التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثامن من آذار (يوم المرأة العالمي)


د. بسام أبو عليان
محاضر بقسم علم الاجتماع - جامعة الأقصى
يحتفل العالم في الثامن من آذار ـ مارس من كل عام بـ"يوم المرأة العالمي". وإنْ كنت أتحفظ على هذه التسمية؛ لأن إسلامنا العظيم، ومجتمعنا العربي الأصيل، وقيمنا الأخلاقية الحسنة تحثنا على إكرام المرأة، واحترامها، وتقديرها في كل وقت وحين، وليس في أيام ومناسبات معينة ومحددة في العام، كيومنا هذا (يوم المرأة العالمي)، أو ما يسمى "عيد الأم". سواء كانت هذه المرأة (أمًا، أو أختًا، أو زوجة، أو ابنة، أو مربية، أو معلمة، أو طبيبة... إلخ) أيًا كان موقعها الاجتماعي. 
هذه المناسبات لها ما يبررها في مجتمعاتها، ـ أي في الغرب ـ، كونهم يهينون المرأة، ولا يحترمون قيمتها، وكرامتها، وإنسانيتها على مدار العام، ولا يتذكرونها إلا في مناسبات معينة. فالمرأة في مجتمع الغرب، ـ الذي يدعي الديمقراطية، والدفاع عن حقوق المرأة ـ، يتعامل معها كأي سلعة مادية (تباع، وتشترى)، المتأمل في الإعلانات التجارية مثلًا يجد للمرأة موضعًا في كل إعلان، سواء كان لها علاقة بموضوع الإعلان أو لم تكن لها علاقة. تجدها في إعلانات الملابس، والعطور، والإكسسوارات، وشفرة الحلاقة، وإطارات السيارات، والسماد الزراعي!
أما عن تعنيف المرأة: تتحدث التقارير عن أرقام مفزعة على مستوى العالم. خذ على سبيل المثال: في تقرير صدر عن وزارة العدل الأمريكية أوضح أن امرأة تعنف كل (خمسة عشر ثانية)!
لو خصصنا جانبًا من الحديث عن المرأة العربية، نجدها في العهد الجاهلي كانت تهان وتحقتقر، وحياتها مهدرة لا لشيء إلا لكونها أنثى، فكانت توأد، ـ تدفن وهي حية في التراب ـ، وإن نجت من الوأد تحرم من حقوق كثيرة كحق الميراث، وحرية الرأي، وحرية الاختيار... إلخ. إلى أن جاء الإسلام؛ ليحفظ للمرأة كرامتها، وإنسانيتها، فساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات الشرعية. قال تعالى: )وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا( [النساء: 124]. الآيات مثلها كثيرة في القرآن. وقد كفل لها حق التعليم، ففي الحديث: "استوصوا بالنساء: فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنساء" [البخاري: 3331]. وكفل لها حق العمل، وحفظ حقها في الميراث، ـ وهو من الحقوق التي نزلت مقسمة مفصلة جاهزة من السماء، لا مجال للاجتهاد أو التلاعب فيها ـ. كما شاركت المرأة في العهد النبوي في العديد من مجالات الحياة المختلفة: (الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والقتالية)، إضافة إلى أعمالها التقليدية.
إذا عقدنا مقارنة بين وضع المرأة العربية اليوم، وما كانت عليه المرأة على العهد الإسلامي الأول، نجد أن صور الظلم والإهانة التي تمارس بحقها ليست من الإسلام في شيء، إنما هي عادات وتقاليد جاهلية بالية، فحرمان المرأة من الميراث، والتعليم، والعمل، وحرية الرأي، هي عادات جاهلية، وليست إسلامية.
إن أردنا الحديث عن المرأة في المجتمع الفلسطيني، فإن المرء يقف حائرًا خشية ألا يعطيها حقها في التقدير، والاحترام. لقد كانت على الدوام بجانب الرجل في كافة المواقع في البيت، والحقل، والمصنع، والمدرسة، والجامعة، والمؤسسة الحكومية، والمؤسسة الأهلية... إلخ. الأهم من هذا أنها شاركت الرجل في كل أعمال المقاومة بدرجاتها وأشكالها المختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة. فمن نماذج النساء اللواتي شاركن في المقاومة المباشرة: (دلال المغربي، هنادي جرادات، آيات الأخرس، هبة ضراغمة، ريم الرياشي)، والقائمة تطول. أما مشاركة المرأة في المقاومة بشكل غير مباشر يكون من خلال رعايتها لأبنائها في حالات اعتقال، أو استشهاد، أو إعاقة رب البيت. وقد قدمت صورًا رائعة في هذا المجال، بل النساء اللائي يقفن على رأس أسرهن في ظل غياب معيل الأسرة خرَّجن أجيالًا من المتعلمين، والمثقفين، وحفظة القرآن الكريم، أفضل من الأسر التي يكون فيها رب الأسر على رأس أسرهم. لأنهن أدركن ثقل المهمة الملقاة على كواهلهن، فأدين الأمانة حقها، وحفظنها حق الحفظ.
لقد حققت المرأة الفلسطينية نجاحات كبيرة، وتبوأت مواقع متقدمة في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والثقافية، والعلمية. ما كان ذلك ليحدث لولا إيمانها بقضيتها، وكفاحها المستمر لنيل حقوقها بما لا يتعارض مع أحكام الشرع، وأنها نأت بنفسها عن دعوات الحركات النسائية المتطرفة التي ليست من الإسلام في شيء، وأنها تنافي أخلاقنا وديننا وقيمنا.
ختامًا: أبرق تحياتي لأمهات، وزوجات، وأخوات الشهداء، والأسرى، والجرحى. التحية موصولة لكل امرأة في أي موقع وظيفي تؤدي الأمانة التي أوكلت إليها على الوجه الحق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية (1)| مهارة المقابلة

بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى مهـارة المقابلة تعريف المقابلة المهنية: "لقاء وجاهي مقصود يعقد بين الأخصائي الاجتماعي والعميل أو المشاركين الآخرين في عملية المساعدة بهدف جمع معلومات متعلقة بالمشكلة أو إعطاء معلومات بهدف التأثير على سلوك العميل وتغيير بيئته الاجتماعية، بهدف المساعدة في حل مشكلته أو التخفيف منها". تعد المقابلة أداة مهمة لجمع المعلومات، إذا أحسن الأخصائي الاجتماعي التصرف مع العملاء؛ لأن العملاء يميلون لتقديم معلومات شفهية أفضل من الكتابة. تأتي أهمية المقابلة مع الأميين والأطفال والمسنين أكثر من غيرهم. فإذا كان الأخصائي يتمتع بروح مرحة وقبول اجتماعي، ولباقة في الحديث، وذكاء في طرح الأسئلة فإنه يهيئ جواً ودياً مع العميل. بالتالي يحصل على معلومات مهمة عن المشكلة، وبإمكانه تشجيع العميل على الحديث من خلال الإيماءات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد عموماً. عناصر المقابلة: 1)       العلاقة الاجتماعية: لا يمكن عقد المقابلة بدون وجود طرفيها معاً (الأخصائي الاجتماعي، والعميل). هذه العلاقة تحكمها العديد من المعايير المهنية. أدناها: (الترحيب بال

علم الاجتماع الحضري| الاتجاهات النظرية الكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري

د. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى الاتجاهات النظالكلاسيكية في علم الاجتماع الحضري: يمكن التمييز بين اتجاهين نظريين كلاسيكيين في علم الاجتماع الحضري درسا المدينة وظاهرة التحضر، هما: الاتجاه المحافظ، والاتجاه الراديكالي. أولًا| الاتجاه المحافظ: |      المبدأ الأساسي الذي يحكم المجتمع، هو: الثبات، والاستقرار، والنظام. |      من علماء الاتجاه المحافظ: ‌أ.         أوجست كونت: اهتم بقانون المراحل الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية)، وقارن بين الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية. ‌ب.    إميل دوركايم: اهتم بموضوعات، مثل: تقسيم العمل، والانتحار، والدين، والتضامن الآلي والتضامن العضوي. ‌ج.    ماكس فيبر: اهتم بأنماط السلطة الثلاث: (التقليدية، والكاريزمية، والقانونية)، ودرس موضوعات: البيروقراطية، والرأسمالية، والدين، والفعل الاجتماعي. وربط بين تطور المدينة والتغيرات التي طرأت الثقافة الغربية. ثانيًا| الاتجاه الراديكالي: |      ركز على الصراع الطبقي، وانتقال المجتمعات من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وقد جعلها ماركس في خمس مراحل، هي: (المشاعية، والإقطاعية، والرأسمالية، والاش

طرق الخدمة الاجتماعية| خدمة الفرد

طريقة خدمة الفرد مراحل تطور خدمة الفرد: مرت خدمة الفرد في عدة مراحل، حتى وصلت إلى شكلها الحالي. 1.    المرحلة المشاعية (العشوائية): بدأت المرحلة العشوائية منذ فجر الإنسانية، واستمرت حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، تميزت بعدة خصائص، أبرزها: تقديم المساعدات بدافع فردي وتلقائي، وبشكل عشوائي وبسيط بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية، قدمت كهبة أو صدقة أو إحسان، إلا أنها قُدِّمَت بصور مهينة ومذلة، لم تحفظ كرامة الفرد. فلم يكن في هذه المرحلة مؤسسات حكومية تمارس الخدمة الاجتماعية، بل قدمت الخدمات من خلال: (بيوت المال، ودور العبادة، والجمعيات الدينية، وبيوت الإصلاح)، فلم يكن يوجد أخصائيين اجتماعيين يمارسون مهنة الخدمة الاجتماعية، إنما مورست من قبل متطوعين بواسطة: (الأثرياء، ورجال الدين، والسحرة، والمشعوذين، والمخاتير، وكبار القبائل). 2.    المرحلة التمهيدية (تنظيم الجهود): بدأت المرحلة التمهيدية مع صدور قانون الفقر الإنجليزي سنة (1601م)، واستمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث لوحظ زيادة في الجهود الإنسانية التي قدمت المساعدات للفقراء والمحتاجين، وذلك يعود لسببين: | الأ