![]() |
أ. بسام أبو عليان محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى |
يعد كارل
مانهايم الممثل الرسمي لعلم اجتماع المعرفة؛ لأنه بذل جهداً كبيراً في تحديد
مجالاته، ومناهجه، وتأكيده على الطابع الاجتماعي للمعرفة. وعبر عن تلك الأفكار في
كتابه (الأيديولوجيا واليوتوبيا). وقد تأثر مانهايم بالنظرية الماركسية، إلا أنه لم
يكن ماركسياً خالصاً. ومما يميزه أنه مزج بين أطروحات النظرية الماركسية والنظريات
الأخرى. وحاول دراسة المضمون الحقيقي الكامن وراء كل عملية تاريخية على اعتبار أنه
لا يمكن مشاهدة الأفكار دون التحقق أو الالتحام بالتاريخ. لذلك فإن التاريخ عنده
هو الذي يصنع الفكر والقيم، حيث يتميز كل عصر بنسق ثابت من القيم. وقد اعتبر علم
اجتماع المعرفة نظرية من جهة، ويحثاً تاريخياً ـ اجتماعياً من جهة أخرى. فهو نظرية
من خلال محاولته تحليل العلاقة بين المعرفة والوجود الاجتماعي، وهو بحث تاريخي
اجتماعي من خلال محاولته تعقب أشكال المعرفة من خلال تطور الفكر ألإنساني".
بدأ مانهايم
بسؤال رئيسي: كيف يؤدي الفكر وظيفته في الحياة وفي السياسة كأداة للعمل الاجتماعي؟
وللإجابة
على هذا السؤال انطلق من الفرضية الآتية: "توجد أنماط فكرية لا يمكن أن تفهم
فهماً كافياً طالما ظلت أصولها ومنابعها الاجتماعية مجهولة أو غامضة".
المبادئ
الأساسية لعلم الاجتماع المعرفة عند مانهايم:
1) علم اجتماع المعرفة ليس كالفلسفة، إذ أن الفلسفة تبدأ من دراسة
الفرد الواحد وأفكاره، ثم تتقل إلى البحث في القيم التجريدية. إلا أن علم اجتماع
المعرفة يسعى لفهم البيئة الاجتماعية في إطارها التاريخي الذي يعبر عن التطور
التدريجي للفكر. إذ يقول: "من الخطأ أن نقول أن الفرد الواحد يفكر، بل الأصح
أن نؤكد أن الفرد يساهم في جعل الفكر يتقدم على ما أوصله إليه الآخرون من قبله. إن
الفرد يجد نفسه في وضع موروث لأنماط فكرية مناسبة لذلك الوضع. ويحاول الفرد أن
يزيد أنماط وردود الفعل الموروثة إتقاناً أو أن يستبدلها بأنماط غيرها... لهذا فإن
كل فرد محكوم سلفاً يكونه ينمو ويشب ضمن مجتمع ما، ولهذه الحقيقة معنى مزدوج:
الأول: أن الفرد يجد وضعاً جاهزاً لم يكن له يد في تكوينه. والثاني: أنه يجد في
ذلك الوضع أنماطاً ناجزة للتفكير والسلوك".
2) علم اجتماع المعرفة لا يفصل الفكر عن سياقه الاجتماعي الذي نشأ
فيه. إذ يقول: "النشاط الجماعي، هو ذاته الخيط المرشد الذي ينبثق منه مشاكلهم
ومفاهيمهم وأنماطهم الفكرية".
3) العوامل الاجتماعية تساهم في تفسير هيمنة أنماط فكرية في
المجتمع دون غيرها.
4) التقسيم الطبقي في المجتمع يبين أن لكل طبقة اجتماعية نظام
تفكير يختلف عن الطبقة الأخرى.
اتجاهات
علم اجتماع المعرفة عند مانهايم:
أ.
تأسيس نمط جديد في
التاريخ الفكري يكون قادراً على تفسير تغيرات أفكار في ضوء التغيرات الاجتماعية
والتاريخية.
ب.
