تعريف الأسرة:
"مجموعة
علاقات دائمة ومتشابكة بين أشخاص يشغلون مكانات اجتماعية اكتسبوها من خلال الزواج
والإنجاب"[1].
خصائص الأسرة:
1.
تعد الأسرة
النواة الأولى في بناء المجتمع، لا يخلو منها أي مجتمع إنساني.
2.
الأسرة
هي المكان الصحيح الذي يشبع فيه الفرد غرائزه، وإنجاب الذرية.
3.
تتشكل
الأسرة عبر طقوس وقواعد يقرها الدين، وترتضيها ثقافة المجتمع.
4. الأسرة عمل مشترك لا يقوم به فرد واحد، يشترك
فيه العديد من النظم الاجتماعية كالنظام (الديني، والأسري، والاقتصادي، والصحي).
5.
تؤثر
الأسرة في النظم الاجتماعية وتتأثر بها.
6.
تنقل الأسرة
التراث ثقافي من السلف إلى الخلف بواسطة التنشئة الاجتماعية.
7. تتسم الأسرة بالدينامية، فقد تغيرت فيها المراكز
الاجتماعية، كتراجع سلطة الرأي الواحد الملازمة للرجل، وحلت محلها ثقافة الحوار.
8.
انتشار
نمط الأسرة النواة مقابل انكماش الأسرة الممتدة.
9.
اهتمام
الأسرة بالكماليات وتنامي السلوك الاستهلاكي.
10.
أصبحت
الأسرة محط اهتمام علم الإحصاء، فمن خلالها نتعرف على عدد توزيع السكان، والتركيب
النوعي والعمري للسكان، والمستوى الاقتصادي، والمستوى التعليمي... إلخ، فهذه تساعد
مؤسسات الدولة في إعداد الخطط التنموية.
أشكال الأسرة:
1) الأسرة الممتدة: تتكون من الزوجين
والأبناء غير المتزوجين، والأبناء المتزوجون، وزوجاتهم، وأبنائهم، يقيمون في سكن
واحد، ونظام اقتصادي مشترك.
2)
الأسرة النواة: تتكون
من الزوجين، والأبناء غير المتزوجين.
3)
الأسرة النووية
المعيارية: تتكون من الوالدين والأبناء، حيث يعمل الأب خارج البيت، والمرأة تعمل
داخله.
4)
الأسرة النووية الثنائية:
تتكون من الزوجين بدون أبناء، يعمل أحدهما أو كلاهما؛ لسد احتياجات الأسرة.
5)
الأسرة ذات الشريكين العاملين:
تتكون من الزوجين اللذين يعملان خارج المنزل.
6)
الأسرة ذات الوالد
الواحد: تتكون من الأب أو الأم، والأولاد الصغار في سن التعليم، وتنشأ بسبب الطلاق،
أو الموت، أو الهجر، أو الهجرة.
7)
أسرة الزواج المتكرر:
تتكون من زوجين يكون أحدهما أو كلاهما له تجربة زواج سابقة، وتشمل أولاد من الزواج
السابق والزواج الحالي.
وظائف الأسرة:
كانت
الأسرة حتى وقت قريب تقوم بالعديد من الوظائف، فكانت مؤسسة اقتصادية تشرف على عمليات
(الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك)، ومؤسسة تشريعية تحدد الحقوق والواجبات للأفراد،
وتفرض العقوبات على المذنبين، وتفض الخلافات بين المتشاحنين، ومؤسسة تربوية
تعليمية تنشئ الأبناء وتغرس فيهم ثقافة المجتمع، لكن التغيرات الاجتماعية أفقدت
الأسرة كل وظائفها ولم يبق لها إلا وظيفتين رئيسيتين، هما: (الإنجاب، والتنشئة
الاجتماعية). وظيفة الإنجاب لا يستطيع أن ينازعها فيها أحد؛ لأن المجتمع لا يعترف إلا
بالأفراد الشرعيين الذين هم ثمرة زواج مشروع. فإن كانوا من سفاح يعرضون للامتهان والاحتقار.
