التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأطباء ومهارات التواصل مع المرضي


بسام أبو عليان
محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى
يعد الأطباء من أكثر الفئات المهنية تعاملًا واحتكاكًا بمختلف الشرائح الاجتماعية، والمراحل العمرية. ولا يختلف اثنان بأن الناس يتباينون في أمراضهم، وشكواهم، وقدرتهم على تحمّل المرض، وطريقة تعبيرهم عن المرض، ودرجة وحدّة المرض. بالتالي كل حالة تحتاج إلى معاملة خاصة تختلف عن الحالات الأخرى، فمعاملة الطفل المريض تختلف عن الشاب، وكلاهما يختلفان عن المسن، كذلك تختلف معاملة الرجل عن المرأة... وهكذا.
لكن الذي نراه في مؤسساتنا الطبية ـ من خلال المراجعة، والمتابعة، وخوض التجربة ـ هو افتقاد أكثر الأطباء ـ لا أقول الكل ـ لمهارات الاتصال والتواصل مع المرضى. فتجد أغلبهم دائمًا مقطب الجبين.. عابس الوجه.. يتعامل مع المرضى من علو.. يتحدث بنبرة لا تخلو من التأفف والزجر والنهر. فضلًا عن تجاهل المرضى وعدم الاهتمام بأوجاعهم ومشاعرهم، وكأنهم جردوا من إنسانيتهم! والانشغال بأمور ثانوية كالحديث مع الزملاء أو المعارف من المرضى، أو قضاء الوقت في (التجول) على مكاتب الزملاء والأحاديث الجانبية في أمور لا قيمة لها ـ ليتها تكون في أمور طبية تنفع المرضى ـ، أو الانشغال في تناول الطعام والمسليات، وشرب القهوة والشاي وغيرهما من المشروبات الأخرى. وإنْ راجع مريض طبيب أو ذكّره بانتظاره تجده قد تعكر مزاجه، واحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، واستشاط غضبًا. فهو يعتبر نفسه أكبر من أن يراجع!
لذلك الأطباء هم أكثر من غيرهم بحاجة إلى أن يخضعوا لدورات تدريبية مكثفة لتعلم مهارة الاتصال والتواصل مع المرضى؛ لأن الكثير من أعراض المرض تعود إلى أسباب نفسية واجتماعية أكثر منها عضوية، بالتالي المرضى بحاجة إلى حسن المعاملة من الطبيب قبل التشخيص الجيد للمرض ووصف العلاج.
في هذه المقالة سأتحدث عن بعض المهارات التي يجب أن يتحلى بها الطبيب.
1- اترك مشكلاتك وخلافاتك البيتية والوظيفية خلف ظهرك ولا تسقطها على المرضى: 
قد يكون الطبيب على خلاف مع زوجته أو أقاربه أو أية مشكلة أسرية، بالتالي يذهب إلى عمله وهو نكد ومزاجه عكر، وذهنه غير صاف للعمل، أو يكون على خلاف مع زملائه ومديره في العمل، أو متأزم من مشكلة تدني الرواتب، أو تأخر صرفها، أو تقسيطها، أو تأخر ترقية... إلخ من المشكلات الإدارية والوظيفية. فيقوم الطبيب بإسقاط سخطه وغضبه على المرضى. إن الطبيب المهني الماهر عندما يتوجه إلى مؤسسته الطبية ويتعامل مع المرضى يفترض أن يلقي كل خلافاته ومشكلاته خلف ظهره، ولا يخلط بين المشكلات الخاصة ومعاملة المرضى. فالمرضى لا ذنب لهم بخلافاته البيتية أو الوظيفية. إن المريض بحاجة إلى العناية والاهتمام الطبي، ومن يخفف عنه آلامه، وليس بحاجة إلى من يزيده همًا على همه ومرضه.
2- حسن استقبال المريض:
عندما يدخل المريض إلى حجرة الطبيب على الأخير أن يحسن استقبال المريض. ويدخل تحت عنوان حسن الاستقبال:
§ الابتسامة: من المفترض ألا تغادر "الابتسامة" ثغر الطبيب، فالابتسامة هي السحر الحلال التي تخترق جدار القلوب دون استئذان، ففيها الشفاء المعنوي للمريض، وهي قبل أن تكون شفاء للمريض هي عبادة يتقرب بها الطبيب إلى الله تعالى. في الحديث: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة" [السيوطي، الجامع الصغير: 3231]. فالمريض عندما يدخل إلى الطبيب ويجده مبتسمًا وغير متجهم، فإنه سيرتاح له، ويعطيه الطمأنينة، وسيتحدث بأريحية عن طبيعة مرضه وشكواه. أما إن وجد المريض الطبيب متجهمًا وعابسًا قد لا يدخل إلى حجرة الطبيب، ويبحث عن طبيب آخر، أو تجده يدخل مكرهًا حتى تنقضي حاجته.
