تعدد الزوجات.. رؤية شرعية اجتماعية
يعد
تعدد الزوجات من الموضوعات التي يتخذها البعض (عربًا، وعجمًا)
ذريعة للتهجم على الإسلام، على اعتبار أنه يمثل صورة من صور اضطهاد المرأة،
وانتهاكًا لحريتها، وتقليلًا لمكانتها، وامتهانًا لشخصها، واعتبارها رمزًا لقضاء
الشهوة، غير أن التعدد ليست بدعًا من الإسلام، بل هو معروف في الحضارات القديمة
منذ قرون مديدة، مثلًا: في الحضارة الفرعونية كان الملك يعدد ولا يوجد سقف يقيد
التعدد، وعرفت اليهودية التعدد، فجاء في التوراة أن سليمان u له (700) امرأة و(300) من السراري، وذكر رسول
الله r أن
لسليمان u (100) أو(99).
أورد
"نيوفيلد": "إن التوراة والتلمود أباحا تعدد الزوجات، ولم يجعلا له
قيودًا ولا حدودًا".
عرفت
المسيحية التعدد الذي أخذته عن اليهودية، فلم يرد نصًا قاطعًا في المسيحية يمنع
الزواج أو التعدد، أما رهبنة النصارى من تحريفهم وصنيعهم، وليست أصلًا من أصول
المسيحية، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}.
أباح
"مارتن لوثر" التعدد، وأثنى عليه، ورأى أنه لا يتعارض مع الشريعة
المسيحية.
ذكر
المؤرخ "مارك" أن تعدد الزوجات كان موجودًا في أوربا إلى عهد غير بعيد.
عرف
العرب في الجاهلية التعدد. وعليه، فإن ما فعله الإسلام هو تنظيم المسألة وتقنينها.
{فَانكِحُواْ مَا طَابَ
لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}.
شروط تعدد
الزوجات في الإسلام:
1.
العـدد:
بيّنت آنفًا أن تعدد
الزوجات عرف في الحضارات والديانات السابقة، ولم يقيده عدد محدد، لكن الإسلام قيّده
وجعل أعلاه أربع زوجات. بعض الصحابة كانوا من المعددين في الجاهلية بأكثر من أربع
زوجات، بعد اعتناقهم الإسلام خيّرهم رسول الله r بالإبقاء على أربع زوجات،
وتطليق ما يزيد على ذلك، فقد ذُكِر أن قيس بن ثابت t عندما أسلم كان في عصمته (8) زوجات، وكان في عصمة غيلان
بن سلمة الثقفي t (10) زوجات، فأمره رسول الله r بأن يقتصر كل واحد منهما
على أربع زوجات فقط، ويطلق الأخريات.
2.
النفقـة:
تشمل
النفقة كل ما تحتاجه الزوجة من الماديات كالطعام، والشراب، واللباس، والسكن، والعلاج...
إلخ. لذا، لابد للراغب في الزواج أن يكون قد أمّن مصدرًا للدخل، وإن لم يكن لديه
فلا يتعجل في طلبه؛ لأن النفقة واجبة على الزوج. قال r:
"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج".
حينما
سئل r عن
حق الزوجة على زوجها، قال: "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب
الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
إذا
كانت تلك التوجيهات خاصة بمن يريد الزواج من واحدة، فهي أولى بحق المعدد، ومما ورد
على لسانه r في
حجة الوداع: "ألا واستَوْصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هنَّ عَوانٍ عندَكُم...
ألا وحقُّهنَّ عليكم: أن تُحسِنوا إليهنَّ في كسوتِهِنَّ وطعامِهِنَّ".
وقوله:
"كفى إثمًا أنْ تحبِسَ عمن تملِكُ قُوتَهُ".
3.
العـدل:
اشترط
الإسلام في التعدد تجسيد مبدأ العدل بين الزوجات، ولم يجعل التعدد أمرًا لازمًا
وواجبًا، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}.
الأصل
في الزواج التعدد، لكن إن خشي الرجل على نفسه من عدم إقامة العدل بين زوجاته، فليقصر
على واحدة. في موضع آخر بيّن الله تعالى أن المعدد مهما حرص على العدل بين زوجاته لا
يستطع إلى ذلك سبيلًا، فقال: {وَلَن
تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ
حَرَصْتُمْ}.