أما وظيفة التنشئة الاجتماعية ليست حكرًا على الأسرة، حيث يزاحمها العديد من
المؤسسات الاجتماعية كالمدرسة، ووسائل الإعلام، والمسجد، والأحزاب السياسية،
والنوادي، والرفاق، لكن دور الأسرة رئيسي وأهم، فهي أول من يستقبل الطفل وتؤهله
للتكيف الاجتماعي. إن فقدان الأسرة لوظائفها السابقة لا يعني فقدانها بالكلية، فهي
لا زالت تمارسها، لكن في حدود ضيقة. فيما يلي توضيح لأهم وظائفها:
1) الوظيفة
البيولوجية:
الذكور والإناث كلاهما مجبول على الميل نحو الآخر، لكل منهما حاجات بحاجة للإشباع،
لكن إشباعها ليس بصورة فوضوية، إنما وفق التشريعات الدينية والمعايير المجتمعية؛ كي
تحفظ النسل، وتضمن استمرارية المجتمع. بمعنى آخر تشبع الحاجة البيولوجية من خلال
الزواج.
كي تقوم الأسرة بوظيفتها البيولوجية بشكل صحيح عليها إتباع الآتي:
v إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة قبل الزواج؛ للتأكد
من سلامة الأزواج وخلوهم من الأمراض الوراثية، واستعدادهم الصحي للزواج، مثل: فحص
الثلاسيميا، ونقص المناعة (الإيدز)، والكبد الوبائي. هذا يكون بحسب ما تحدده جهات
الاختصاص في الدولة.
v
التأكد
من سلامة الأزواج من الإعاقات الجسمية، والأمراض المزمنة.
v
تطبيق سياسة
تنظيم النسل وتباعد الولادات حفاظًا على صحة الأم والأطفال.
v ابتعاد المرأة الحامل عن التدخين، وشرب الكحول، ولا
تعرض نفسها على أجهزة الأشعة، ولا تتناول الأدوية دون استشارة طبيب مختص؛ لئلا
تعرض الجنين للتشوهات والإعاقات الخلقية.
v انتظام زيارات المرأة الحامل لمراكز رعاية الأمومة
والطفولة من لحظة الحمل الأولى حتى الوضع وما بعده للتأكد من سلامة الجنين والطفل.
v
إتباع أنظمة
التغذية السليمة الذي تساعد في الحفاظ على سلامة الجسد.
2) التنشئة
الاجتماعية:
سنتحدث عن التنشئة الاجتماعية بشكل مفصل في الفصل الثالث.
3)
الوظيفة
النفسية:
يتأثر النمو النفسي والاجتماعي للفرد بالمناخ الأسري العام، فالشخصية السوية
تنمو في جو أسري قوامه المحبة، والدفء العاطفي، واحترام شخصية الفرد، وتنمية مهاراته،
وغرس الثقة في النفس، أما إذا كان الجو الأسري مضطربًا ومفككًا فإنه يحرم الفرد من
حقه في الدفء العاطفي، ويسلبه حرية التعبير، ويحرمه من النضج النفسي والاجتماعي السليم.
4)
الوظيفة
الاقتصادية:
بات معروفًا أنه ينتشر في الريف نمط الأسر الممتدة التي
تعتمد على الاكتفاء الذاتي، لكن مع التحولات الاقتصادية تحولت الأسرة من وحدة
إنتاجية إلى وحدة استهلاكية، حيث اقتصر دورها على تدبير شؤون الاقتصاد المنزلي، ومع
زيادة نفقات واحتياجات الأسرة اضطر الزوج للبحث عن عمل إضافي، فضلًا عن سعي الزوجة
للعمل؛ كي تساعد زوجها في تحسين المستوى المعيشي للأسرة، كما حققت المرأة قدرًا من
الاستقلال الاقتصادي وأصبحت تعتمد على نفسها في كثير من المواقف، إلى جانب حرية
الأبناء في اختيار المهن التي تناسبهم ولم يعودوا مجبرين على التمسك بوراثة المهنة
التي يتم تناقلها من السلف إلى الخلف.
5)
وظيفة نقل
التراث الثقافي:
في الغالب ينظر إلى التراث الثقافي أنه ماثل في سلوك
الأفراد، قد يكون مدونًا في بطون الكتب، أو أشياء مادية موجودة في المتاحف. تؤدي الأسرة
دورًا فاعلًا في الحفاظ عليه ونقله للأجيال المتعاقبة من خلال التنشئة المقصودة
وغير المقصودة.