§الترحيب بالمريض: يكون بالقيام وإسناد المريض إن كان كبيرًا في السن، أو مريض اشتد به المرض وليس معه مرافق. إلى جانب التحدث بالكلمة الطيبة، كأن تقول: (أهلًا وسهلًا.. تفضل.. اجلس.. ارتاح.. تمهل). ويكون التلفظ بها بنبرة تقطر حنانًا ودفئًا، تشعر المريض بالطمأنينة. فالكلمة الطيبة قبل أن تكون فيها الفائدة للمريض فهي خصلة من خصال العبادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ" [البخاري: 2989].
§  ابعث برسائل تطمينية إلى المريض: أي لا تكون كلمات الطبيب كالصخر الأصم، أو التلفظ بكلمات غير موزونة لا تراعي مشاعر المريض، كأن يفجعه بمرض لم يكن يعلم به من قبل، أو يقنِّطه من عدم الجدوى من العلاج... إلخ. في هذا المقام ننصح الطبيب أن يكون لسانه دائمًا رطبًا بالكلمات الطيبة، وذكر الله، وتذكير المريض بالاستعانة بالله... إلخ؛ لأن المريض في مرضه يكون في أقرب درجات التقرب إلى الله تعالى.
3- الإصغاء الفعال:
المشكلة الكبرى التي يعاني منها أغلب الناس في تفاعلهم مع الآخرين، هي: (عدم حسن الاستماع والإصغاء الفعال). عندما نتحدث عن الإصغاء الفعال يجب أن نميزه عن "الإصغاء المنتقى"، والأخير يعني أن يتجاهل الطبيب كلام المريض وينتقي منه ما يهمه فقط. أما "الإصغاء الفعال" البعض يعتقد أنه يكون بالأذنين فقط، لكنه في الحقيقة يكون بالأذنين والجوارح والحواس والمشاعر. وألا يعبث الطبيب بالملهيات التي تكون بجانبه، كالعبث بالجوال، أو ترتيب هندامه، أو ترتيب الأدوات الطبية، أو تصفح السجلات... إلخ؛ لأن هذا العبث يوحي للمريض بأن الطيب يتجاهله ولا يعطيه الحد الأدنى من الاهتمام والإصغاء. ولا يحترم إنسانيته وكرامته. والطبيب ملزم بحسن الاستماع الفعال لأنه بناء على ما يسمع من شكوى المريض يشخص المرض ثم يصرف العلاج المناسب، ولو كان الطبيب صاحب إصغاء منتقى، فإنه يؤدي إلى تشخيص خاطئ، وبالتالي علاج خطأ. وفي المحصلة المريض هو الضحية!
4- عدم افتراض المعاني (لا تقس حالة بحالة):
أحيانًا يكون الطبيب من صنف المتعجلين، فقبل أن ينهِ المريض حديثه، أو في بداية الشكوى، تجد الطبيب يسكت مريضه، أو يتجاهل حديثه ويشرع في كتابة الوصفة العلاجية. وهذا خطأ كبير يقع فيه قطاع كبير من الأطباء. إذ يجب على الطبيب الحذر من الوقوع في هذا الخطأ. مهما ادعى الطبيب أنه متمرس في مهنته ويعمل في هذا المجال منذ سنوات لا يجوز له التعميم وأن يقيس حالة مرضية بحالة مرضية أخرى. إن المرض قد يكون واحدًا، إلا أن أسبابه ودواعيه مختلفة، بالتالي علاجه مختلف. فلا يجوز للطبيب أن يفترض شكوى المريض وبناء عليها يصرف العلاج.
5- إعطاء معلومات كافية للمريض عن مرضه:
الكثير من الأطباء عندما يسمعون شكوى المريض، ويشخصون المرض ويصرفون العلاج، لا يوضحون للمريض طبيعة مرضه. بالتالي تجد المريض قد ذهب إلى الطبيب، وخرج من عنده، وصرف العلاج، ولا يعرف ما هو مرضه بالضبط، وإن تكرم عليه الطبيب بمعلومات عن طبيعة المرض فتكون منقوصة ومبتورة. وسبب ذلك أن الأطباء عندما يتحدثون مع المرضى ويعطونهم معلومات منقوصة أو رؤوس أقلام عن المرض، يتخيلون أنفسهم كأنهم يتحدثون مع أطباء يفهمون ما يرمون إليه، إذ من المفترض أن يتحدث الطبيب للمريض بشكل وافي عن مرضه.
6- توضيح طريقة تناول العلاج بتأني:
هناك صنف كبير من الأطباء وهم يصرفون العلاج ويبينون طريقة تناوله، يشرحون الطريقة وكأن واحدًا يجري ورائهم ويخافون أن يلحق بهم، مما يعني السرعة في الحديث، وعدم التأني في التوضيح والبيان، وكذلك الأمر عند الصيدلاني.
7- سؤال المريض عن التاريخ المرضي:
من المفترض أن يسأل الطبيب المريض عن التاريخ المرضي. بعضهم يسأل السؤال بشكل تقليدي، وسؤال عابر. بمجرد أن يتكلم المريض بكلماته الأولى، تجده شرع في التشخيص وكتابة العلاج! وهذا ليس من الحكمة ولا المهارة في شيء، وهذا يرجعنا إلى النقطة الرابعة (لا تقس حالة بحالة).
تلك أهم سبع مهارات، أرى لو تحلَّى بها الطبيب سيكون ناجحًا في علاقاته الاجتماعية مع مرضاه، وسيكون مميزًا بين زملائه في المهنة، وسيكون موفقًا في عمله بإذن الله تعالى.

