التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علم الاجتماع السياسي| الدولة

مدرس المساق| أ. بسام أبو عليان
محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى
الدولــة
اتفق فلاسفة السياسة بأن الدولة وسيلة لتنظيم السلوك الإنساني، وفرض مبادئ تنظم حياة الأفراد، فهي تشرع القوانين، وتعاقب مخالفيها، وتفرض النظام لضمان طاعاتها، وقد حظيت الدولة باهتمام معظم العلوم الإنسانية، مثل: (التاريخ، والاجتماع، والسياسة، والقانون، والاقتصاد).
vعلم التاريخ: يدرس تطور الدولة كفكرة، ومصير الدول، وأشكالها في مختلف الأوقات والعصور.
vعلم الاجتماع: يدرس الدولة من حيث نشوئها، ومراحل تطورها، والأنظمة الاجتماعية فيها، والعلاقة الاجتماعية داخل مكونات الدولة، والعمليات السياسية كالأحزاب، والانتخابات، والتنشئة السياسية، والثقافة السياسية... إلخ.
vعلم السياسة: يدرس الدولة من حيث القواعد النظرية والعملية التي يقوم عليها نظام الحكم، وأكثرها جدوى، وثباتًا، واستقرارًا.
vعلم القانون: يدرس الدولة من حيث القواعد القانونية الملزمة التي تدور في إطارها أعمال الدولة، ونشاطها، ووسائلها؛ لتحقيق أهدافها، وإلزام رعاياها بطاعاتها، كما يهتم القانون الدولي بدراسة الدولة كأحد شخصياته.
vعلم الاقتصاد: يدرس دور الدولة في إشباع الحاجات المختلفة لشعبها، ودور الدولة في عمليات الإنتاج، والتوزيع.
تعريف الدولة:
معنى الدولة مر في عدة مراحل تاريخية قبل أن يصل إلى المعنى المعروف اليوم، ففي العصر اليوناني عني بالدولة المدينة المحدودة جغرافيًا وسكانيًا؛ لصغر حجمها، وقلة كثافتها السكانية. مع معاهدة وستفاليا سنة1648 ظهر مفهوم الدولة القومية، ثم دار الحديث عن الدولة الوطنية التي يذوب فيها كل القوميات والطوائف، أما اليوم يدور الحديث عن دولة ما بعد الأمة، أو دولة ما بعد القومية والوطنية، وهي الدول المفتوحة التي تتشارك مع غيرها في اتحادات كالاتحاد الأوربي.
من تعريفات الدولة:   
"جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة".
خصائص الدولة:
v    الدولة مجموعة مؤسسات حاكمة منظمة متصلة ببعضها البعض بشكل رسمي.
v    تمارس الدولة مهامها في أرض معينة، يقيم عليها مجموعة من البشر.
v    دور مؤسسات الدولة إصدار قرارات وتشريعات ملزمة بشكل جماعي، وتضمن قبول وانصياع الشعب لها.
v    تطالب الدولة باحتكار الاستعمال الشرعي للسلطة والقوة على أراضيها.
v    تطالب الدولة بالسيادة، باعتبارها المصدر الأعلى للسلطة، والمرجع النهائي لاتخاذ القرارات.
v    يكون للدولة سلطة على مواطنيها داخل حدودها.
v    تسعى الدولة إلى تقديم مصالح عامة إلى مجتمعها.
v    يجب أن تحظى الدولة بشرعية من غالبية شرائح المجتمع.
v    تدار مهام الدول من قبل الموظفين العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وتمول من خلال الميزانيات العامة، وجمع الضرائب.
v    تنظم الدولة أنشطتها الاجتماعية بواسطة القوانين.

v    يجب الاعتراف بالدولة من قبل الدول الأخرى.
أشكال الدولة:
قسم فقهاء القانون الدستوري الدول من حيث الشكل إلى: دول بسيطة (موحدة)، ودول مركبة (اتحادية).