النظر إلى المشكلة
الواحدة من زوايا مختلفة، والحصول على منهج عالي الدقة من خلاله يمكن التمييز بين
أساليب التفكير المختلفة. وهذا المنهج يجمع بين (تحليل المعاني، والتشخيص، والوصف
السوسيولوجي). الهدف من ذلك تحقيق غرضين:
v تحليل المعاني في مجالها الفكري، والعمل على إلغاء المفاهيم
المختلطة بغيرها، ولا يمكن التمييز فيما بينها، وتحل بدلاً منها أوصافاً دقيقة
لأساليب الفكر.
v إتقان فن إعادة بناء التاريخ الاجتماعي، كي يرى الحقائق
الاجتماعية ككل متكامل، وليس أجزاء مبعثرة ومعزولة عن بعضها البعض.
انتقادات
مانهايم للجهود الفكرية لمن سبقه:
1. رفض مانهايم نظرية المعرفة التقليدية؛ لأنها اقتصرت على ثنائية
(الذات والموضوع)، واعتبر ذلك هو سبب عجزها، واقترح بديلاً لذلك، الربط بين الفكر
والمعرفة من جانب، والأوضاع التاريخية والثقافية من جانب آخر.
2.
رفض مانهايم الربط
الماركسي بين (الطبقة والأيديولوجيا)، واستبدل الوضع الطبقي بحركة التاريخ كمصدر
للفكر، وأن الفكر لا يفهم في حدود الطبقة فقط، بل يفهم في إطار الظروف التاريخية
والاجتماعية أيضاً.
3.
رفض مانهايم دعاوى
الاتجاه الفينومونولوجي عند شيللر الذي يعالج القيم الاجتماعية في حدود القيم
المطلقة، وكان بديله القول بنسبية المعرفة.
منهجية
البحث في علم اجتماع المعرفة عند مانهايم:
أعمال
مانهايم دارت حول ثلاث قضايا رئيسية، هي: توضيح الطابع الجمعي للمعرفة، وتصنيف
أساليب الفكر والتمييز بين أشكال الفكر البرجوازي والبروليتاري، وتوضيح العلاقة
بين المعرفة والجماعات الاجتماعية، على اعتبار أن فكر كل جماعة يرتبط بمصالحها. واستند
في دراساته على تحليل السياق التاريخي للفكر وربطه بالبناء الاجتماعي للجماعة. ولم
يقبل كافة المناهج العلمية الموجودة في العلوم الطبيعية وأسقطها على علم اجتماع
المعرفة، إنما قبل بعضها قبولاً جزئياً. أما بالنسبة إلى المفاهيم: فقد اعتبر أن لكل
مفهوم معنى، ولكل معنى ثلاث مستويات، هي: (الموضوعي، والتعبيري، والتوثيقي).
مثال:
المقطوعة الموسيقية كلحن يمكن لأي مستمع أن يفهمها بطريقة موضوعية دون حاجة لمعرفة
قصد المؤلف. هذا على المستوى الموضوعي. أما على المستوى التعبيري فهو مرتبط
بالمحتوى العاطفي وعلاقته بقصد المؤلف. أما المستوى التوثيقي فهو مرتبط بأسلوب
الفكر في مرحلة معينة، وهذا مرتبط بالبناء الثقافي.
فروع
علم الاجتماع المعرفة عند مانهايم
يؤكد مانهايم أن علم اجتماع المعرفة له
وجهان: الأول نظرية، والثاني منهج تاريخي للبحث. الأول بحث تجريبي قائم على الوصف
والتحليل البنيوي للأساليب الاجتماعية التي تؤثر في الفكر. ويتحول علم الاجتماع
المعرفة إلى الوجه الثاني عندما يبحث في العلاقة المتبادلة بين الوضع الاجتماعي
والفكر. لكن ما يجب الالتفات إليه، ليس بالضرورة أن يكون الوجهان مرتبطان معاً.
فالفرد قد يقبل نتائج البحث التجريبي دون أن يبني عليه استنتاجات نظرية.