6)
الوظيفة
الدينية:
تعتبر الأسرة هي المكان الأول الذي يتشرب فيه الطفل تعاليم
الدين الصحيحة، عن طريق: التعليم، والتقليد، والتلقين. فالأسرة تعلم الطفل معاني
الحلال والحرام، الخير والشر، الصحيح والخطأ، إضافة إلى أداء بعض العبادات
كالصلاة، والصيام، والصدقة، وصلة الرحم، وبر الوالدين، العطف على المساكين
والمحتاجين... إلخ.
الأسرة
الفلسطينية
v
الأسرة
الفلسطينية نووية أم ممتدة:
تفضل الأسرة الفلسطينية كبر الحجم؛ لأنها ترى في كثرة
الأولاد عزوة وسند للأسرة في مواجهة صعاب الحياة، ويسهمون في تحسين مستواها المعيشي،
أحيانًا يدخل فيها الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الدينية كفهمهم "المشوه" لحديث:
"تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" [أبو داوود:2050]. البعض الآخر
برر كبر الحجم من منظور المقاومة على اعتبار أنهم يخوضون صراعًا ديموغرافيًا مع الاحتلال
"الإسرائيلي" لا يقل أهمية عن صور الصراع الأخرى؛ لئلا يحدث خللًا في التركيب
الديموغرافي، وتكون الغلبة العددية للفلسطينيين وليس لليهود.
رغم ما سبق تميل الأسرة الفلسطينية نحو الأسرة
النواة، ساهم في ذلك عدة عوامل، منها:
1.
تدني نسبة
الأمية مقابل ارتفاع معدلات التعليم، حيث بلغت نسبة الأمية في فلسطين عام 2017م (3.1%)[2].
2. ارتفاع منسوب الوعي بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وتصحيح
بعض المفاهيم الدينية الخاطئة عند العوام حول العديد من القضايا الاجتماعية، مثل:
(تنظيم النسل، وتعليم المرأة، وتعدد الزوجات وحق المرأة في العمل... إلخ).
3.
إدراك الآثار
الإيجابية لصغر حجم الأسرة.
4. المشكلات الأسرية مثل: (الخلاف مع الحموات، وسوء
العلاقة بين زوجات الأخوة)، تدفع الأبناء للإقامة في بيوت مستقلة عن بيت العائلة.
5.
بُعد العمل
عن مكان السكن تدفع الزوج للانتقال مع أسرته إلى مكان العمل.
6.
ارتفاع
نسبة التحضر.
7.
انتشار
المشاريع السكنية التي تشجع على الاستقلال عن بيت الأسرة الكبير.
8.
تأثير العوامل
الخارجية كالاعتداءات الإسرائيلية التي فتت بناء الأسرة قسرًا.
العوامل السابقة انعكست على حجم الأسرة الفلسطينية فجعلتها
تفضل الأسرة النواة على الممتدة، فقد بينت مؤشرات المسح الديموغرافي أن الأسرة
النواة تمثل (الثلثين) في الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل تراجع الأسر الممتدة.
الجدير ذكره، الأسر الممتدة تنتشر في القطاع أكثر من
الضفة.
متوسط حجم
الأسرة في تعداد عام 2017م بلغ (5.1) فردًا، حيث كانت في
الضفة (4.8) فردًا، وفي القطاع (5.6) فردًا[3].
إذا تأملنا
واقع الأسرة الفلسطينية نخلص أنه ليس لدينا أسرة نواة أو ممتدة بالمعنى الدقيق
المتداول في أدبيات علم الاجتماع، إذ الموجود مجموعة أسر نواة تقيم في شقق سكنية
مستقلة بعضها فوق بعض في مبنى العائلة. كل فرد يتزوج ويستقل بأسرته في شقة، ويشكل
أسرة إنجاب[4]
مستقلًا عن أسرة التوجيه[5]،
إلا أنه يبقى في بيت الأسرة الأساسي أو يقيمون في مكان قريب من نفس الحي. في هذه
الحالة تكون الأسرة الفلسطينية (مركبة) مزيج بين الأسرة النواة والأسرة الممتدة.
v المجتمع
الفلسطيني ذكوري:
يعد المجتمع الفلسطيني مجتمعًا ذكوريًا بامتياز، حيث
أن غالبية الأسر يقف على رأسها رجل، ولا يشفع في ذلك اختلاف البيئات الاجتماعية (بدو،
ريف، حضر، مخيم)، فهم في ذلك سواء، على اعتبار أن الرجل هو الذي يدير شؤون الأسرة
ويتخذ القرارات المهمة المتعلقة بمصير أفرادها من: تعليم، زواج، علاج، سفر...إلخ،
وهو الذي يعمل ويلبي احتياجاتها.