أولًا| الدول البسيطة:
تكون فيها السيادة موحدة، وسلطتها واحدة، وشعبها متجانس، ولا يؤثر فيها كبر أو صغر مساحتها الجغرافية، أو اتصال وانفصال أراضيها، ولا شكل الحكم فيها إن ملكيًا أو جمهوريًا.
مظاهر الدول البسيطة:
1.  وحدة سلطات الدولة: تتكون من ثلاث سلطات رئيسية، هي: (التشريعية, والتنفيذية, والقضائية)، تمارس اختصاصاتها وفقًا لأحكام الدستور.
2.    وحدة الدستور والتشريعات: تخضع لدستور واحد يسري على كل أجزاءها، يحدد اختصاصات كل سلطة من السلطات الثلاث، وعلاقتها ببعض، وتسن تشريعات تخاطب جميع مواطنيها.
3.  وحدة الإقليم والجنسية: يخضع إقليم الدولة في جميع أجزائه (الأرضية، والمائية، والجوية) لسيادة الدولة، كما أن جنسية المواطنين واحدة يخضع لها جميع المواطنين المقيمين عليها.
4.  وحدة السلطة الحكومية: لا يؤثر في وحدة السلطة شكل الحكومة أن تكون مركزية أو لا مركزية، فكليهما تتعلقان بكيفية توزيع الوظائف الإدارية في الدولة، ولا يتعلقان بنظام الحكم، بالتالي لا يمسان وحدة الدولة السياسية.
ثانيًا| الدولة المركبة (الاتحادية):
الدولة المركبة: "هي اتحاد دولتين أو أكثر، بحيث تخضع لسلطة سياسية مشتركة، وتتخذ أشكالًا متعددة من حيث الضعف أو القوة تبعًا لنوع الاتحاد".
أشكال الدول الاتحادية:
1)    الاتحاد الشخصي:
يقوم على اتحاد دولتين أو أكثر، بحيث تخضع لحكم شخص واحد مع احتفاظ كل دولة باستقلالها الخارجي، وشخصيتها الدولية، ولكل نظام حكمه، ودستوره الخاص، وسلطاته المستقلة.
الآثار المترتبة على قيام الاتحاد الشخصي:
v  خضوع الاتحاد لرئاسة شخص واحد، فهذا يجعله اتحادًا مؤقتًا، فيزول الاتحاد بزوال شخص رئيس الدولة. يمارس الرئيس سلطاته بصفته رئيسًا لإحدى دول الاتحاد تارة، وتارة بصفته رئيسًا للاتحاد تارة أخرى.
v  لا يتولد عن الاتحاد الشخصي قيام دولة جديدة، فكل دولة من دول الاتحاد لها سياستها الخارجية، وتمثيلها الدبلوماسي، ومعاهداتها الخاصة، وتستقل بمسؤولياتها الدولية.
2)    الاتحاد التعاهدي:
ينشأ الاتحاد التعاهدي نتيجة معاهدة مبرمة بين دول كاملة السيادة، تتفق على تنظيم علاقاتها الاقتصادية، والثقافية، والعسكرية... إلخ، ولا يترتب على هذا الاتحاد قيام دولة جديدة، إنما علاقة اتحادية بين مجموعة دول، بحيث تحتفظ كل دولة بسيادتها، واستقلالها، وحكمها، ونظامها السياسي، وتملك حق الانسحاب من الاتحاد متى شاءت. بموجب الاتحاد تنشأ جمعية عمومية تنظيم شؤونه، تتكون من مندوبين عن حكومات الدول الأعضاء، وينتهي الاتحاد بانفصال دول الاتحاد، أو حل الاتحاد.
3)    الاتحاد التفاعلي:
 يتكون من اتحاد دولتين أو أكثر في اتحاد دائم أو مؤقت يحكمه رئيس واحد، بحيث لم تعد الشخصية الدولية للدول الأعضاء في الاتحاد قائمة، إنما تتبلور في شخصية قانونية جديدة لها سياستها الخارجية الخاصة بها، ودستور جديد. يسمى هذا الاتحاد بـ"الاتحاد الفدرالي"، ينشأ نتيجة تقارب الشعوب من الناحية التاريخية، والحضارية، والثقافية.