تعليقات

  1. غير معرف15/8/23

    في مصمم هذا كانك تعطي تعليقاتك للمعالج وليس للمريض المسكين و كأنه جاهل او لا يفهم، فإزالتكم لهذا المقطع اجدد و انفع فأنتم تعلمون حالة المريض و نفسيته مع الشكر,,, خالد الماجد مصاب وتعب جدا ومعقد الانكماش الخالق

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثروبولوجيا| علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى

علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى على الرغم من الاعتراف بالأنثروبولوجيا كعلم مستقلّ بذاته، يدرس الإنسان من حيث نشأته وتطوّره وثقافته، فما زال علماء الإنسان يختلفون حول تصنيف هذا العلم بين العلوم المختلفة، فيرى بعضهم أنّه من العلوم الاجتماعية، كعلم النفس والاجتماع، ويرى بعضهم أنّه من العلوم التطبيقية كالطب، ويرى بعضهم أنّه من العلوم الإنسانية كالفلسفة. أولاً| علاقة الأنثروبولوجيا بعلم الأحياء (البيولوجيا):   يتناول علم الأحياء دراسة الكائنات الحيّة. فهو يعرّف: "العلم الذي يدرس الإنسان كفرد قائم بذاته، من حيث بنية أعضائه وتطوّرها". يرتبط علم الأحياء بالعلوم الطبيعية، لا سيّما علم وظائف الأعضاء والتشريح. وتدخل في ذلك، نظرية التطوّر التي   تقول بأن أجسام الكائنات الحيّة ووظائف أعضائها، تتغيّر باستمرار ما دامت هذه الكائنات تتكاثر، قد تكون أرقى من الأجيال السابقة، كما عند الإنسان. كما تستند هذه النظرية إلى أنّ الإنسان بدأ كائناً حيّاً بخلية واحدة، تكاثرت   إلى أن انتهى إلى ما هو عليه الآن من التطوّر العقلي والنفسي والاجتماعي. وهذا ما دلّت عليه بقايا عظام الكائن...

خدمة الجماعة| مهارة التسجيل لدى أخصائي الجماعة

  د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى مهارة التسجيل: تعريف التسجيل: "هو تدوين الحقائق والأحداث كما وقعت؛ للرجوع إليها في المستقبل وقت الحاجة، وللإلمام بالموضوعات المختلفة". أهداف التسجيل: 1-      حفظ المعلومات من النسيان والضياع، ويمكن الرجوع لها وقت الحاجة إليها. 2-   دراسة الفرد في الجماعة كوحدة قائمة بذاتها من حيث نمط الشخصية، ومشكلاته الخاصة، وقدراته، وميوله، ومدى تفاعله مع برامج وأنشطة الجماعة. 3-      تفسير المواقف الاجتماعية المختلفة داخل الجماعة. 4-      إدراك الأخصائي الاجتماعي لذاته، فالتسجيل يساعده على نقد ذاته؛ لتطوير أدائه المهني. 5-      تقييم الخدمات المؤسسية. 6-      المساعدة في تصميم وتقييم برامج المؤسسة. 7-      قياس نمو وتطور الجماعة. 8-      المساعدة في الدراسة والبحث. 9-      تساعد أخصائي الجماعة لتقديم خدمة أفضل إلى الفرد والجماعة. 10-     ...

الانثروبوبوجيا| مفهومها ونشأتها

مفهوم  الأنثروبولوجيا : لفظ أنثروبولوجيا  Anthropology ، كلمة إنكليزية مشتقّة من أصل يوناني مكوّن من مقطعين: أنثروبوس Anthropos   ، معناه "الإنسان"، ولوجوس  Locos ، معناه "علم". وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ "علم الإنسان" أي العلم الذي يدرس الإنسان. تعرّف الأنثروبولوجيا: العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظلّ ثقافة معيّنة، ويقوم بأعمال متعدّدة، ويسلك سلوكاً محدّداً؛ وهو علم الذي يدرس الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبّؤ بمستقبل الإنسان. وتعرف الأنثروبولوجيا أيضاً، علم الأناسة. وتعرّف: "علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً". طبيعة الأنثروبولوجيا : الشعوب الناطقة بالإنكليزية، تطلق على علم الأنثروبولوجيا: "علم الإنسان وأعماله"، بينما \البلدان الأوروبية غير الناطقة بالإنكليزية، تطلق عليه "دراسة الخصائص الجسمية للإنسان". علم الأنثروبولوجيا يعني في: ·          فرنسا: الأنثروبولوجيا الفيزيقية، يعنو...