الأسر التي يقف على رأسها امرأة معيلة يعود لعامل أو أكثر من
العوامل الآتية:
§
ترمل الزوجة:
تفضيل الأرملة البقاء عن أطفالها لرعايتهم والاهتمام بهم.
§
الطلاق:
تفضيل المطلقة البقاء عند أبنائها لرعايتهم والاهتمام بهم.
§
تعدد
الزوجات: حيث يهمل الزوج إحدى زوجاته وأطفالها، وعدم إعطائهم الاهتمام الكامل من
الرعاية والإنفاق فتقوم الزوجة مقام الزوج في تربيتهم، ورعايتهم، وإشباع حاجاتهم.
§
اغتراب
الزوج لسنوات عديدة عن الأسرة وانقطاع أخباره.
§
اعتقال
الزوج في سجون الاحتلال الإسرائيلي لسنوات طويلة.
§
غياب
المعيل في الأسرة وكبر سن رجل البيت.
v
سن
الزواج:
نسبة الزواج في الضفة أعلى من القطاع، واختلفت عزوبية
الفتيات باختلاف المستوى التعليمي، "كلما ترقت في سلم التعليم تأخر زواجها".
عند المقارنة بين الضفة وغزة نجد أن نسبة الآنسات
تزيد في الضفة قليلًا عن القطاع، أما عزوبية الشباب تساوت حيث بلغت النسبة في كل
منهما.
إذا تحدثنا عن معدلات الزواج حسب الفئات العمرية، الزواج
يتركز بشكل كبير عند الفئة العمرية (25-29) عامًا؛ لأنه الشاب في هذا العمر قد هيأ
نفسه جيدًا للزواج من كافة الجوانب، فقد (أنهى تعليمه الجامعي إن تعلم، وحصل على فرصة
عمل، وجهّز متطلبات الزواج).
وأقله عند الفئة العمرية (15-19) عامًا: يكون إقبالهم
على الزواج في هذا السن لاعتبارات اجتماعية معينة. مثل:
§
حصول الأسرة
على مساعدات من مؤسسات اجتماعية كالشؤون الاجتماعية، فالابن إن لم يوفق في دراسته تفضل
الأسرة تزويجه مبكرًا؛ لئلا تحرم من المساعدات؛ لأن استمرار الابن في التعليم يعني
استمرار المساعدات، وتوقفه عن التعليم يعني توقف المساعدات.
§
يزوج الابن
مبكرًا؛ لأنه الوحيد في جنسه أو جاء بعد طول انتظار وتريد الأسرة أن تفرح به مبكرًا
فتزوجه.
§
يزوج
الابن مبكرًا؛ لأن الوالدان كبرا في السن ويريدان أن يفرحا بولدهما وأحفادهما مبكرًا.
§
قد يكون
الابن غير منضبط اجتماعيًا (طائشًا) ولا يستطيع الوالدان ضبط سلوكه فيعتقدان أن الزواج
سيحقق ما لم يستطيعا تحقيقه كما كان في انتفاضة 1987م، وانتفاضة الأقصى2000م، حيث كانت
الأسر تزوج أبنائها مبكرًا؛ لتحجّم من مشاركتهم في فعاليات الانتفاضة لئلا يستشهدون،
أو يصابون بعاهة مستديمة، أو يعتقلون. أي الزواج يكون كإجراء وقائي للحفاظ على
سلامة الأبناء.
v
الزواج
المبكر:
الزواج المبكر: "هو تزويج الفتيات دون سن
الثامنة عشر"، ينتشر في الريف والمخيمات بشكل كبير بسبب تسرب الفتيات مبكرًا
من المدارس، أو تدني المستوى الاقتصادي للأسرة التي لم تستطع تحمل نفقات الأفراد
المتزايدة التي تكبر بكبر أعمارهم، أو لكبر حجم الأسرة وضيق السكن ففي تزويج
الفتيات مبكرًا انفراجة وتوسعة في السكن.
v
زواج
الأقارب:
تنتشر ظاهرة زواج الأقارب بشكل كبير في المجتمع
الفلسطيني، منتشر في القطاع أكثر من الضفة، ويزيد في الريف ويقل في المخيمات، كما يقل
مع ارتفاع المستوى التعليمي.
v
الطلاق:
بينت إحصائيات أن (ثلث) حالات الطلاق وقعت في سنة
أولى زواج، وحوالي نصف حالات الطلاق تقع قبل مرور سنتين على الزواج.