مظاهر الدولة الاتحادية:
1.  تنفرد الدولة الاتحادية بممارسة السيادة في المحيط الدولي كإعلان الحرب، ومباشرة التمثيل الدبلوماسي، وإبرام المعاهدات، وتحمل المسؤولية الدولية عن نتائج أفعال سلطتها وهيئاتها الاتحادية والمحلية على السواء.
2.    يتكون إقليم الدولة الاتحادية من أقاليم الدول الأعضاء المكونة للاتحاد، فالسلطة الاتحادية تمارس سلطتها مباشرة على أقاليم الولايات الأعضاء مباشرة دون حاجة إلى توسط سلطات الولايات، وبدون النظر للحدود الجغرافية لأقاليمها.
3.    وحدة جنسية الدولة الاتحادية، فهي تعبر عن شعب واحد هو الشعب الاتحادي، وتختلف الجنسية الاتحادية عن المواطنة التي تمثل انتماء سكان الولايات إلى إماراتهم.
4.    الدستور الاتحادي هو الأساس القانوني الذي تقوم عليه الدولة الاتحادية.
5.    توزع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية والولايات الأعضاء.
4)    الاتحاد الكونفدرالي:
هو إتحاد بين حكومات دول مستقلة، ليس إتحادًا حقيقيًا بين شعوب تلك الدول، حيث تظل الدولة العضو محتفظة بكامل سيادتها، واستقلالها، واتخاذ ما تراه مناسبًا من سياسات لخدمة مصالحها.
نتائج الإتحاد الكونفدرالي:
1-  يقوم الإتحاد الكونفدرالي على أساس معاهدة دولية بين دولتين مستقلتين أو أكثر؛ لتحقيق أهداف معينة، ويمكن انسحاب أي عضو بشروط معينة.
2-  تنشأ هيئة مشتركة مستقلة، مهمتها خدمة أهداف الاتحاد، ولا تملك حق تمثيل الدول الأعضاء فيها إلا في أضيق الحدود.
3-  ليس للهيئة المشتركة سلطة مباشرة أو تنفيذية على حكومات ورعايا الدول الأعضاء، ويحتفظ رعايا الدول الأعضاء بجنسياتهم.
4-  غالبًا تخضع قرارات الاتحاد لمبدأ الإجماع، حتى تصبح نافذة أو قابلة للتنفيذ.
أركان الدولة:
أولًا| الشعب:
هو المكون الأساسي من مكونات الدولة، حيث لا يمكن قيام دولة بدون شعب، فالشعب هم أشخاص تربطهم بالدولة رابطة سياسية (الجنسية)، يترتب عليها آثار قانونية، أهمها: حقوق، وواجبات. فالمواطن يستفيد من الحماية الدبلوماسية التي توفرها له دولته على المستوى الدولي، إضافة لحقوق أخرى، مثل: تولي الوظائف العامة، والترشح، والانتخاب. في المقابل يقع على عاتقه واجبات، مثل: الولاء، والمساهمة في الأعباء العامة للدولة عند الاقتضاء. لا يشترط لقيام الدولة عدد محدد من الشعب، وليس لعدد الشعب تأثير على شخصية الدولة من الناحية القانونية.
يختلف مفهوم الشعب مع مفاهيم أخرى، هي:
¬    الشعب: يقوم على أساس رابطة سياسية (الجنسية).
¬  المواطنون: مجموعة من الناس ينتمون غالبًا إلى وطن واحد، وعرق واحد، ودين واحد، ولغة واحدة، لهم حقوق مدنية وسياسية واقتصادية تختلف حسب أنظمة الحكم.
¬  القومية: تقوم على مجموعة روابط ثقافية كـ(الدين، واللغة، والعرق)، هذه الروابط تولد مشاعر الانسجام بين أفراد الجماعة، لكن ليس بالضرورة أن تكون القومية موجودة في بقعة جغرافية واحدة محددة، بل قد تكون في أكثر من بقعة جغرافية، وتعتبر القومية عنصرًا من عناصر بناء الأمة.