وليبين مانهايم مدخل علم اجتماع المعرفة في
تحليل المعرفة جاء بمثال: وجود شخصين متشابهين في الظروف التاريخية والاجتماعية،
ويتناقشان في موضوع ما، فنقاشهما يختلف تماماً فيما لو كان الشخصان من مركزين
اجتماعيين مختلفين. فالأولان متجانسان، بينما الآخران متغايران. إن طبقنا هذا
الكلام على واقعنا الاجتماعي الذي يقسم إلى مجتمعات مختلفة، بل المجتمع الواحد مقسم
إلى طبقات متفاوتة، ولكل طبقة فكرها الخاص بها. في ظل هذا التعدد والاختلاف تحاول
كل طبقة أن تحافظ على تميزها الفكري في ظل الغزو الفكري الذي تشنه الجماعات
الأخرى. دور علم اجتماع المعرفة في هذه الحالة تجنب حقيقة الخلاف، ولا يشغل الباحث
نفسه بالنقاش الفعلي، إنما يبحث في خلفية الموضوع المباشر للحوار نحو الأساس الكلي
لفكر الفرد. ثم يكتشف أن هذا الأساس له أسس كثيرة، وهو يمثل منظور جزئي
للأيديولوجيا. وكلما كانت المشكلة غير مشتركة بين أطراف الحوار، ـ لأن الأساس
الفكري غير مشترك بينهما ـ، يكون دور علم اجتماع المعرفة التغلب على "حوار
الطرشان" بالبحث عن مصادر الاختلاف التي قد لا تخطر على بال المتخاصمين. وإن
كان النقاش ينطلق من نفس القاعدة الفكرية فليس هناك ضرورة لمثل هذا الإجراء.
التغير
الاجتماعي والتخطيط عند مانهايم:
يرى مانهايم أنه يلزم علم اجتماع المعرفة
الاهتمام بجماعات الضغط وما تمارسه من قوة غاشمة على الأفراد. باعتبار الضغط طريقة
غير ديمقراطية لتحقيق التغير أو الثبات الاجتماعي. وحتى يمارس المجتمع تأثيرات
إيجابية على الأفراد يجب أن يكون هناك تخطيط اجتماعي يسعى لوجود مجتمع غير طبقي،
مجتمع تتلاشى فيه الفوارق الطبقية، وهذا التخطيط يعطي مكانة بارزة للدين للوصول
إلى التكامل المنشود. ويبين في حال انعدام التوافق بين الأفراد والجماعات، يصبح
التخطيط ضرورة لابد منها. وإن لم يوجد التخطيط قد توجد جماعات متطرفة في تفكيرها،
وغير مرغوب فيها. فمهمة التخطيط هو إحباط كل ما يحدث في المجتمع بشكل غير مخطط له.
المرجع:
بسام محمد أبو عليان، علم اجتماع المعرفة، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2014، ص89-95.
المرجع:
بسام محمد أبو عليان، علم اجتماع المعرفة، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2014، ص89-95.
يعتبر علم الاجتماع نهجا أكاديميا يهتم بدراسة الجماعات و المجتمعات، كانت نشأته في القرن التاسع عشر إبان الثورة الصناعية بأوروبا، وهو علم معقد يستقل بذاته عن الفلسفة. تتمثل مساهمة السوسيولوجيا في فهم التفاعلات الاجتماعية و محاولة إيجاد حلول و أفكار تساعد الأكاديميين و خبراء التربية و السياسيين و صناع القرار وغيرهم من النخب في بلورة سياسات عامة مناسبة للمجتمع.
ردحذفحبيت انضيف معلومات للإستفاده . حيث أن علاقه الواقع الاجتماعى ببناء المعرفه اى نجد ان نمط التفكير وسلوكيات وثقافات الفرد هى انعكاس للبيئه التى نشاء وترعرع فيها الافراد وهذه البيئه تتمثل فى محيط الاسرى وثقافه الشارع والمؤسسات وجماعه الاصدقاء وغيرها وبذلك نجد من خلالها تشكل نمط تفكير الفرد وبناء معرفته. وشكرآ على مجهوداتكم
ردحذفشكراً للإضافة المميزة.
حذفهذه الجزئية أشرنا لها في موضع آخر من المحاضرات.
اسم الكتاب ايه لو سمحت
حذفبسام محمد أبو عليان، علم اجتماع المعرفة، خانيونس، مكتبة الطالب الجامعي، 2014، ص89-95.
حذف