ارتفاع معدلات الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج لم تأت
من فراغ، إنما ناجمة بالدرجة الأولى عن تغير عادات الزواج، حيث أصبح يغلب عليها قِصَر
فترة الخطبة، التي لا تتجاوز شهرين على أبعد تقدير، منها يتم في حدود الأسبوعين، في
هذه الفترة القصيرة لم يتمكن الخطيبان من التعرف على بعضهما جيدًا من حيث: الطباع،
والتفكير، والاهتمامات، والميول... إلخ، وتقضى غالبًا في إعداد ترتيبات الزواج. بعد
الزواج يفاجأ الزوجان باختلاف طباعهما التي قد تصل إلى حد انعدام التكافؤ والتوافق
بينهما، وتتراكم الخلافات فوق بعضها حتى تصل إلى طريق مسدود بحيث لا ينفع معها
حوار، أو نقاش، أو وساطة صلح، وتنتهي بالطلاق. أضف لذلك انخداع الفتيات بالأفكار
المثالية، والصور الخيالية، والأحلام الوردية التي تروجها المسلسلات والأفلام عن
الحياة الزوجية، ـ لاسيما المسلسلات الأجنبية المدبلجة ـ، فضلًا عن أسباب الطلاق
التقليدية.
الأسر
التي يقف على رأسها امرأة (المرأة المعيلة):
تعريف
الأسر التي يقف على رأسها امرأة:
هي
أسر يتولى إدارة شؤونها الاقتصادية والاجتماعية امرأة؛ بسبب غياب رب البيت، الذي
قد يكون (أبًا، أو أخًا، أو زوجًا)، هذه المرأة قد تكون عانسًا، أو أرملة، أو
مطلقة، أو مهجورة. ليس في كل الحالات يكون الرجل غائبًا، ربما يكون موجودًا، لكنه
مسن، أو مريض بمرض مزمن أقعده عن العمل، أو لديه إعاقة جعلته عاجزًا عن العمل فلا
يستطيع الإنفاق على نفسه ولا من يعيلهم. في أحيان أخرى يكون الرجل موجودًا وقادرًا
على العمل، لكنه مقصر بحق من يعيلهم، ولا يؤدي التزاماته نحوهم، كزوج هجر زوجته
وأولادها ولم يؤد واجباته نحوهم. في هذه الظروف الأسرية المتصدعة تقوم المرأة مقام
الرجل فتؤدي ما هو مؤمل منه من واجبات حتى تسد الثغرة. يطلق على هذه المرأة اسم
"المرأة المعيلة.
المرأة
المعيلة ليست ظاهرة حديثة، بل معروفة في كل المجتمعات، لها جذورها التاريخية، فقد
بلغت نسبتها في البرازيل سنة 1802م حوالي (45%)، وبينت الدراسات المصرية أن هذه
الأسر تنتشر في المناطق المهمشة والفقيرة، وأغلب هؤلاء النسوة من الأميات، والفقيرات،
وذوات تعليم متدني.
في
فلسطين يمكن ملاحظة الأسر التي يقف على رأسها امرأة بشكل واضح، فهذه الظاهرة في
تنامي مستمر بحكم الظروف السياسية، والاقتصادية، والاحتلالية التي يمر بها المجتمع
الفلسطيني. تكوّن هذه الأسر نتيجة وفاة طبيعية لرب الأسرة، ـ هذه الصفة تتشابه
فيها الأسرة الفلسطينية مع بقية الأسر في كل المجتمعات ـ، هناك أسباب تخص الأسرة
الفلسطينية دون غيرها، كاستشهاد رب الأسرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي، أو اعتقاله
لسنوات طويلة قد تمتد لعقود في بعض الحالات، أو إصابته إصابة متعمدة أدت لإعاقاته
إعاقة دائمة.