¬  الأمة: هي مجموعة أفراد يقيمون في بقعة جغرافية محددة، تربطهم أهداف ومصالح مشتركة، فتخلق شعورًا قويًا يؤدي إلى الانسجام بين الأفراد، وهي تقوم على روابط معنوية أساسها اشتراك الأفراد في عناصر كثيرة، أهمها: (الأصل، العرق، اللغة، الدين)، وتعتبر شخصًا معنويًا حرًا؛ لأنها عابرة للزمان والمكان.
ثانيًا| الإقليم:
الإقليم: "هو مساحة الأرض، وما يعلوها من فضاء جوي، وما قد يلتصق بها من مسطحات مائية، وما في باطن الأرض من ثروات".
يعتبر الإقليم عنصر أساسي لقيام الدولة، إذ لا يتصور وجود سكان بدون إقليم.
عناصر الإقليم:
1-  الإقليم البري: يشمل اليابسة، وما يتخللها من أنهار، وبحيرات طبيعية أو اصطناعية، وما في باطنه من ثروات طبيعية ومعدنية. قد تكون حدوده طبيعية كالجبال والأنهار، أو اصطناعية بوضع علامات بالاتفاق بين الدول المعنية.
2-  الإقليم البحري: مساحة من مياه البحر العام في حدود معينة تحددها الدولة صاحبة الإقليم، تبسط عليه سيادتها وفقًا لأحكام القانون الدولي. هذا خاص بالدول المطلة على البحار.
3-  الإقليم الجوي: يشمل طبقات الجو التي تعلو الجزء البري والبحري من إقليم الدولة. نظرًا لأهمية المجال الجوي بالنسبة لأمن الدولة عقدت اتفاقيات دولية تنظم استعمال هذا المجال الحيوي خاصة في الملاحة الجوية.
ثالثًا| السلطة والسيادة:
لا يكفي لقيام الدولة توفر الشعب والإقليم، لابد من وجود سلطة منظمة تشرف على الإقليم، وتفرض النظام فيه، وتحميه، وتتعامل مع الكيانات الدولية الأخرى وفقًا للقانون الدولي.
السلطة غير السيادة. السيادة: هي استقلال السلطة في مواجهة الدول الأخرى، وسمو إرادتها داخل إقليمها، وهو المعيار الذي يميزها عن غيرها من الجماعات، وبمقتضى السيادة تدخل السلطة الوطنية في علاقات دولية كتبادل البعثات الدبلوماسية، والانضمام إلى المنظمات الدولية. فالسيادة يمكن تعريفها: "هي السلطة العليا على المواطنين والرعايا". وتتميز سلطة الدولة على إقليمها بأنها شاملة. من خصائصها: لا تقبل التصرف فيها. مع ذلك لا يمكن القول بالحرية المطلقة للدولة لكي لا تفقد شرعية أعمالها.
تعرض مفهوم السيادة للهجوم والنقد في نهاية الألفية الثانية، ووصفها البعض بأن الزمن تجاوزها، فلم تعد تستجيب للمفهوم الجديد للعلاقات الدولية، فالسيادة بالمفهوم التقليدي مفهوم غامض، كيف يمكن أن يكون الشخص القانوني سيد فوق القانون؟ إن السيادة المطلقة لا يمكن أن توجد إلا مع العزلة التامة، وهذا لا يمكن تصوره بالنسبة لواقع العلاقات الدولية اليوم في ظل العولمة السياسية التي اخترقت الحدود الجغرافية للدول. كما انتقدت السيادة؛ لأنها استعملت في أحيان كثيرة لتبرير الاستبداد الداخلي، وإعاقة نشاط المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
يمكن الجزم أن مفهوم السيادة التقليدي لم يعد قائمًا، ويتعرض لتعديل ملموس في مضمونه وحدوده بسبب الدعوة إلى (العولمة السياسية) وفرض قيم إنسانية يروج لها على أنها عالمية.