العدل
الذي أشارت له الآية هو (العدل المادي)، أي المتعلق بالمأكل، والملبس، والمسكن،
والعشرة، والإنفاق. من لم يعدل في هذه الأمور أثم؛ لأن بإمكانه التحكم فيها
وضبطها، ولم تقصد العدل المعنوي (الحب، والمشاعر)؛ لأنه ليس بإمكان ضبطها، فالقلوب
متقلبة والمشاعر متغيرة لا تثبت على حال، ربما يميل الزوج اليوم للزوجة الأخيرة
أكثر من الأولى، وربما في قابل الأيام تنقلب الموازين، ويميل للأولى أكثر من
الأخيرة. قال r:
"ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه".
بل
اعتذر إلى الله تعالى كونه لا يستطيع ضبط العدل المعنوي بين زوجاته، فقال:
"اللهمَّ هذا قسمِي فيما أملكُ، فلا تلُمنِي فيما تملكُ ولا أملكُ"؛
كونه يميل إلى عائشة أكثر من بقية زوجاته. هذا الشق من العدل
يصح فيه قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}،
أما في الجانب المادي فقد كان رسول الله r
حريصًا على العدل بين زوجاته، من صور العدل المادي المحمدي: جعل لكل زوجة ليلة، حتى
في مرضه الأخير (مرض موته)، عندما اشتد به المرض ورغب في البقاء في بيت عائشة أخذ
الإذن من زوجاته.
عن
أنس t قال: "كان للنبيِّr تسعُ نسوةٍ. فكان إذا قسم بينهنَّ لا ينتهي إلى
المرأةِ الأولى إلا في تسعٍ".
وعند
السفر يقرع بين زوجاته ليختر منهن رفيقته، قالت عائشة: "كان رسولُ اللهِ r
إذا أرادَ سفرًا أَقْرَعَ بينَ أزواجِه، فأيَّتُهنَّ خرَجَ سهمُها خرَجَ بها رسولُ
اللهِ r معه".
شدد
رسول الله r على
مسألة العدل بين الزوجات، وبيّن عقاب المقصر في حقوق زوجاته المادية: "إذا
كان عند الرجل امرأتان، فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه ساقط".
هذا
بحق رجل عنده زوجتين ولم يعدل بينهما، فما بالنا بمن عنده أربع ولم يعدل بينهن،
فإلى أي شقِ سيميل؟!
الجدير ذكره، لا يجوز للمرأة
إن قبلت بالتعدد أن تشترط على زوجها طلاق زوجته الأولى، قال r:
"... ولا تسألِ المرأةُ طلاقَ أختِها لِتَكْفَأَ ما في إِنَّائِها
ولْتَنْكِحْ، فإِنَّما لها ما كَتَبَ اللهُ لها".
مبررات تعدد الزوجات في الإسلام:
1. إذا كانت شهوة الرجل عالية، ولم تستطع زوجة
واحدة قضاءها، في هذه الحالة يجوز له التعدد؛ لئلا يمارس الرذيلة ويشبع شهوته خارج
الأسرة، لاسيما والمجتمعات المعاصرة تعيش حالة من الانحطاط الأخلاقي والتردي
القيمي، حيث التبرج، والعري، والتحرش، والخلاعة، وانتشار دور الدعارة، ورواج الأفلام
الإباحية، وسهولة الوصول للمواقع الإباحية على شبكة الإنترنت... إلخ.
2. إذا كانت الزوجة عاقرة، والزوج يرغب في الإنجاب،
في هذه الحالة يجب أن تكون الزوجة عونًا لزوجها لإشباع غريزة الأبوة، لكن ينصح الزوج
ألا يتعجل في الأمر؛ لأن الطب تطور كثيرًا في هذا المجال وحقق نجاحات عالية.
3.
إذا مرضت
الزوجة مرضًا لا يرجى برؤه ولم تستطع القيام بواجباتها، أو عدم قدرتها على
الإنجاب.
4.
إذا
توفيت الزوجة، والزوج بحاجة لمن يرعاه ويهتم به، ويشبع حاجاته.
المرجع| بسام أبو عليان، علم الاجتماع العائلي، 2019.
تعليقات
إرسال تعليق