بلغة
الأرقام بينت إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن الأسر التي يقف على
رأسها امرأة في فلسطين بلغت (11.1%)، فيما بلغت في قطاع غزة (7%)، وارتفعت النسبة
بعد عدوان 2014م لـ(8.4%)، وبلغ متوسط حجم هذه الأسر ثلاثة أفراد.
الحالة
الاجتماعية للمعيلات كانت كالآتي: أرامل (6%)، مطلقات (1.3%)، هجر وعنوسة (7%)، وبلغت نسبة فقر هذه الأسر في قطاع غزة (20.6%).
في
حالة غياب رب الأسرة (المعيل الرئيسي)، تقوم المرأة المعيلة بدورين: الأول: دورها
التقليدي كزوجة وأم. الثاني: تقوم مقام الزوج، وتؤدي دوره الاقتصادي، فتبحث عن عمل
لتوفر دخلًا للإنفاق على أفراد الأسرة وإشباع حاجاتهم، بذلك تُحَمَّل مسؤوليات فوق
طاقتها، فتؤدي أدوارًا إضافية إلى جانب دورها التقليدي، مما يعني إصابتها بالإرهاق
والتعب، وتعرضها لمشكلات متعددة. من أبرز هذه المشكلات:
(1) مشكلات نفسية: حيث تعاني من ضغوط نفسية كبيرة؛
بسبب تراكم التزاماتها داخل وخارج البيت، فيترتب على ذلك إصابتها بمشكلات صحية
وجسمية، كما تشعر المرأة بفقدان أو ضعف الثقة في نفسها؛ نتيجة شعورها بعدم النجاح
أو الكفاءة في أداء دورها كونها لا تستطيع التوفيق في دوريها كأم وأب، الأمر الذي
يجعلها تصاب بنوبات إحباط وخيبات أمل ويأس، ـ لاسيما إن لم تجد من يقدر جهدها،
ويحترمها، ويثني عليها ـ.
(2) مشكلات اجتماعية: المجتمع الفلسطيني كأي مجتمع
شرقي محافظ يضع قائمة طويلة من المحظورات الاجتماعية التي تقيد حركة المرأة
عمومًا، وحركة (الأرملة، والمطلقة، والعانس) خصوصًا، فهؤلاء حركاتهن تحت المراقبة،
ووقت دخولهن وخروجهن من البيت محسوبًا بالساعات والدقائق، الأمر الذي يجعل مهمة
المرأة المعيلة شاقة وصعبة. العجيب في الأمر أن هذه المحظورات لا تعود لبُعد ديني،
بقدر ما هي محظورات اجتماعية مردها عادات وتقاليد جاهلية لا علاقة له بسماحة
وسِعَة الإسلام.
(3) مشكلات اقتصادية: إن المرأة تسهم بشكل كبير في
اقتصاد المجتمع، لكنها مساهمة غير مدفوعة الأجر؛ لأنها تدخل تحت مسمى:
"الاقتصاد المنزلي"، أما مساهمة المرأة في الاقتصاد مدفوع الأجر ضعيفة،
حيث أن الحصة الأكبر من الوظائف من نصيب الذكور، فهناك ارتفاع في معدلات بطالة الإناث
عمومًا، وقد بلغت نسبتها في صفوف المعيلات (19.2%). أحيانًا المرأة المعيلة لا
تملك مؤهلات علمية ومهنية تؤهلها للحصول على وظيفة ما، كأن تكون أمية أو تعليمها
متدني، فقد بينت الإحصائيات أن أمية النساء المعيلات في قطاع غزة بلغت (7.4%). هذه
العقبات تجعل طريق المرأة المعيلة شاقة وعسيرة فلا تستطيع تأمين دخل لأسرتها. وإن
حصلت على عمل ما فهو هامشي، وبراتب متدني، وقد تستغل من جانب صاحب العمل. تأكيدًا
لذلك، قد تحدث امرأة على إذاعة "مرح" المحلية أنها معاقة، وتعيل أسرة، وتعمل
سكرتيرة في مكتب خاص براتب شهري قيمته ثلاثمائة شيقل فقط! فإن لم تجد المرأة
المعيلة عملًا ستسلك طريقًا آخر هو اللجوء إلى المؤسسات الاجتماعية والخيرية علها
تستطيع الحصول على مساعدة.