رابعًا| الاعتراف:
هو إعلان تقبل الدولة بموجبه دولة أخرى في المجموعة الدولية، وتقر لها بالحقوق والامتيازات اللاصقة بالسيادة.
الطبيعة القانونية للاعتراف:
1-  نظرية الاعتراف التأسيسي: لا تصبح الدولة شخصًا دوليًا إلا بعد الاعتراف بها.
عيب النظرية: أنها تربط وجود الدولة بإرادة دول أخرى، وعليه، تصبح الشخصية الدولية منحة من الدول، وليس وفقًا للقانون الدولي.
2- نظرية الاعتراف الإعلاني: لا يتعدى الاعتراف بالدولة كونه إقرارًا رسميًا بحقائق قائمة، فعدم الاعتراف بالدولة لا ينال من وجودها، ولا يمنعها من مباشرة حقوقها، إنما وظيفته تسهيل ممارسة الدولة لمظاهر سيادتها في المحيط الخارجي. الاعتراف ذو طبيعة سياسية أكثر منها قانونية، وهو شأن يتعلق بالواقع لا بالقانون، ولا يعدو عن كونه إقرار بحقيقة قائمة تعبر عن رغبة الدول في الاعتراف بهذه الوقائع، وقبول النتائج المترتبة عليها بإقامة علاقات مع الدولة المعنية.
أشكال الاعتراف:
1)    الاعتراف الصريح: يعني الإعلان عن قيام دولة معينة. عادة يكون بإصدار مذكرة رسمية من الدولة المعترف بها تبلغ إلى الدولة المعترف بها.
2)    الاعتراف الضمني: تصرف يصدر من دولة ما ولا يرفقه إعلان رسمي، كتبادل العلاقات التجارية أو الزيارات الرسمية.
3)    الاعتراف الفردي: يصدر عن دولة معينة، وليس عن مجموعة دول.
وظائف الدولة:
1)   الوظائف الأمنية:
الدولة كيان له سيادة، فهي تملك صلاحيات للحفاظ على الأمن داخل حدودها، وقد ارتبطت بالدولة وظائف أمنية، أبرزها: الدفاع عن أراضيها ومواطنيها، وحمايتهم من الاعتداءات الخارجية، والحفاظ على أمن حدودها من محاولات استهداف المواطنين وزعزعة الأمن الداخلي، وقد أوكلت هذه المهام للجيش الوطني. إلى جانب ذلك الدولة مسؤولة عن أرواح المواطنين، وأموالهم، وممتلكاتهم، وأعراضهم، والسلم الداخلي، واتخاذ التدابير الوقائية لتلافي وقوع الجرائم، وتعقبها إذا وقعت، ومعاقبة منفذيها، ذلك موكل للشرطة.
2)   تطبيق القانون ونشر العدالة:
من واجبات الدولة وضع دستور وقوانين تنظم علاقة الدولة بمواطنيها، وإنشاء أجهزة مسؤولة عن تطبيقها، ونشر العدالة بين الناس. توكل هذه المهام لجهاز القضاء الذي يجب أن يمتاز بالحيادية والاستقلالية.
3)   الوظائف المالية الاقتصادية:
من وظائف الدولة الأساسية في هذا الجانب وضع السياسة النقدية العامة، وصك النقود، وتنظيم المعاملات المالية، وتحقيق الرفاه الاقتصادي للمواطنين، وتنظيم الأنشطة الاقتصادية.
من وظائف الدولة تنظيم علاقتها مع الدول الأخرى، والتأسيس لشراكة حقيقية قائمة على تبادل المنافع، والتعاون المشترك؛ لتحقيق الأهداف المشتركة من أجل التطور والنهوض.
على الدولة أن تؤمن أنها ليست وحدها على الأرض، وعليها السعي لبناء سمعة طيبة، خاصة أن النظام العالمي لا يسمح لأي دولة بالعيش بمعزل عن باقي الدول على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي. إن سعي الدولة لبناء علاقات دولية جيدة يستلزم إنشاء مؤسسات قادرة على تحمل هذه المسؤولية.

