت مغتربة من أين ستجد هذا الدعم النفسي؟!. إن قلت لي: من خلال اتصالات مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها لا تسد هذه الثغرة، ولا توفر الدعم المطلوب للابنة.

3- كل واحد منا حين يتقدم شاب لخطبة ابنته يسأل عن تدينه وأخلاقه قبل إبداء الموافقة، فنخلص إلى أنه ملاك يمشي على الأرض. بعد الزواج نكتشف أنه شيطان في هيئة إنسان. قد يكون منحرفًا أخلاقيًا وسلوكيًا، أو لا يوجد له بيت مستقل، أو لا يوجد له دخل حقيقي، أو تزوج وطلَّق أكثر من مرة... إلخ. هذا وهو عندنا. كيف بمن هو في الخارج وليس لدى أهل الفتاة معلومات عنه إلا ما صرحت بها أسرته! بدون شك سنكون الصدمة أكبر، والتدليس أعمق وأشد.

4- إن مرضت الابنة، أو كان حملها متعبًا، أو عندما تضع مولودها في الغالب تلجأ إلى أمها وأخواتها؛ ليساندنها. إن كانت في الخارج من سيكون بجانبها؟، من سيهتم بها ويرعاها نفسيًا واجتماعيًا؟. خاصة أن أغلب الأزواج في الخارج يكون الدافع المادي والتزامات العمل في مقدمة اهتمامه، وتكون العلاقات الزوجية في الدرجة الثانية من اهتمامه، فيترتب عليها مشكلات أسرية كثيرة، ومتكررة، ومتنوعة.

بناءً على ما سبق، لا أنصح بتصدير عروس جديدة للخارج للزواج من شاب لا تعرفه هي ولا أسرتها عن قرب، ففرص استقرار هذا الزواج ضعيفة جدًا. لكن لو تزوج الشاب في بلده، ومضى على زواجه سنوات، يكون فقد عرفت طباعه، ونمط إدارته للأسرة، وطبيعة علاقاته بزوجته إن كان ودودًا، أو ضرابًا، أو منحرفًا، أو بخيلًا، أو مسرفًا... إلخ. فإن كانت الأخلاق الطيبة هي الغالبة، وزواجه مستقرًا، ورغب بالسفر هو وزوجته وذريته إلى الخارج يكون الأمر مطمئنًا أكثر، مما لو صدّرت الفتاة إلى شاب لا تعرفه ولا يعرفها.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثروبولوجيا| علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى

علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى على الرغم من الاعتراف بالأنثروبولوجيا كعلم مستقلّ بذاته، يدرس الإنسان من حيث نشأته وتطوّره وثقافته، فما زال علماء الإنسان يختلفون حول تصنيف هذا العلم بين العلوم المختلفة، فيرى بعضهم أنّه من العلوم الاجتماعية، كعلم النفس والاجتماع، ويرى بعضهم أنّه من العلوم التطبيقية كالطب، ويرى بعضهم أنّه من العلوم الإنسانية كالفلسفة. أولاً| علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأحياء (البيولوجيا):   يتناول علم الأحياء دراسة الكائنات الحيّة. فهو يعرّف: "العلم الذي يدرس الإنسان كفرد قائم بذاته، من حيث بنية أعضائه وتطوّرها". يرتبط علم الأحياء بالعلوم الطبيعية، لا سيّما علم وظائف الأعضاء والتشريح. وتدخل في ذلك، نظرية التطوّر التي   تقول بأن أجسام الكائنات الحيّة ووظائف أعضائها، تتغيّر باستمرار ما دامت هذه الكائنات تتكاثر، قد تكون أرقى من الأجيال السابقة، كما عند الإنسان. كما تستند هذه النظرية إلى أنّ الإنسان بدأ كائناً حيّاً بخلية واحدة، تكاثرت   إلى أن انتهى إلى ما هو عليه الآن من التطوّر العقلي والنفسي والاجتماعي. وهذا ما دلّت عليه بقايا عظام الكائن...

خدمة الجماعة| مهارة التسجيل لدى أخصائي الجماعة

  د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى مهارة التسجيل: تعريف التسجيل: "هو تدوين الحقائق والأحداث كما وقعت؛ للرجوع إليها في المستقبل وقت الحاجة، وللإلمام بالموضوعات المختلفة". أهداف التسجيل: 1-      حفظ المعلومات من النسيان والضياع، ويمكن الرجوع لها وقت الحاجة إليها. 2-   دراسة الفرد في الجماعة كوحدة قائمة بذاتها من حيث نمط الشخصية، ومشكلاته الخاصة، وقدراته، وميوله، ومدى تفاعله مع برامج وأنشطة الجماعة. 3-      تفسير المواقف الاجتماعية المختلفة داخل الجماعة. 4-      إدراك الأخصائي الاجتماعي لذاته، فالتسجيل يساعده على نقد ذاته؛ لتطوير أدائه المهني. 5-      تقييم الخدمات المؤسسية. 6-      المساعدة في تصميم وتقييم برامج المؤسسة. 7-      قياس نمو وتطور الجماعة. 8-      المساعدة في الدراسة والبحث. 9-      تساعد أخصائي الجماعة لتقديم خدمة أفضل إلى الفرد والجماعة. 10-     ...

الانثروبوبوجيا| مفهومها ونشأتها

مفهوم  الأنثروبولوجيا : لفظ أنثروبولوجيا  Anthropology ، كلمة إنكليزية مشتقّة من أصل يوناني مكوّن من مقطعين: أنثروبوس Anthropos   ، معناه "الإنسان"، ولوجوس  Locos ، معناه "علم". وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ "علم الإنسان" أي العلم الذي يدرس الإنسان. تعرّف الأنثروبولوجيا: العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظلّ ثقافة معيّنة، ويقوم بأعمال متعدّدة، ويسلك سلوكاً محدّداً؛ وهو علم الذي يدرس الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبّؤ بمستقبل الإنسان. وتعرف الأنثروبولوجيا أيضاً، علم الأناسة. وتعرّف: "علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً". طبيعة الأنثروبولوجيا : الشعوب الناطقة بالإنكليزية، تطلق على علم الأنثروبولوجيا: "علم الإنسان وأعماله"، بينما \البلدان الأوروبية غير الناطقة بالإنكليزية، تطلق عليه "دراسة الخصائص الجسمية للإنسان". علم الأنثروبولوجيا يعني في: ·          فرنسا: الأنثروبولوجيا الفيزيقية، يعنو...