النساء
المعيلات بحاجة للعناية والاهتمام، وهذه تتطلب جهودًا مكثفة ومشتركة من المؤسسات
الحكومية والأهلية؛ لئلا يقعن فريسة للفقر والانحراف؛ بسبب العوز والحرمان.
الممارسات
الإسرائيلية تجاه الأسرة الفلسطينية:
يعد
الاحتلال الإسرائيلي من أخطر أنواع الاحتلال الذي عرفته البشرية، فهو (إحلالي.. استيطاني..
توسعي)، يهدف إلى طرد السكان الأصليين من ديارهم؛ ليحل محلهم يهود الشتات المجمعين
من مختلف دول العالم، لذلك شملت السياسة الصهيونية التدميرية كافة مجالات الحياة الفلسطينية
(السياسية، والاقتصادية، والتعليمية، والصحية، والدينية، والثقافية، والأسرية...
إلخ). في هذا المقام سنسلط الضوء على الممارسات الإسرائيلية بحق الأسرة الفلسطينية:
1) تهجير السكان من ديارهم على هجرتين: الأولى: سنة 1948م،
حيث هجّر السكان من فلسطين التاريخية، إلى الضفة الغربية، وقطاع غزة، والدول
العربية المجاورة. الهجرة الثانية: سنة
1967م، حيث احتلت "إسرائيل" ما تبقى من فلسطين[6]
إلى الدول العربية، لاسيما دول الخليج، أو الدول الغربية.
2) مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، واقتلاع
الأشجار المعمرة، وحرق المحاصيل الموسمية كالقمح والشعير، وإطلاق النار المتعمد على
المزارعين بهدف قتلهم، أو إعاقتهم، أو اعتقالهم، وإدخال الرعب في قلوبهم وحرمانهم من
الوصول إلى مزارعهم، وتمهيد الطريق لالتهام تلك الأراضي، ويدخلها ضمن ما يسمى
بالحزام أو السياج الأمني.
3)
الاعتقالات
المستمرة، ناهيك عن التعذيب الجسدي والنفسي، والمداهمات الليلية المفاجئة لغرف
الأسرى، والإهمال الطبي المتعمد، وعدم عرضهم على الأطباء المختصين سريعًا، وعدم السماح
لهم بتلقي العلاج المناسب والكافي، وتكبيلهم أثناء تواجدهم في المستشفيات مما يودي
بحياة كثير منهم داخل السجون، وقد يخضعوهم لتجربة علاجات جديدة[7].
4) الإعاقات المتعمدة للفلسطينيين: كانت هذه سياسة
معلنة ومتبعة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إسحاق شامير) إبان الانتفاضة
الأولى (1987ـ1993م)، وقد تكون بأسلوب غير مباشر باستخدام أسلحة فتاكة ومحرمة دوليًا
يكتشف أثرها وضررها بعد حين من الدهر، كما حدث في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
عامي (2008-2009م) باستخدامهم الفسفور الأبيض، الذي ترتب عليه تشوه الأجنة، وإعاقات
خلقية للمواليد الجدد، حيث كانت أعلى نسبة تشوهات في قرية خزاعة[8].[9].
5) القتل المتعمد: أسلوب يمارسه جيش الاحتلال ليس قتلًا
لأجل القتل، بل لتطبيق تعاليم تلمودية وتوراتية محرفة[10]،
وقد يتم القتل كنوع من التسلية أو ممارسة هواية القنص، فقد بثت العديد من الفيديوهات
على موقع "يوتيوب" تعكس ذلك.
6) إتباع سياسة الإبعاد القسري خارج فلسطين، سواء إلى الدول
العربية المجاورة، كما حدث في مرج الزهور[11].
أو إلى الدول غربية، مثلما حدث مع بعض مبعدي كنيسة المهد[12].
أو الإبعاد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، كما حدث مع الأسرى الذين خاضوا إضرابات
عن الطعام وتم الإفراج عنهم مقابل تهجيرهم إلى القطاع وألا يعودوا إلى بيوتهم
وأسرهم.
7)
فرض حظر
التجول وتقييد حركة الناس، التي قد تمتد لأيام متواصلة كما كان حدث في الانتفاضة
الأولى 1987م.
8)
الإقامة
الجبرية التي تفرض على بعض الشخصيات.
9) مداهمة البيوت بشكل مفاجئ، والعبث بالممتلكات، وسرقة
الذهب والمال. فضلًا عن زعزعة الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي لأفراد الأسرة
الآمنين.