النظريات المفسرة لنشأة الدولة:
1.    النظريات الثيوقراطية (الدينية):
يذهب أصحاب هذا الاتجاه مذهبًا دينيًا، حيث يقوم بِرَدْ كل الظواهر الاجتماعية، والسياسية، والقانونية إلى الله، فالدولة نظام قدسي فرضه الله لتحقيق الغاية من الاجتماع البشري، تقوم على تقديس الحاكم باعتباره خليفة الله على الأرض. بذلك استخدمت هذه النظريات لتوطيد سلطة الملوك؛ لتبرير استبدادهم، وعدم فرض أي رقابة على أعمالهم؛ لأنهم لا يحاسبهم إلا الله فقط.
عوامل تراجع النظريات الثيوقراطية:
تراجع دور هذه النظرية نتيجة ثلاثة عوامل، هي:
|    ظهور نظريات العقد الاجتماعي.
|    تبني الأيديولوجيا العلمانية التي فصلت الدين عند الدولة، مما يعني تراجع السلطة الزمنية، وتعزيز السلطة الزمنية.
|    تنامي الأفكار الديمقراطية التي دعت إلى مشاركة الشعب في الحكم، والتخلص من الحكم المطلق.
انتقادات النظرية الثيوقراطية:
|  لم يعد لها مكان في الفكر السياسي الحديث؛ لأن الدولة مؤسسة إنسانية تتكون من أفراد يقيمون على بقعة جغرافية ما بينهم مصالح مشتركة.
|    قوانين الدولة يضعها الأفراد، بالتالي هم الذين يشرفون على تنفيذها.

|  استخدمت هذه النظريات لتوطيد سلطة الملوك؛ لتبرير استبدادهم، وعدم فرض أي رقابة على أعمالهم؛ لأنهم لا يحاسبهم إلا الله فقط.
2.    نظريات العقد الاجتماعي:
برزت هذه النظرية في القرنين السابع عشر، والثامن عشر. من دعاتها: (توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو). تُرجِع أصل نشأة الدولة إلى العقد الاجتماعي، على أساس أن الدولة وسلطتها مصدرهما الشعب، لذلك لا تكتسب الدولة وسلطتها شرعيتهما إلا إذا كانتا وليدتي الإرادة الحرة للشعب.  
انتقادات نظريات العقد الاجتماعي:
|    فكرة العقد الاجتماعي خيالية ليس لها سند من الواقع، فلم يشر الفلاسفة لتجارب حدثت في الواقع.
|  تفترض النظرية أن الإنسان كان يعيش في عزلة قبل أن تنشأ الجماعة، وهذا قول غير دقيق؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين.

|    تفترض النظرية أن الأفراد كانوا يعيشون سواسية، وهذا افتراض غير دقيق.
3.    النظريات الاجتماعية:
تشمل: نظرية التطور الأسري، والقوة، التطور التاريخي.
أولًا| نظرية التطور الأسري:
ترجع أصل الدولة إلى الأسرة؛ لأن سلطة الحاكم في الدولة ترجع إلى سلطة رب الأسرة، فالدولة في أصلها كانت أسرة، ثم تطورت فكونت عشيرة، ثم تطورت لقبيلة، ثم تطورت القبيلة فشكلت مدينة، ثم دولة.
انتقادات نظرية التطور الأسري:
|  يرفض بعض علماء الاجتماع بأن الأسرة هي أول خلية تكونت منها المجتمعات، فقبل تكوين الأسرة شهدت المجتمعات البشرية مرحلة خالية من الاجتماع الأسري بالمعنى المتعارف عليه حاليًا.
|    التاريخ لا يؤيد هذه النظرية؛ لأنه توجد دول أسست ولم تمر في المراحل التي حددتها النظرية.
|  تشبيه السلطة العامة في الدولة بسلطة رب الأسرة فيها نظر؛ لأن سلطة رب الأسرة شخصية تزول بزواله، أما السلطة العامة في الدولة مستقلة عن الأفراد، أي هي مستمرة رغم زوال الأفراد.

|    تطور الدولة لا يكون من خلال التطور الأسري فقط، بل يدخل في عوامل اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية.  
ثانيًا| نظرية القوة:
ترى هذه النظرية أن أصل الدولة نشأ عن طريق القوة والضعف، فالدولة في مراحلها الأولى عبارة عن نظام اجتماعي معين فرضه شخص أو فريق يملك القوة على الجماعة. بذلك الدولة مجرد صراع بين الجماعات المختلفة، ولا مكان فيها للتكيف القانوني. هذه النظرية إن صلحت لتفسير نشأة بعض، لكنها لا تصلح لتفسير نشأة كل الدول.
ثالثًا| نظرية التطور التاريخي:
ترى أن الدولة نتجت عن تفاعل عوامل مختلفة عبر المراحل التاريخية أدت إلى تجمع الأفراد للتعايش معًا، وتطورت الأحوال فظهرت فئة حاكمة فرضت سيطرتها، فأدى لنشوء الدولة. لذا لا يمكن تحديد مولد الدولة بتاريخ معين، ولا يمكن رد نشأتها لعامل معين دون غيره، كالعامل الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو الديني، أو القوة. بل تعود لعوامل عديدة تفاعلت فيما بينها فقامت الدولة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها...

الخدمة الاجتماعية في مجال الأسرة والطفولة| الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة

د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة تعريف الخدمة الاجتماعية في مجال الطفولة: "الممارسة المهنية التي تهتم بتزويد الأطفال بالخدمات الاجتماعية، والمساعدات التي تعمل على حمياتهم، وعلاج المشكلات الاجتماعية، والنفسية، من خلال عمل الأخصائيين الاجتماعيين في عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية". المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة: 1.     مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري: تعمل على علاج مشكلات الأسرة، وتهيئة الجو الأسري الذي يعين على تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية، ومعاونة قضاة محاكم الأحوال الشخصية في البحث عن أسباب المشكلة الأسرية، والقيام بدراسات تتعلق بمشكلات الأسرة. 2.     مكاتب فحص الراغبين في الزواج: تعمل على فحص الأمراض الشائعة في المجتمع، والأمراض العقلية والنفسية، والأمراض التناسلية. 3.     مشروع الأسر المنتجة: يوفر العمل للأسر القادرة عليه، مما يسهم في القضاء على بطالة الأسرة، ويزيد من دخلها، وتحويل أفراد الأسرة من مستهلكين إلى منتجين، والاستفادة ...

خدمة الجماعة| مهارة التسجيل لدى أخصائي الجماعة

  د. بسام أبو عليان قسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى مهارة التسجيل: تعريف التسجيل: "هو تدوين الحقائق والأحداث كما وقعت؛ للرجوع إليها في المستقبل وقت الحاجة، وللإلمام بالموضوعات المختلفة". أهداف التسجيل: 1-      حفظ المعلومات من النسيان والضياع، ويمكن الرجوع لها وقت الحاجة إليها. 2-   دراسة الفرد في الجماعة كوحدة قائمة بذاتها من حيث نمط الشخصية، ومشكلاته الخاصة، وقدراته، وميوله، ومدى تفاعله مع برامج وأنشطة الجماعة. 3-      تفسير المواقف الاجتماعية المختلفة داخل الجماعة. 4-      إدراك الأخصائي الاجتماعي لذاته، فالتسجيل يساعده على نقد ذاته؛ لتطوير أدائه المهني. 5-      تقييم الخدمات المؤسسية. 6-      المساعدة في تصميم وتقييم برامج المؤسسة. 7-      قياس نمو وتطور الجماعة. 8-      المساعدة في الدراسة والبحث. 9-      تساعد أخصائي الجماعة لتقديم خدمة أفضل إلى الفرد والجماعة. 10-     ...