10)
انتهاج
سياسة الموت البطيء تجاه المرضى من خلال منع التحويلات الطبية خارج فلسطين، أو
مداهمة المستشفيات واعتقال المصابين من على أسرة المستشفيات، وعدم إخضاعهم للعلاج
الكافي، أو اعتقال المرضى على المعابر.
[1] المرجع
نفسه، ص20.
[2] الجهاز
المركزي للإحصاء، بيان صحفي عشية اليوم العالمي لمحو الأمية 8/9/2017م، http://www.pcbs.gov.ps
[3] الجهاز
المركزي للإحصاء الفلسطيني، النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن
والمنشآت، رام الله، شباط 2018م، ص12.
[4] تكوّن
أسرة الإنجاب عندما يتزوج الابن ويشكّل أسرة نواة خاصة به، مستقلاً عن أسرة أبيه.
[5] أسرة
التوجيه: تتكون من الزوج والزوجة والأبناء غير المتزوجين. بمعنى آخر هي المرحلة
الأولى لتشكّل الأسرة النواة.
[6] الضفة
الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة.
[7] الجدير
بالذكر، وصل عدد الشهداء الأسرى دخل السجون الإسرائيلية حتى كتابة هذه السطور
مائتين وأربعة شهداء. أولهم الشهيد الأسير "أحمد محمد سلامة النويري" من
مخيم النصيرات، استشهد بتاريخ 8/6/1967م. وآخرهم الشهيد الأسير "ميسرة أبو
حمدية" من مدينة الخليل، استشهد بتاريخ 2/4/2013م نتيجة الإهمال الطبي
لمزيد من المعلومات
عن شهداء الحركة الأسيرة الفلسطينية انظر: وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3794
[8] خزاعة: هي
إحدى القرى التي تقع شرق مدينة خانيونس محاذية للشريط الحدودي، تبلغ مساحتها حوالي
أربعة آلاف دونما، أغلب سكانها من اللاجئين، وعملها الرئيسي في الزراعة.
[9] بينت
الإحصائيات الرسمية أن (32%) ممن تعرضوا للاعتداءات الإسرائيلية تعرضوا للإصابة إما بـ(رصاص حي، أو معدني، أو
شظية قنبلة، أو استنشاق غاز، أو استشهاد). منهم (4.9%) أصيبوا في الرأس أو الوجه،
و(1.7%) أصيبوا في الصدر، و(2.3%) أصيبوا في البطن، و(18.8%) أصيبوا في الأطراف.
وقد ترتب على تلك الإصابات (1.2%) إعاقة دائمة، و(3.6%) أعاقة مؤقتة، و(2.7%) تركت
تشوهات.
نقلاً
عن: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مسح أثر الإجراءات الإسرائيلية على واقع
الطفل والمرأة والأسرة الفلسطينية 2001 النتائج الأساسية، مرجع سابق، ص22.
[10] من بين
هذه النصوص: "الذي يقتل أجنبيا [غير اليهود] يكافأ بالخلود في الفردوس".
والذي يساعدهم على ذلك إيمانهم بأكذوبة أنهم "شعب الله المختار"، وكل ما
عداهم (جوييم ـ أغيار)، أي حيوانات لا قيمة لها، ولا تستحق الحياة إلا بقدر ما
يحتاج السيد اليهودي إلى خادمه.
لمزيد
من المعلومات حول هذا الموضوع انظر: بسام محمد أبو عليان، علم الاجتماع الديني،
ط2، غزة، مكتبة ومطبعة الطالب الجامعي، 2014م، ص200-205.
[11] في
17/12/1992م قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد (614) فردا من قيادات حركتي
الجهاد الإسلامي وحماس إلى مرج الزهور جنوب لبنان.
[12] مجموعهم
تسعة وثلاثون شخصا كانوا محاصرين في كنيسة المهد ببيت لحم، وقد استمر حصارهم من
قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدة أربعين يوما، إلى أن عقدت صفقة بين السلطة
الفلسطينية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية في 10/5/2000م، تقضي بإبعاد
ثلاثة عشر شخصا إلى الدول الأوربية، وستة وعشرون إلى قطاع غزة، لأجل غير مسمى.
المرجع| بسام أبو عليان، علم الاجتماع العائلي، 2019.
تعليقات
إرسال تعليق